انتقاض الاعتراض

باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض

          ░13▒ (باب دَلْك المرأة نفسها إذا طهُرت مِن الحيض)
          أورد مِن طريق منصور عن صفية عن عائشة أنَّ امرأةً سألتِ النَّبيَّ صلعم عن غسلها مِن الحيض فأمرها كيف تغتسل، فقال: «خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرِي بِهَا» إلى أن قالت عائشة: «فاجتبذتها إليَّ، فقلت: تَتَبَّعِيْ بِهَا(1) أَثَرَ الدَّمِ».
          قال (ح): ليس في الحديث / ما يطابق الترجمة؛ لأنَّه ليس فيه الغسل ولا الدَّلك.
          وأجاب الكِرْمَاني تبعًا لغيره بأنَّ تتبع أثر الدَّم يستلزم الدَّلك، وبأنَّ المراد مِن كيفية الغسل الصِّفة المختصَّة بغسل الحيض، وهو التطييب، لا نفس الاغتسال، انتهى.
          وهو حسنٌ على ما فيه مِن كُلفةٍ، ثمَّ قال في شرح قولها: فأمرها كيف تغتسل قال: «خذي» فقال الكِرْمَاني: هو بيانٌ لقولها: أمرها، فإن قيل: كيف يكون بيانًا للاغتسال، والاغتسال صبُّ الماء، لا أخذ الفرصة؟.
          فالجواب: أنَّ السؤال لم يكن عن نفس الاغتسال؛ لأنَّه معروفٌ لكلِّ أحدٍ؛ بل كان لعذرٍ زائدٍ على ذلك.
          وسبقه الرَّافعيُّ في «شرح المسند» وابن أبي حمزة(2) وقوفًا مع هذا اللَّفظ الوارد، وأحسن منه في الجواب أنَّ المصنِّف(3) جرى على عادته في التَّرجمة ممَّا تضمنه بعض طرق الحديث الذي يورده، وإن لم يكن المقصود منصوصًا فيما ساقه، وبيان ذلك أنَّ مسلمًا أخرج هذا الحديث مِن الوجه الذي أخرجه منه البخاري، فقال بعد قوله: كيف تغتسل ثمَّ تأخذ، فأتى بلفظة: «ثم» الدَّالة على تراخي تعليم الأخذ عن تعليم الاغتسال.
          ثمَّ رواه من طريق أخرى عن صفيَّة عن عائشة فقال فيها: «تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ(4) الطَّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثمَّ تَصُبَّ(5) عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذَ(6) / فرْصَةً» الحديثَ، فهذا(7) مراد الترجمة؛ لاشتماله على كيفية الغسل والدَّلك، وإنَّما لم يخرِّج المصنِّف هذه الطريق؛ لكونها مِن رواية إبراهيم بن مهاجر عن صفته(8)، وليس هو على شرطه.
          قال (ع) مغيرًا(9) على هذا الفصل برمَّته غافلًا(10) عمَّا تقدَّم له مِن إنكاره أن يكون البخاري يترجم بشيءٍ ويحيل به على ما ورد في بعض طرق ذلك الحديث عنده في موضع آخر فضلًا عن غيره، وقد تكرَّر إنكاره ذلك(11) فيما مضى، وأمَّا هنا فإنَّه قال: مطابقة هذا الحديث الترجمة أنه يدلُّ على الدَّلك بطريق الاستلزام، وأمَّا كيفية الغسل فالمراد بها الصِّفة المختصة بغسل المحيض(12) وهي التَّطيب، إلَّا(13) نفس الاغتسال، مع أنَّ الكيفية مذكورةٌ في أصل الحديث الذي ذكره واكتفى به على عادته أنَّه يذكر ترجمةً ويذكر فيها ما تضمَّنه بعض طرق الحديث الذي يذكره.
          وتمامه عند مسلم فإنَّه أخرجه مِن طريق ابن عيينة، فساق (ح) إلى قوله: وليس هو على شرطه، فأغار على كلام مَن سبقه فادَّعاه وخالف عادته في إنكار مثل ذلك على ما تقدَّم صوابًا، فكيف رضي به هنا؟ وإن كان الذي ذكره هنا صوابًا فما وجه تكرار إنكار مثله فيما مضى عدم التَّورع في إيهام(14) ما تعب غيره عليه بأن ينسبه إلى نفسه؟ والله المستعان.
          وقد رجع إلى ارتضاء هذا الجواب فقال في باب امتشاط المرأة عند غسلها ما نصُّه: قيل: جرت عادة / البخاري في كثيرٍ مِن التراجم أنَّه يشير إلى ما تضمَّنه بعض طرق الحديث وإن لم يكن منصوصًا فيما ساقه كما تقدَّم في باب دلك المرأة نفسها.


[1] قوله: «بها» ليس في (س).
[2] في (س) : «جمرة».
[3] في (س) : «المنصف».
[4] في (س) و(ظ) : «فيحسن».
[5] في (س) و(ظ): «يصب».
[6] في (س) و(ظ): «يأخذ».
[7] في (ظ) : «فهو».
[8] في (د): «صفية».
[9] في (س) : «مغترًا».
[10] في (س) و(ظ): «فلا».
[11] في (ظ) : «لذلك».
[12] في (س) : «الحيض».
[13] في (د) و(س) و(ظ): «لا».
[14] في (س) : «إبهام».