التلويح شرح الجامع الصحيح

باب صلاة الكسوف جماعة

          ░9▒ بَابُ صَلَاةِ الكُسُوفِ جَمَاعَةً
          وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ.
          هذا التعليق رواه ابن أبي شيبة عن غندر: حدَّثنا ابن جريج عن سليمان الأحول عن طاوس: أن الشمس انكسفت على عهد ابن عباس، فصلَّى على صُفَّة زمزم ركعتين، في كل ركعة أربع سجدات.
          وعند الشافعي عن سفيان عن الأحول: سمعت طاوسًا يقول: خسفت الشمس، فصلَّى بنا ابن عباس في صفة زمزم ستّ ركعات في أربع سجدات.
          وقال البيهقي: روى عبد الله بن أبي بكر عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: رأيت ابن عباس صلَّى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ركعتين، في كل ركعة ركعتان.
          وقال الشافعي: إذا كان عطاء وعَمرو أو صفوان والحسن يروون عن ابن عباس خلاف ما روى سليمان الأحول، كانت رواية ثلاثةٍ أولى أن تُقبَل، ولو ثبت عن ابن عباس أشبه أن يكون ابن عباس فرَّق خسوف الشمس والقمر وبين الزلزلة، فقد روي أنه صلَّى في زلزلة ثلاث ركعات في ركعة.
          قال أبو عمر: فقال: ما أدري أَزُلزلتِ الأرض أم بي أرض؟
          قال أبو عمر: لم يأتِ عن النبي صلعم من وجه صحيح أنَّ الزلزلة كانت في عصره، ولا صحت عنه فيها سنة، وأوّلُ ما جاءت في الإسلام على عهد عمر بن الخطاب.
          وفي «المعرفة» للبيهقي: صلَّى علي بن أبي طالب في زلزلةٍ ستَّ ركعات في أربع سجدات، خمس ركعات وسجدتين في ركعة، وركعة وسجدتين في ركعة.
          وقال الشافعي: لو ثبت هذا الحديث عندنا عن عليٍّ رضي الله عنه لقلنا به، هم يثبتونه ولا يأخذون به.
          وقوله: (وَصَلَّى ابْنُ عُمَر) كأنه يريد _والله أعلم_ ما عند ابن أبي شيبة: حدَّثنا وكيع: حدَّثنا سُفيان، عن عاصم بن عبيد الله قال: رأيت ابن عمر يهرول إلى المسجد في كسوف، ومعه نعلاه؛ يعني لأجل الجماعة.
          قال: (وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ) وذكر حديث ابن عباس، وقد تقدَّم طرف منه في (باب الصدقة في الكسوف).
          ومما ينبَّه عليه هنا قوله: نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُوْرَةِ البَقَرَةِ [خ¦1052].
          وفي لفظ: «نحوًا من قيام سورة البقرة».
          وعند مسلم: «قدر سورة البقرة».
          وهو يدل أن القراءة كانت سرًّا، وكذا في بعض طرق حديث / عائشة: «فحزرتُ قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة».
          وقد تقدم مَنْ ذَكَرَ الإسرار والجهر، وأجاب بعضهم بأن ابن عباس كان صغيرًا فمقامه آخر الصفوف، فلم يسمع القراءة، فحزر المدة، وكأنه غير جيد لأن في بعض طرقه: «قمت إلى جانب النبي صلعم فما سمعت منه حرفًا» ذكره أبو عمر.
          وقوله في: (بَاب الجَهْرِ بِالقِرَاءَةِ فِي الكُسُوفِ): وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ [خ¦1066].
          ذكر خلف الواسطي أن مسلمًا رواه، رواه عن محمد بن مهران: حدَّثنا الوليد: حدَّثنا الأوزاعي عن ابن شهاب.
          قال خلف: وهو في حديث البخاري عن محمد بن مهران عن الوليد، وقال _يعني الوليد_: وقال الأوزاعي وغيره: سمعت الزهري.
          ورواه أيضًا أبو داود عن عباس بن الوليد، عن أبيه عن الأوزاعي عنه.
          وقوله:
          (تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَن الزُّهْرِيِّ فِي الجَهْرِ).
          أما متابعة سفيان فرواها الترمذي عن محمد بن أبان، عن إبراهيم بن صدقة: حدَّثنا سفيان بن حسين.
          قال: وروى أبو إسحاق الفَزَاري عن سفيان بن حسين نحوه.
          ومتابعة سليمان رواها البيهقي عن الحاكم: حدَّثنا أبو بكر بن إسحاق: حدَّثنا أبو المثنى: حدَّثنا محمد بن كثير: حدَّثنا سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلعم، فقام فكبَّر وكبَّر الناس، ثم قرأ فجهر بالقرآن وأطال، الحديث.
          وقال الترمذي عن البخاري: حديث عائشة في الجهر أصح عندي من حديث سمرة أنه أسرَّ بالقراءة.
          وقال أحمد: حديث عائشة في الجهر ينفرد به الزهري، وقد روينا عن عائشة وابن عباس ما يدل على الإسرار.
          والتَّكَعْكع: ذكر ابن التيَّاني في «الموعب» عن أبي زيد: كَعِعْتُ وكَعَعْت بالكسر والفتح، أكِعُّ وأكَعُّ بالكسر والفتح، كعًّا وكعاعةً بالفتح؛ إذا هِبْتَ القوم بعد ما أردتهم فرجعْتَ وتركتهم، فإني عنهم لكعُّ بالفتح.
          صاحب «العين»: كعَّ وكاعَّ بالتشديد، وقد كعَّ كعوعًا، وهو الذي لا يمضي في عزم.
          وفي «التهذيب» لأبي منصور الأزهري: رجلٌ كُعْكُع وقد تكعكع وتكأكأ إذا ارتدع، وقال أبو عبيد: كَعْكَعتُه فتكعكع، وأنشد المتمَّم بن نويرة:
ولكنني أمضي على ذاك مُقدمًا                     إذا بعض مَن يلقى الخطوب تكعكعا /
          وقال: أصل كعكعت كعَّعْت، فاستثقلت العرب الجمع بين ثلاثة أحرف من جنس واحد ففرقوا بينها بحرف مكرر.
          وقال غيره: أكعَّه الفَرَقُ إكعاعًا؛ إذا حبسه عن وجهه.
          وفي «المحكم»: كعَّ كُعُوعًا وكَعَاعةً وكَيْعُوعة، وكَعْكَعه عن الورد نحَّاه.
          وفي «الجامع» للقزاز و«الواعي» لأبي محمد: ولا يقال: كاع، وقد أجازه قوم.
          وفي «الصحاح»: عن يونس: كع يكُع بالضم، وقال سيبويه: يكِع بالكسر أجود.
          وفي «مجمع الغرائب»: تكعكت: تأخرت.
          وعند ابن عبد البر: تكعكعت: تقهقرت.
          وقوله: (رَأَيتُ الجَنَّةَ وأُرِيتُ النَّارَ) يريد أن الجنَّة عُرضت له من غير حائل.
          و(أُرِيتُ): فعل لم يسمَّ فاعله، وقد أقيم المفعول الذي هو الرائي على الحقيقة مقام الفاعل، فكأن الجنَّة عُرضتْ عليه ثم كشف عن بصره فرأى النار.
          وقوله: (فَلَمْ أَرَ كَاليَوْمِ) الكاف هنا موضع نصب، التقدير: فلم أر منظرًا مثل منظري اليوم.
          و(أَفْظَع): قال ابن سيده: فَظُع الأمر فَظَاعة فهو فَظيع، وفَظِعٌ الأخيرة على النسب، وأفْظَع: اشتد وبرَّح، وأفظعه الأمر وفَظِع به واستفظعه، وأفظعه، رآه فظيعًا.
          وفي «الجامع»: يفظع أفظع إفظاعًا، وهو مُفَظِعٌ، والاسم: الفظاعة، وأفظعني هذا الأمر وأفظعته، وأُفظع هو وأفظعه مفظيعه صيَّره فظيعًا.
          وفي «الصحاح»: أُفظِعَ الرجل على ما لم يسمَّ فاعله؛ أي: نزل به أمر عظيم.
          وفي «المغيث»: قوله: (لَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ أَفْظَعَ) يحتمل أن يكون بمعنى الفظيع؛ أي: لم أر منظرًا فظيعًا كاليوم، ويجوز أن يضمن فيه: «منه»، كأنه قال: لم أر أفظع منه، وهو كلام العرب، واستفظعته وتفظَّعته استعظمته ووجدته فظيعًا، وأفظعني الأمر، أي: تعاظمني، ومثله: فُظِعت به، وفَظِعت به؛ أي: ضقت به ذرعًا.
          وقوله: (يَكْفُرْنَ العَشِيرَ) اختلف الرواة في إثبات واو قبل (يَكْفُرْنَ) وإسقاطها، فأثبتها يحيى بن يحيى عن مالك، والقعنبي وابن القاسم وابن وهب لم يثبتوها، واختير رواية يحيى، ووجهها: كأن السائل لما قال: أيكفرن بالله، لم يجبه على هذا جوابًا بالإحاطة العلم بأن من النساء مَن يكفرن بالله تعالى كما أن من الرجال مَن يكفر بالله تعالى، فلم يحتج إلى ذلك؛ لأن المقصود من الحديث غير ذلك.
          الأبواب الثلاثة تقدَّمن.