التلويح شرح الجامع الصحيح

باب فضل ليلة القدر

          ░1▒ بَابُ فَضْلِ لَيْلَةِ القَدْرِ
          وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ}[القدر:1].
          هذه السورة مكية في قول مقاتل، وفي الكتاب المعروف بـ «مقامات التنزيل»: لا خلاف في ذلك.
          وقال الواحدي: هي أول سورة نزلت بالمدينة.
          أخبرنا المسند المعمَّر فتح الدين الدَّبُوسِي، عن ابن المقير، عن أبي الفضل الميْهَنِي، عن الواحدي: أخبرنا أبو بكر التميمي: حدَّثنا عبد الله بن حبان: حدَّثنا أبو يحيى الرازي: حدَّثنا سهل بن عثمان: حدَّثنا يحيى بن أبي زائدة، عن مسلم، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد قال: «ذكر النبي صلعم رجلًا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله تعالى ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك / ، فأنزل الله جلَّ وعزَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} قال: خير من الذي لبس السلاح فيها ذلك الرجل».
          وقال الطبري: حَدَّثنا ابن مثنى: حدَّثنا عبد الأعلى: حدَّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: «نزل القرآن كلُّه جملةً واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، وكان الله جلَّ وعزَّ إذا أراد أن يحدِث في الأرض شيئًا أنزله منه حتى جمعَه».
          وعن الشعبي قال: «نزل أول القرآن ليلة القدر».
          وعن مجاهد: «ليلة القدر ليلة الحكم».
          وحدَّثَنا أبو الخطاب الجارودي سهيل: حدَّثنا سلم بن قتيبة: حدَّثنا القاسم بن الفضل: حدَّثنا عيسى بن مازن، قال: «قلت للحسن بن علي: عمدت لهذا الرجل فبايعت له؟ يعني معاوية، فقال: إن رسول الله صلعم أُرِيَ بني أميَّة يعلون منبرَه خليفة بعد خليفة، فشقَّ ذلك عليه، فأنزل الله سورة القدر. قال القاسم: فحسبنا مُلْكَ بني أمية فإذا هو ألف شهر».
          وقال مقاتل: «أنزل الله جلَّ وعزَّ القرآن العظيم من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا إلى السَّفَرةِ، وكان ينزل تلك الليلة من اللَّوح على قدر ما ينزل به جبريل صلعم إلى النبي صلعم في السنة كلها إلى مثلها من قَابِل، حتى نزل القرآن العظيم في ليلة القدر من رمضان».
          وفي «تفسير ابن عباس» جمع ابن أبي زياد الشامي: أنزل الله جلَّ وعزَّ صحف إبراهيم صلعم في أول ليلة من رمضان، وأنزل التوراة لستِّ ليالٍ خلون منه، وأنزل الزبور لاثنتي عشرة خلون منه، وأنزل القرآن ليلةَ أربعة وعشرين من رمضان.
          قال ابن عباس: «لأَنْ أقوم ليلة أربع وعشرين أحبُّ إلي من أقوم الشهر كله».
          قال البخاري: وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: «مَا كَانَ فِي القُرْآنِ: {مَا أَدْرَاكَ}[الانفطار:18]. فَقَدْ أَعْلَمَهُ، وَمَا قَالَ: {وَمَا يُدْرِيكَ}[الأحزاب:63]. فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ».
          هذا التعليق ذكره ابن عيينة في «تفسيره» / الذي أخبرنا به بدر الدين الحنفي قراءةً عليه، عن صالح المُدْلَجي، عن الحافظ أبي القاسم الدمشقي، قال: أخبرنا الإمام أبو علي الحسن بن المظفر: أخبرنا والدي قراءة عليه، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس: أخبرنا أبو جعفر الديلي: حدَّثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي: حدَّثنا سفيان بن عيينة فذكره.
          وقد اختلف العلماء في ليلة القدر:                     
          فقيل: هي أول ليلة من رمضان.
          وقيل: ليلة سبع عشرة.
          وقيل: ليلة ثمان عشرة.
          وقيل: ليلة تسع عشرة.
          وقيل: ليلة إحدى وعشرين.
          وقيل: ليلة ثلاث وعشرين.
          وقيل: ليلة خمس وعشرين.
          وقيل: ليلة سبع وعشرين.
          وقيل: ليلة تسع وعشرين.
          وقيل: آخر ليلة من شهر رمضان.
          وقيل: في أشفاع هذه الأفراد.
          وقيل: في السنة كلها.
          وقيل: في جميع شهر رمضان.
          وقيل: تتحول في ليالي العشر كلها.
          وسميت بذلك: لعظمها، قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرَوُا اللهَّ حَقَّ قَدْرِهِ}[الأنعام:91].
          وقيل: سميت بذلك من المضيق، قال تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهُ رِزْقُهُ}[الطلاق:7]. وهي ليلة تضيق الأرض فيها عن الملائكة.
          وقيل: سميت بذلك لما يقدر فيها من الأشياء.
          وقيل: من لم يكن له قَدْرٌ يصير برؤيتها ذا قَدْرٍ.
          وقيل: لأنه أنزل فيها كتاب له قدر، وينزل فيها رحمة ذات قدر، وملائكة ذوو قدر.
          وفي «شرح الهداية»: ذهب أبو حنيفة إلى أنها في رمضان تتقدم وتتأخر، وعندهما: لا تتقدم ولا تتأخر، لكن غير معينة، وقيل: هي عندهما في النصف الأخير من رمضان.
          وعند الشافعي: في العشر الآخِر لا تنتقل، ولا يزال إلى يوم القيامة.
          وقال أبو بكر الرازي: هي غير مخصوصة بشهر من الشهور، وبه قال الحنفيون.
          وفي قاضي خان: المشهور عن أبي حنيفة أنها تدور في السنة كلها، وقد تكون في رمضان، وقد تكون في غيره، وصح ذلك عن ابن مسعود.
          وذهب ابن الزبير إلى أنها ليلة سبع عشرة، وأبو سعيد الخدري إلى ليلة إحدى وعشرين / وإليه ذهب الشافعي.
          وعن عبد الله بن أُنَيسٍ ليلة ثلاث وعشرين.
          وعن ابن عباس وغيره من الصحابة: ليلة سبع وعشرين.
          قال ابن عباس: السورة ثلاثون كلمة، فإذا وصلت إلى قوله: {هي} فهي سابعَة وعشرين منها، وكان يقول: خلق الإنسان من سبع، ورمي الجمار سبع.
          وعن بلال: ليلة أربع وعشرين.
          وعن علي: ليلة تسع عشرة.
          وقيل: هي في العشر الوسط، والعشر الآخر.
          وقيل: في أشفاع العشر الأواخر.
          وقيل: في النصف من شعبان.
          وقول الشيعة: إنها رفعت، يرد عليهم قوله: «التمسوها في كذا وكذا».
          وقال ابن حزم: فإن كان الشهر تسعًا وعشرين فهي في أول العشر الآخر بلا شك، فهي إما في ليلة عشرين، أو ليلة اثنين وعشرين، أو ليلة أربع وعشرين، أو ليلة ست وعشرين، أو ليلة ثمان وعشرين، وإن كان الشهر ثلاثين فأول العشر الأواخر بلا شك، إما ليلة إحدى وعشرين، أو ليلة ثلاث وعشرين، أو ليلة خمس، أو ليلة سبع، أو ليلة تسع وعشرين في وترها.
          وعن ابن مسعود: إنها ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة يوم بدر، وحكاه ابن أبي عاصم أيضًا عن زيد بن أرقم.
          وفي «مسند عبد الله بن وهب البصري» عن عبيد الله بن عمرو: «من صلَّى العشاء الآخِرة أصاب ليلة القدر».
          وفي «شرح المهذب» عن الشافعي: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بنصيبه منها.
          وحديث الباب تقدم.