المتواري على أبواب البخاري

باب نسيان القرآن وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا؟

          ░26▒ باب نسيان القرآن، وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا؟
          وقول الله تعالى(1): {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى}(2) [الأعلى:6].
          587- فيه عائشة ♦ قالت: «سمع النبيُّ صلعم رجلاً يقرأ في المسجد، فقال: يرحمه الله، لقد أذْكَرني كذا وكذا آيةً(3) أسقطتهنَّ من(4) سورة كذا». [خ¦5037].
          588- وفيه(5) عبد الله: قال النبيُّ صلعم : «ما لأحدهم يقول: نَسِيتُ آية كَيتَ وكيت، بل هو نُسِّي». [خ¦5039].
          [قلتَ رضي الله عنك:] ترجم على نسيان القرآن، فأضاف النسيان إليه، وذكر الأحاديث التي ظاهرها التعارض، فقوله صلعم : «أسقطتهنَّ من سورة كذا»، يدلُّ على الجواز؛ لأنَّ الإقساط نسيانٌ، وقد أضافه إلى نفسه على أنَّه الفاعل وإلى القرآن على أنَّه المتعلِّق.
          وقوله: «ما لأحدهم يقول: نسيت آية كذا»، إنكاراً لهذا الإطلاق، فأَفهم أنَّ محمل المنع غير محمل الإذن، فالذي منع أن يوهم / بإطلاقه أنَّه ترك شيئاً من كتاب الله؛ لأنَّ (نسي) مشترك بين (سها) وبين (ترك) قصداً، فلمَّا كان موهماً منع من إطلاقه.
          فأمَّا قوله: «أذكرني آيةً(6) أسقطتها»، فهو صريحٌ في السهو بقرينة قوله: «لقد أذكرني»، فزال الوهم فجاز الإطلاق.
          وظنَّ الشارح أنَّ النهي عن قوله: «نَسِيتُ» من قبيل إلزام إضافة الأفعال إلى الله؛ لأنَّه خالقها حقيقةً، وإضافتها إلى غيره(7) مجازٌ، وهذا وهمٌ منه؛ لأنَّه لو كان كذلك لاطَّرد في كلِّ فعلٍ ولَعَارض قوله: «أسقطتهنَّ»، ثمَّ هو خلاف الإجماع في جواز إضافة أفعال العباد إليهم، مع العلم بأنَّها(8) مخلوقةٌ لله(9)، فليس إلَّا ما قدَّمته، والله أعلم، ولهذا خَلُص الوهم بقوله: «(بل) هو نُسِّيَ»؛ لأنَّ هذا لا يوهم الترك عمداً من نفسه، فتأمَّله.


[1] في (ع): «وقوله تعالى»، وفي (ت): «وقوله».
[2] في (ع): «ونقرؤك».
[3] في (ع): «آية كذا وكذا».
[4] في (ع): «في».
[5] في (ع): «فيه» بدون واو.
[6] في الأصل: «أني».
[7] في (ت) و(ع): «الغير».
[8] في (ع): «بأنه».
[9] في (ت): «إلا لله».