التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد

          1040- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ: حدَّثنا خَالِدٌ، عَنْ يُونُسَ، عَن الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم فَانْكَسَفَت الشَّمْسُ، فَقَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى انْجَلَت الشَّمْسُ، وقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يُكْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ» [خ¦1040].
          وفي رواية حَمَّاد بن زيد، عن يونس [خ¦1048]: «وَلَكِن يُخَوِّفُ اللهُ بِهِمَا عِبَادَهُ».
          قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الوَارِثِ وَشُعْبَةُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ: «يُخَوِّفُ اللّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ» [خ¦1048].
          وَتَابَعَهُ أَشْعَثُ عَن الحَسَنِ [خ¦1048].
          وَتَابَعَهُ مُوسَى عَنْ مُبَارَكٍ عَن الحَسَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرَةَ عَن النَّبِيِّ صلعم: «يُخَوِّفُ اللّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ» [خ¦1048].
          وفي موضع آخر [خ¦1063]: «وَذَلِكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ صلعم مَاتَ يُقَالُ لَهُ: إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ».
          وقال في: (بَاب كُسُوفِ القَمَرِ): حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ: حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: انْكَسَفَت الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلعم فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ [خ¦1062].
          قال الإسماعيلي: هذا الحديث لا يدخل في هذا الباب، ثم ذكره من طريق هُشَيْم: أخبرنا يونس عن الحسن [عن أبي بكرة]: انكسفت الشمسُ والقمرُ.
          قال: وذكره البخاري عن عبد الوارث، وليس فيه إلا ما في سائر الأحاديث أن الشمس والقمر آيتان، الحديث.
          والذي ذكرناه عن هشيم أَدْخَلُ في هذا الباب؛ لأن فيه الشمس والقمر في رواية بعضهم.
          قال: ورواه ابن عُلَيَّة عن يونس عن الحسن، وفيه: الشمس والقمر، وفيه: «إذا رأيتم منها شيئًا فصلوا».
          قال الإسماعيلي: قوله: «منها شيئًا» أَدْخَلُ في هذا الباب من قوله «فإذا كان ذلك».
          ورواه البيهقي من طريق حَمَّاد بن سلمة [عن يونس بن عبيد] عن الحسن بلفظ: «الشمس والقمر».
          وقال: هكذا رواه جماعة من الأئمة عن بِشْر بن موسى بهذا اللفظ؛ يعني عن السَّيْلَحِيني، عن حماد بن سلمة، ومن طريق خالد بن الحارث عن أشعث عن الحسن، وفيه / : «الشمس والقمر».
          وفي بعض نُسَخ البخاري: حدَّثنا محمود: حدَّثنا سعيد بن عامر، عن يونس... فأَسقط شعبة بين سعيد ويونس، وهو غلط لأنه لا بد من شعبة، ذكر ذلك الطَّرْقي وغيره، وإن كان شيخنا المزي ذكر أنَّ سعيد بن عامر روى عن يونس بن عبيد [دون علامة مَن روى له].
          وعند أبي داود بسند لا بأس به: «أنَّ النبي صلعم كان إذا جاءه أمر سرورٍ أو بُشِّر به خر ساجدًا لله تعالى».
          وعند الدارقطني بسند ضعيف عن أبي جُحَيْفَة: «أنَّ النبي صلعم جاءه بشير فَخَرَّ ساجدًا لله تعالى».
          قول البخاري: (تَابَعَهُ مُوسَى عَنْ مُبَارَكٍ) أراد بها تنصيص الحسن على سماعه من أبي بَكْرة، فإن ابن أبي خيثمة ذكر في «تاريخه الكبير» عن يحيى أنه لم يسمع منه.
          وفي كتاب «التعديل والتجريح» عن الدارقطني: الحسن عن أبي بكرة مرسلٌ.
          وقال أبو الوليد في كتاب «الجرح والتعديل»: أخرج البخاري حديثًا فيه الحسن: سمعتُ أبا بكرة. فتأوَّله الدارقطني وغيره من الحفاظ على أنه الحسن بن علي بن أبي طالب؛ لأن البصري لم يسمع عندهم من أبي بكرة.
          والصحيح أنَّ الحسن في هذا الحديث هو ابن علي بن أبي طالب، وكذا قاله الداودي فيما ذكره ابن بَطال.
          وطريق مبارك خرَّجها الطبراني عن العباس بن الفضل الأسفاطي قال: حدَّثنا أبو الوليد الطيالسي: حدَّثنا مبارك بن فضالة عن الحسن فذكره.
          وموسى الذي ذكره البخاري هو موسى بن داود الضَّبَّيُّ فيما ذكره شيخنا أبو محمد التوني في الحواشي.
          وأبى ذلك الحافظ أبو الحجاج فزعم أن البخاري علَّق على التَّبُوذَكي عن مبارك، ولم يذكر للضبي في البخاري أصلًا ولا تعليقًا فينظر. والله تعالى أعلم.
          وقوله: (وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الوَارِثِ: يُخَوِّف) يعني بذلك ما خرَّجه في كسوف القمر عن أبي معمر عن عبد الوارث [خ¦1063].
          وأما أبو عبد الرحمن النسائي فقال: حدَّثنا عمران بن موسى: حدَّثنا عبد الوارث: حدَّثنا يونس فذكر الحديث، وفيه: «يخوف الله بهما عباده»، وفيه: «فصلَّى ركعتين كما تُصَلون».
          وقال البيهقي: حدَّثنا أبو بكر أحمد بن محمد: حدَّثنا أبو العباس محمد بن أحمد النيسابوري: حدَّثنا محمد بن نُعيم: حدَّثنا عمران بن موسى، فذكره كما عند النسائي.
          وقال: رواه البخاري عن أبي معمر عن عبد الوارث، إلا أن أبا مَعْمَر لم يذكر قوله: «يخوف الله بهما عباده»، وقد ذكره جماعة.
          وقال / الإسماعيلي: وقد جاء بلفظ عبد الوارث إسماعيلُ ابن عُليَّة، ثم ذكر سنده إلى إسماعيل ابن علية، عن يونس عن الحسن الحديث، وفيه: «يخوف الله بهما عباده» قاله.
          ورواه يزيد بن زُرَيْع عن يونس مثله، كذا قال المَنيعي إِثْر حديث ابن عليَّة هذا. انتهى.
          حديث يزيد بن زريع خرَّجه ابن خزيمة في «صحيحه» فقال: حدَّثنا أحمد بن المِقدام حدَّثنا ابن زريع: حدَّثنا يونس وفيه: «يخوف الله بهما عباده».
          ورواه أيضًا البَزَّار عن عمرو بن علي عنه مثله.
          وقوله: (وشُعْبَة) يريد بذلك ما خرَّجه في كسوف القمر: حدَّثنا محمود بن غيلان: حدَّثنا سعيد بن عامر عن شعبة به، وسيأتي.
          وقوله: (وَخَالِدٌ) يعني المذكور عنده أول الباب.
          وقوله: (وحمَّادُ بنُ سَلَمةَ) روى الطبراني في «المعجم الكبير» عن علي بن عبد العزيز قال: حدَّثنا حَجاج بن مِنهال: حدَّثنا حماد بن سلمة عن يونس.
          والبيهقي من طريق أبي زكريا السَّيْلحيني، عن حماد بن سلمة، عن يونس، فذكره.
          وقوله: (تَابَعَهُ أَشْعَثُ عَن الحَسَنِ) يعني تابع مباركَ بن فُضَالة عن الحسن بذكر التخويف، رواه النسائي عن الفَلَّاس عن خالد بن الحارث عن أشعث عن الحسن عن أبي بكرة، من حديث خالد بن الحارث عن أشعث عن الحسن [عن أبي بكرة]: صلَّى ركعتين مثل صلاتكم هذه في كسوف الشمس والقمر، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
          وعند الدارقطني من حديث محمد بن محبوب: حدَّثنا محمد بن دينار الطاحي، عن يونس، عن الحسن، عن أبي بكرة يرفعه: «إن الله تعالى إذا تجلَّى لشيءٍ من خلقِه خَشَعَ له، فإذا كُسِف واحد منهما فصلوا وادعوا».
          قال أبو الفرج: في الكسوف سبع فوائد:
          الأول: ظهور التصرُّف في الشمس والقمر.
          الثاني: تبيين قُبْح شأن مَن يعبدهما.
          الثالث: إزعاج القلوب الساكنة بالغفلة عن مسكن الذهول.
          الرابع: ليُري الناس أنموذج ما سيَجري في القيامة من قوله: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}[القيامة:9].
          الخامس: أنهما يؤخذان على حال التمام فيُركسان ثم يَلطُف بهما فيُعادان إلى ما كانا عليه، فيُشار بذلك إلى خوف المكر ورجاء العفو.
          السادس: أن يفعل بهما صورة عقاب لمَن لا ذنب له.
          السابع: أن الصلوات المفروضات عند كثير من الخلق عادة لا انزعاج لهم فيها ولا وجود هَيْبة، فأتى بهذه الآية، وسُنت لها الصلوات / ليفعلوا صلاةً على انزعاجٍ وهيبةٍ.
          وفي «شرح ابن بطال»: قال القاضي أبو الطيب: أليس رؤية الأهلة، وحدوث الحَرِّ والبرد وكل ما جرت العادة بحدوثه من آيات الله تعالى، فما معنى قوله في الكسوفين: إنَّهما آيتان؟
          ويجاب: أن هذه الحوادث آيات دالة على وجوده جلَّ وعزَّ وقِدَمه، وخَصَّ الكسوفين لإخباره صلعم لهم عن ربِّه جلَّ وعزَّ أن القيامة تقوم وهما منكوسان وذاهبا النور، فلما أعلمهم بذلك أمرهم عند رؤية الكسوف بالصلاة والتوبة خوفًا أن يكون الكسوف لقيام الساعة لِيعتدُّوا لها.
          قال المُهَلَّب: يحتمل أن يكون هذا قبل أن يُعْلِمه الله تعالى بأشراط الساعة.
          وقوله: (فَصَلُّوا وادْعُوا) تمسك به مَن جوَّز صلاة الكسوفين في بيته.
          وقوله: (فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَينِ) يَستدل به مَن يقول: إن صلاة الكسوف ركعتين كصلاة النافلة، وهو أبو حنيفة وأصحابه.
          ويستدلون أيضًا بما في «صحيح ابن خزيمة» عن ابن مسعود: «انكسفت الشمس... فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم، فقام رسول الله صلعم... فصلَّى ركعتين».
          وعن عبد الرحمن بن سَمُرة عند مسلم: «انخسفت الشمس فانطلقتُ فإذا رسول الله صلعم قائم يُسَبِّح ويكبِّر ويَحمد ويدعو حتى انجلت الشمس وقرأ سورتين وركع ركعتين».
          ولفظ الحاكم: «وقرأ سورتين في ركعتين» وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
          وعند النسائي: «فصلَّى ركعتين وأربع سجدات».
          وعن سمرة بن جُنْدُب قال: «لما كانت الشمس على قدر رمحين أو ثلاثة من عين الناظرين اسودَّتْ حتى آضَتْ كأنها تَنُّومَةٌ فجئت النبي صلعم فتقدم فصلَّى بنا كأطول ما قام في صلاة قط، لا نسمع له صوتًا، ثم ركع كأطول ما ركع بنا في صلاة قط، لا نسمع صوته، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك فذكر خطبة طويلة». وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
          وقال الترمذي والطُّوسِي: حسن صحيح، انتهى.
          ثعلبة بن عمار راويه ليس من شرطهما، إنما خرَّج البخاري له في «أفعال العباد» وأصحاب السنن الأربعة، فينظر.
          وعن النعمان بن بشير قال: «انكسفت الشمس فصلَّى رسول الله صلعم ركعتين ركعتين حتى انجلت». وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه / . وعند النسائي: «فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة».
          وفي لفظ: «أن نبي الله صلعم صلَّى حين انكسفت الشمس مثل صلاتنا يركع ويسجد».
          وعند أحمد: «فصلَّى ركعتين ثم يسأل، ثم يصلي ركعتين ثم يسأل».
          وعند أبي داود: «فجعل يصلي ركعتين ركعتين ثم يسأل عنها حتى انجلت الشمس».
          قال ابن حزم: فإن قيل: إن أبا قِلابة قد روى هذا الخبر عن رجل عن قَبيصة، قلنا: نعم. فكان ماذا؟ أبو قلابة قد أدرك النعمان فروى هذا الخبر عنه، ورواه أيضًا عن آخر فحدَّث بكِلْتَا روايتيه، فلا وجه للتعليل بمثل هذا أصلًا.
          وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «كَسَفَت الشمس على عهد رسول الله صلعم، فقام فأطال القيام حتى قيل: لا يركع، ثم ركع فأطال الركوع حتى قيل: لا يرفع، ثم رفع رأسه فأطال القيام حتى قيل: لا يسجد، ثم سجد». وقال: صحيح غريب.
          وقال البيهقي: فهذا الراوي حفظ عن ابن عمرو طول السجود، ولم يحفظ ركعتين في ركعة، كما حفظ أبو سلمة بن عبد الرحمن.
          ثم ذكر لعطاء متابعًا لفظًا من حديثه عن أبي عامر العَقدي: حدَّثنا سفيان، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، وعطاء بن السائب، عن أبيه. فذكره.
          وخرجه النسائي وأبو داود عن أبيه عنه من حديث عطاء بن السائب.
          ومُطْلَقُ حديث أبي موسى: «فصلَّى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله» الحديث، وسيأتي.
          ومن حديث ابن إسحاق عن هشام وعبد الله بن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن عروة عن عائشة فذكرت الكسوف قالت: «فقام رسول الله صلعم فصلَّى بالناس، فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة، ثم سجد سجدتين، ثم قام فأطال القراءة، فحزرت قراءته فرأيت أنه سورة آل عمران». قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
          وعن موسى بن إسماعيل: حدَّثنا وُهَيْب، عن أيوب، عن أبي قِلابة، عن قَبِيصَة الهِلالي، قال: كَسَفَتِ الشمس، فخرج رسول الله صلعم، وأنا معه بالمدينة، فصلَّى ركعتين، أطال فيهما القيام، ثم انصرف وانجلت الشمس، فقال: «إنما هذه الآيات يُخَوِّف اللهُ بهما عباده، فإذا رأيتموها فَصَلُّوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة».
          وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والذي عندي أنهما علَّلاه / بحديث رَيْحان بن سعيد عن عَبَّاد بن منصور عن أيوب عن أبي قِلابة عن هلال بن عامر عن قبيصة، وحديث يرويه موسى بن إسماعيل عن وُهَيْب لا يَعْتَلُّ بحديث رَيْحان وعَبَّاد. والمصير إلى حديث ابن عباس وعائشة من رواية مالك أَوْلى؛ لأنها أصح ما رُوي في هذا الباب من جهة الإسناد، ولأن فيهما زيادة يجب قَبولها.
          فإن قيل: إن طاوسًا روى عن ابن عباس ثلاث ركعات في كل ركعة، وعُبيد بن عُمير روى عن عائشة بمثل ذلك، وروى عطاء عن جابر ستّ ركعات في أربع سجدات، وأُبيَّ بن كعب روى عن النبي صلعم عشر ركعات في ركعتين، فلِمَ لم يكن المصير عندك إلى زيادة هؤلاء؟
          قيل له: إنما تُقبَل الزيادة من الحافظ إذا ثبتت عنه، وكان أحفظ وأتقن ممن قصَّر أو مثله في الحفظ، وأما إذا كانت من غير حافظ ولا مُتقِنٍ فلا يُلتَفت إليها، وحديث طاوس مضطرَب.
          وقال ابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» وإسحاق بن راهويه في «مسنده»: صلَّى النبي صلعم صلاة الكسوف غيرَ مرة وفي غير سنة.
          قال البيهقي: وبه قال ابن راهويه وابن خزيمة وأبو بكر بن إسحاق والخطابي واستحسنه ابن المنذر.
          وقال ابن قدامة: مقتضى مذهب أحمد أنه يجوز أن تُصلَّى صلاة الكسوف على كل صفة.
          قال أحمد: روي عن ابن عباس وعائشة أربع ركعات وأربع سجدات، وأما عليٌّ فيقول: ستُّ ركعات وأربع سجدات، وكذلك قال حُذيفة.
          قال ابن قدامة: وهذا قول إسحاق وابن المنذر، وبعض أهل العلم قالوا: يجوز على كل صفة صح أن النبي صلعم فعلها، وقد رُوي عن عائشة وابن عباس: صلَّى النبي صلعم ستّ ركعات وأربع سجدات.
          قال ابن عبد البر: وقال الطوسي وأبو عيسى: حديث غريب حسن صحيح.
          وقال أبو عمر: وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن حي: صلاة الكسوف كهيئة صلاتنا ركعتان نحو صلاة الصبح ثم الدعاء حتى تنجلي، وهو قول النخعي. ورُوِيَ نحو قولهم عن النبي صلعم من حديث أبي بكرة وسمرة وعبد الله بن عمرو والنعمان بن بشير وقبيصة الهلالي وعبد الرحمن بن سمرة، وهي آثار مشهورة صحاح، ومن أحسنها حديث النعمان إلا أن المصير إلى زيادة مَن حفظ أَوْلى.
          فإن قيل: قد رُوي في صلاة الكسوف / عشر ركعات في ركعة، وثمان في ركعة، وستُّ في ركعة، وأربع في ركعة، فهلَّا صرت إلى زيادة مَن زاد؟
          قلنا: تلك آثار معلولة ضعيفة.
          وفي موضع آخر: والأحاديث _يعني التي صار إليها الكوفيون_ في بعضها اضطراب.
          وعند أبي داود بسند صحيح: «فصلَّى ركعتين ركعتين حتى انجلت».
          وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن السائب بن مالك والد عطاء: «أن النبي صلعم صلَّى في كسوف القمر ركعتين».
          وفي «علل ابن أبي حاتم»: السائب ليست له صُحبة، والصحيح إرساله. ورواه بعضهم عن أبي إسحاق عن السائب بن مالك عن ابن عمرو عن النبي صلعم.
          وعن إبراهيم _عند أبي بكر بسند صحيح_ كانوا يقولون: إذا كان ذلك فصلوا كصلاتكم حتى تنجلي.
          وحدَّثنا وَكيع: حدَّثنا إسحاق بن عثمان الكلابي عن أبي أيوب الهجَري قال: انكسفت الشمس بالبصرة، وابنُ عباس أميرٌ عليها، فقام يصلي بالناس، فقرأ فأطال القراءة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه ثم سجد، ثم فعل ذلك في الثانية، فلما فرغ قال: هكذا صلاة الآيات، قال: فقلت: بأيِّ شيء قرأ فيهما؟ قال: بالبقرة وآل عمران.
          وحدَّثنا وكيع: حدَّثنا يزيد بن إبراهيم عن الحسن: «أن النبي صلعم صلَّى في كسوفٍ ركعتين، فقرأ في إحداهما بالنجم».
          وفي «المحلى»: أخذ بهذا طائفة من السلف؛ منهم عبد الله بن الزبير صلَّى في الكسوف ركعتين كسائر الصلوات.
          فإن قيل: قد خطَّأه في ذلك أخوه عروة؟
          قلنا: عروة أحق بالخطأ من عبد الله الصاحب الذي عمل بعلمٍ، وعروة أنكرَ ما لم يعلم، وذهب ابن حزم إلى العمل بما صح من الأحاديث فيها.
          ونحا نحوه ابن عبد البر، فقال: وإنما يصير كل عالم إلى ما روى عن شيوخه ورأى عليه أهل بلده، وقد يجوز أن يكون ذلك اختلاف إباحة وتوسعة، فقد رُوي عن عائشة وابن عباس ♥: صلَّى النبي صلعم ستّ ركعات وأربع سجدات.
          وقال ابن عبد البر: وذلك أن النبي صلعم صلَّى صلاة الكسوف مرارًا، فحكى كلٌّ ما رأى، وكلهم صادق كالنجوم مَن اقتدى بهم اهتدى، انتهى.
          البيهقي يذهب إلى أن هذه الأحاديث كلها ترجع إلى صلاة النبي صلعم في كسوف الشمس يوم مات إبراهيم / ، وقد رُوي في حديث كل واحد منهم ما يدل على ذلك، والذي ذهب إليه أولئك الأئمة توفيق بين الأحاديث.
          وإذا عمل بما قاله البيهقي حصل بينها خلافٌ يلزم منه سقوط بعضها واطِّراحه، ومما يدل على وَهْن قوله ما روته عائشة أمُّ المؤمنين عند النسائي بسند صحيح: «أن رسول الله صلعم صلَّى في كسوفٍ في صُفَّة زمزم» يعني بمكة شرَّفها الله تعالى.
          وأكثر الأحاديث كانت بالمدينة، فدل ذلك على التعدد، وكانت وفاة إبراهيم يوم الثلاثاء لِعَشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، ودُفِن بالبقيع.
          قال البيهقي: وكسفت الشمس أيضًا يوم قُتل الحسين بن علي، وكان قتله يوم عاشوراء.
          وفي ذلك دلالة على جواز اجتماع كسوف الشمس والعيد.
          وقوله: (إِذَا رَأَيْتُمُوهُا فَصَلُّوا وَادْعُوا، حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ).
          قال ابن بطال: استدل به مَن يقول: إنه يُطَوِّل صلاة الكسوف إلى انجلاء الشمس، وأنه لا يقطع صلاة الكسوف حتى تنجلي الشمس.
          كأنه _والله أعلم_ يشير إلى قول ابن أبي شيبة: حدَّثنا المُعْتَمر: حدَّثنا إسحاق بن سُوَيد، عن العلاء بن زياد، في صلاة الكسوف، قال: يقوم فيقرأ ويركع، فإذا قال: سمع الله لمن حمده، نظر إلى القمر أو الشمس، فإن كان لم ينجلِ، قرأ ثم ركع، فإذا قال: سمع الله لمن حمده، نظر إلى القمر، فإن كان لم ينجلِ قرأ ثم ركع، ثم رفع رأسه، فإذا قال: سمع الله لمن حمده، نظر إلى القمر، فإن كان انجلى سجد، ثم قام فشفعها بركعة، وإن لم ينجلِ لم يسجد أبدًا حتى ينجلي، ثم إن كان كسوفٌ بعدُ لم يُصَلِّ هذه الصلاة.
          قال أبو جعفر الطحاوي: يقال لمن قال ذلك: قد جاء في الحديث: «فصلوا وادعوا حتى تنجلي الشمس».
          وفي رواية المغيرة وأبي موسى: «فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ودعائه واستغفاره» [خ¦1059]، فأمر بالدعاء والاستغفار كما أمر بالصلاة، فدل على أنه لم يرد منهم عند الكسوف الصلاة خاصة، ولكن أُريدَ منهم ما يتقربون به إلى الله تعالى من الصلاة والدعاء والاستغفار وغيره.
          واختلف أصحاب مالك إن تجلَّت الشمس قبل فراغ الصلاة، فقال أَصْبَغ: يتمها على ما بقي من سُنَّتها حتى يفرغ منها، ولا ينصرف إلا على شفع.
          وقال سُحْنون: يصلي ركعة واحدة وسجدتين ثم ينصرف ولا يصلي باقي الصلاة على سنة صلاة الخوف.
          وفي حديث أبي مسعود [خ¦1041] وابن / عمر [خ¦1042] عند البخاري: «فإذا رأيتموهما فقوموا فصلوا».
          وفي حديث المغيرة زيادة: «وادعوا» [خ¦1043].