جامع الصحيحين بحذف المعاد والطرق

المقدمة

          أخبرنا الإمام والدي أبو عبد الله مُحَمَّد بن أحمد [بن عبد الله، أكرمه الله بطاعته] في شهور سنة ثلاث وتسعين وخمس مئة عن كتاب المصنِّف [الحافظ المقرئ] أبي نُعَيم الحدَّاد، وأخبرنا الأخوان أبو عبد الله مُحَمَّد وأبو بكر أحمد ابنا مُحَمَّد عن أبي نُعَيم الحدَّاد، والنفيس أحمد بن عبد الله بن أحمد، فيما [أجازوه] لي رحمهم [الله] قالوا:
          ♫
          استعنتُ بالله
          {الحَمدُ لله الذي هَدانا لِهذا وما كنَّا لِنهتديَ لَولا أن هَدانا اللهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43] وصلواتُه على خير مَنِ ابتعثه للرسالة، وعلى آله وأصحابه، وعلى كافَّة أهل السُّنَّة والجماعة.
          أمَّا بعد:
          فإنَّ اللهَ تعالى خلق الخلق لعبادته، فقال عزَّ من قائل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [الذاريات:56-57].
          وأولُ مَن ابتعثه آدمُ أبو البشر ◙، فقال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] ليدلَّ الناس على هداهم، ويدعوهم إلى اتِّباع ما جاءهم به من عند مولاهم، وكذلك كلُّ مَن جعلهم خلائفَ، وأعطاهم المعارفَ، ابتعثهم من بعده على سَمْتِه ليتَّبعوه، وينتهوا إلى ما بلَّغوه، قال الله تعالى: {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7].
          ثمَّ أثنى على مَن ثبت على المنهاجِ، وتنكَّب سبيل الزَّيْغِ والاعوجاجِ، فقال: {لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا. إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} إلى قوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:162-165].
          في غيرها من الآيات التي تدعو أهلَ المِلل إلى متابعة ما قد جاءهم من ربِّهم على ألسنة السُّفراء من الأنبياء والرُّسل، وإنَّ أولَ ما يتوجَّه من الله على عبيده أنْ يُلقوا إليه مقاليدَ الإذعان في الإقرار به والإيمان، قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ} [البقرة:131].
          ورَوى البراءُ بن عازب ☺ قال: جاء رجل فقال: يا رسولَ الله؛ أُقاتِلُ ثمَّ أُسلِم، أو أُسلِم ثمَّ أُقاتِل؟ فقال: «بل أَسلِمْ، ثمَّ قَاتِلْ».
          وكلُّ مَن وافقنا على كلمة التقوى أولًا اضطرَّه وِفاقُهُ إلى أن يلتزمَ ما أتاه من شريعة الله ╡ بسِفارة الرسول دون ما تَرْتَئِيهِ النَّفسُ، ويقضي به الهوى بمُوجب الآية البالغة.
          وإذا قيل له الآن مثلًا: ما الطريقُ إلى وقوع العلم بما جاء به نبيُّنا إلينا من ربِّنا ╡: صلعم؟ لم يجدْ مَحيْصًا على حال من أن يقول: طريقُ ذلك البلاغُ والسمعُ؛ فإن الله تعالى شهد لنبيِّنا صلعم أنَّه ختم به النبيِّين، ولا يجد بُدًّا من أن يقول: دُعينا حتمًا إلى اتِّباعه، وإنْ تطاوَلَ مُضيُّ الدُّهور والأزمان، إذ أقرَّ أنَّ دِينَه آخرُ الأديان، ولم ينتهِ الأمر به في الرسالة إلى غايةٍ، ولم يمتدَّ إلى نهاية.
          وإذا قيل له: ما الطريقُ الذي يُتوصَّلُ به إلى معرفة ما دلَّهم عليه؟ لم يكدْ يَتَفَصَّى عن أن يقول: طريقُ ذلك ضَبْطُ الدِّين بوُرَّاث علوم الأنبياء من العلماء، الذين هم بِسمة العدالة متَّصفون، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].
          ونحن نُعاينُ ذلك كما أنَّ الحفظ من الله قائمٌ مقامَه، كذلك ضبطُ العُدول الصادقين ثابتٌ من الذين رفع الله بهم أعلامَه، فرشَّح للدِّين مَن يذبُّون عنه، ويحمونه، ويقومون بضبطه، ويُحيُونه، ويفصلون _بقيامهم به حقَّ القيام_ بين صدق الصادق والكذب الزائغ المنافق، فيُوطِّدون للصِّدقِ أركانَه، ويَهدمون للكذب بُنيانَه.
          وإن قلت: ما هم إلَّا الفرقةُ المتسمِّية بالفقهاء؛ فلَعَمْرُك إنهم لمنهم، لكنْ أمام ذلك درجةٌ لم يبلغوها، وهي المعرفة الحاصلة لحاملي الآثار، بالصحيح وَالمعتلِّ من الأخبار، وليس يمكنهم أن ينكروها، فإنَّه ما لم يثبتْ صدقُ الحديث وصحته؛ لم يتَّجِهْ أن تستنبط منه الشُّعَبَ، وإنما نَتِيجَةُ تقاسيم الفروع بثبات الأصل المسموع.
          ولعلَّ قائلًا يقول: إنَّ هذا / الفنَّ من العلم لا يرجع طالبه إلى طائلٍ وراءه، وليس كذلك؛ فإنَّه كما تحتَّم في الابتداء حمايةُ الأمر عن دَغِل المُفترين، حتَّى قاموا به ذابِّين وناصرين، فميَّزوا الخالص من مشوبه.
          قيل لعبد الله بن المبارك ☼: إنَّ الزنادقةَ دسُّوا في الحديث ما ليس منه، فقال: يعيش له الجَهَابذة النُّقاد.
          كذلك يتحتَّم في المستأنف ضبطُ ذلك وحفظُه وحمايتُه، إذ لا أمنَ أن يَدْغَلُوا فيه كما دَغَلُوا أوَّلًا، إذ استمرارُ تلك بضبط قواها، والكَتْبُ أدنى درجاتها، والحفظُ والوقوفُ على سائر أنواع علوم الحديث أعلاها وأقواها.
          وإن قلتَ لبعض آحاد العلماء: كيف بنيتُم أقوالَكم على الآثار؟ لم يَستجزْ أن يُحِيرَ عنه جوابًا فيقول: بنيتُ عليها بمجرَّدِها، إلَّا بعد قول أهل العلم بها، الذين من أهل التمييز فيها بين قويِّها وواهيها.
          وإنَّ أبا الوليد قال: لو كان لي سلطانٌ لَعاقبتُ مَن يكتب الحديث ولا يتفقَّه، ومَن يتفقَّه ولا يكتب الحديث؛ لأنَّهما أصلان لا ينفكُّ أحدُهما عن الآخر.
          وقال الشافعيُّ ☺: إذا رأيتُ رجلًا من أصحاب الحديث؛ فكأنِّي رأيت رجلًا من أصحاب النبيِّ صلعم.
          فعلِمتُ أنَّ الأمرَ دائرٌ بين الكتاب والسُّنَّة الصحيحة، قال الله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام:38].
          وقال صلعم: «تركتُكم على البيضاء؛ ليلُها كنهارها، لا يزيغُ عنها إلَّا هالكٌ» وقال صلعم: «لا تجتمع أمَّتي على ضلالة».
          وكان فيما أنزل الله ╡ مِن آخر ما أنزل في حَجَّة الوداع عشيَّةَ عرفةَ يومَ الجمعة قولُه ╡: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ} [المائدة:3] ثمَّ قال صلعم: «سَتَلْقَون ربَّكم فيسألُكم؛ فلا تَرجعوا بعدي ضُلَّالًا» وفي رواية: «كُفَّارًا» ثمَّ قال: «ألا لِيبلِّغِ الشاهدُ منكم الغائبَ».
          فمَن زعم أنَّ في الدِّين نقصانًا بعد أن شهد الله له بالإكمال والإسباغ، وأنَّ التوصُّلَ إلى الدِّين الذي جاءت به الرُّسُل بغير طريق السماع والإبلاغ؛ لزمَه من حُكم الله تعالى وحُكم رسوله ما لزمَه، قال الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] و{إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] لم يلزمهم سمةُ النفاق إلَّا بتركهم العملَ باطنًا بما دعاهم إليه، أو دلَّهم عليه، وهذا ممَّا لا يَمتري فيه ذو دِينٍ منصفٌ، فَلْينظر المتديِّنُ لنفسه، وَلْيخترْ ما سينفعه في دنياه وآخرته، وإنْ علمَ أنَّه غيرُ مَشُوب بالهوى والعصبيِّة، فَلْيعملْ عليه إن شاء الله.
          ثمَّ إنَّ أحدَ أعيان الوقت من أئمَّة الدِّين، وجماعةً من إخواني _رعاهم الله بتوفيقه_ اقترحوا عليَّ في أن أُلخِّصَ لهم من الكتابَين الصَّحيحَين _للإمامَين المُقدَّمَين محمدِ بن إسماعيلَ البُخاريِّ الجُعْفِيِّ أبي عبد الله، ومُسلِمِ بنِ الحجَّاجِ بنِ مُسلِمٍ القُشَيريِّ النَّيْسابوريِّ أبي الحُسَين ☻، اللَّذَين جعلَهما اللهُ تعالى عَلَمَين للناس منصوبَين بنُصحهما للأمَّة، وكشفِهما للغُمَّة_ كتابًا حاويًا لذكر ما خرَّجا فيهما من الآثار؛ إذ سَبَرَا من هذا الأمر ما لم يَسبُرْ غيرُهما، واستَبكَرَاه، فجَلَّيا للناس ما عرَفَاه، وأَلغيا ما استنكَرَاه، وليس لغيرهما ما لهما من السَّبْقِ في ذلك، سَبَقَ إليه البُخاريُّ، وصَلَّى مسلمٌ، ومَن قال لك: إنَّ مُثلِّثًا تلاهما، فلا تُصدِّقْه.
          ولقد صدق القائلُ إذ قال ثناءً على البُخاريِّ: [من البسيط]
المسلمون بخيرٍ ما بَقِيْتَ لهم                     وليس بعدَك خيرٌ حينَ تُفْتَقَدُ
          ونهجَ على سَمْتِه، ونسج على مِنْوال نَعْتِه، وتوفَّر على الأخذ منه مُسلِمٌ، فكان يقول له: يا أستاذَ الأُستاذِين، ويا طبيبَ المحدِّثِين.
          واغتاصَ في استخراج ما قد اغتاصَ عليه بطريقٍ أسهلَ، وإن كان المنهجُ الأولُ أَولى وأجملَ، وكلاهما قد أنصفَ وما اعتَسَفَ، وإنَّما حُمتُ حول رموزٍ سيقف عليها مَن أراد أن يخوضَ فيها، فيَعْتَامَ ويُنعمَ النظرَ في الحديث كَلَّ الإنعام.
          وقالوا لي: إنَّهما كتابان مشحونان بكثرة الطُّرُق، / مُوشِّحان بفروع الأسانيد الواسعة، وربَّما كُرِّرَ فيهما حديثٌ واحدٌ في مواضعَ عدةٍ، لا سيَّما في كتاب البُخاريِّ، وقد يَحارُ في ذلك الناظرُ الذي لا عهدَ له بهذا الشأن فلا يَضبطُه، خصوصًا في حقِّ مَن لم يُعَانِ ممارستَه.
          فلم أكنْ أَبُتُّ القولَ لهم في ضمان ذلك، إلى أنْ بَدَرَ يومًا على لساني: سأفعلُ، فصِرتُ رهينَ قولي، فلم أستَجِزِ الإخلالَ بوعدي، وقلت: لعلَّ اللهَ تعالى ينفع به الناسَ مِن بعدي، ورَعيتُ حُرمةَ مَن اختلفتُ في سالف الدهر إلى أبيه، وحقوقَ إخوته الذين يَلُونَهُ، وكلُّ واحدٍ منهم يمُتُّ مني بماتَّةٍ قويةٍ، ويقرُبُ بذمَّةٍ مرعيَّةٍ، فإنهم للناس سادةٌ، كما هم للدِّين قادةٌ، وتقرُّبي إليهم بحبِّي لهم عادةٌ، وبذلك أرجو الخَلاصَ، وأُولِيهِم في شهادتي هذه الإخلاصَ؛ دعوى صديقٍ صادقٍ، غيرِ مُماذِقٍ، واستوفقتُ اللهَ تعالى، ولخَّصتُ لهم ما سألوني، وخرَّجتُه بأسانيدي التي كُنتُ استفدْتُها من مشايخي الماضين؛ أُسوَةً بمَنْ تقدَّمني في التخريج على حسب ما لا يشذُّ عنه أثرٌ يتضمَّن معنًى لا يوجد في غيره، إمَّا مستوفِقًا، أو مستبدِلًا بدلًا يُقرِّبُ المسافة، ويأمَنُ السالكُ فيه الآفة.
          وضاق عليَّ الوقتُ فيه، فَلْيعذرْني مَن طالَعَه؛ فإنَّي لم أُنفِّسْ فيه الأيام، ولم أُجفَّ فيه الأقلام، ولم أخترْ لنفسيَ الإجمام، بعدَ أن احتجتُ فيه إلى مطالعة الكتابَين مراتٍ كنتُ أقومُ فيها وأقعد، وكُلَّما قلْتُ: استقربْتُ الأمر وجدتُني من بعده أستوغِرُ وأستبعد، إلى أن سهَّلَ اللهُ المرامَ، وقرَّب الاختتامَ.
          وبوَّبتُ الكتابَ تبويبًا، ورتَّبتُه ترتيبًا قريبًا يهتدي إليه الطالب إن شاء الله ╡، فأولُ ذلك:
          (أ) كتابُ التَّوحيدِ، وذكر عظمة الله وأسمائه، وعائدته على العبيد بفضله وإحسانه.
          (ب) ثمَّ كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة.
          (ج) ثمَّ كتاب قَبول خبر الواحد الثِّقة.
          (د) ثمَّ كتاب الإيمان، وبيان سَعَته، وذكر الإحسان.
          (ه) ثمَّ كتاب ما هو من عقائد أهل الأثر والحديث.
          (و) ثمَّ كتاب العلم، والحثُّ على الرِّواية والتثبُّت فيها، وذكر جماعةٍ من الضُّعفاء.
          (ز) ثمَّ كتاب الأحكام على ترتيب الأرباع الأربعة.
          (ح) ثمَّ كتاب الأدب، وفي آخره: ذكر ما جاء في ذَمِّ الكَهانة والتطيُّر، وما جاء في الرُّقى والاكتواء وإصابة العين، وذكر ما جاء في الطاعون، وثواب الأوصاب والأمراض، وكتاب الطِّب.
          (ط) ثمَّ كتاب التفسير والتعبير للرُّؤيا.
          (ي) ثمَّ كتاب الفضائل، مبتدئًا فيه بعلامات النُّبوَّة.
          (يأ) ثمَّ كتاب التوبة والذِّكر والدعاء.
          (يب) ثمَّ كتاب أبواب البِرِّ. /
          (يج) ثمَّ كتاب الزُّهد والرَّقائق.
          (يد) ثمَّ كتاب السِّيَر، وأوله: باب بدء الخلق، وذكر الأنبياء صلوات الله عليهم، وأخبار بني إسرائيل والجاهلية إلى أول بعثة نبيِّنا محمَّدٍ صلعم، معقبًا بالهجرة والمغازي كلِّها إلى آخر وفاته، وأيَّام الخلفاء ♥.
          (يه) ثمَّ كتاب الفتن إلى آخر فتنة أخبر عنها لقيام الساعة.
          (يو) ثمَّ كتاب البعث والنُّشور، وصفة القيامة وأهوالها، معقِّبًا بصفة الجنَّة والنار، وذكر الشفاعة، وآخر مَن يُخرجهم اللهُ تعالى برحمته وفضله من النار فيُدخلُهم الجنةَ، وذبحِ الموت، وما يُبشَّر به الخلائق من الخلود في الدَّارَين.
          نسأل اللهَ العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة، وأن ينفعَنا به والمسلمين كافةً، آمين.
          وقد أرجو أن يكون الثوابُ لي في ذلك إن شاء الله ولمن استحثَّني أكثرَ وأعظمَ؛ إذ كان يحدُو بي إليه، ومَن دلَّ على خيرٍ فله مثلُ أجر فاعله، وإن كنت لا أرضى لنفسي إلَّا أن أكونَ مغموسًا في النظر في الأَثَرِ، إلى أن يَلحَقَني ما أتاحَ اللهُ لعبيده من القَدَرِ، فأُصافحَ في القيامة إن شاء الله تعالى سيد البَشَرِ صلعم، وإنما أحبُّ الحياةَ لأنْ أعفِّرَ وجهي في التراب لخالقي، وحقٌّ لوجهه أن تَعنُوَ له الوجوهُ، ثمَّ لإحياء السُّنَّة؛ فإنَّها قد غَرُبتْ، وأغرَبُ منها مَن يَعْرِفها أو يعمل بها، قال صلعم: «المتمسِّكُ بسُنَّتي عند فساد أمَّتي، كالقابض على الجَمر» فما ظنُّك بمن التقوى في صدره بين جَنبَيه، والجمرُ في يدَيه، والناسُ كلُّهم عليه؟ كيف ثباتُه وصبره إلَّا إن أحسنَ اللهُ تعالى إليه، فثبَّته بثباتِه، وأعانه بعونه إلى وقت وفاتِه؟
          جعلنا اللهُ تعالى ممن يَستنهج كتاب ربِّه وسُنَّة نبيِّه، ويَقتفي بالصالحين من بعده، وحشرَنا معهم في زُمرتهم، وجعل نيَّتَنا في ذلك خالِصَةً لوجهِه الكريمِ، بمنِّه القديمِ، وإحسانِه العميمِ.