المتواري على أبواب البخاري

باب: من لم يتغن بالقرآن

          ░19▒ باب من لم يتغنَّ بالقرآن
          وقوله(1): {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51]
          581- فيه أبو هريرة: قال النبيُّ صلعم : «لم يأْذَن الله لشيءٍ ما أذِنَ لنبيٍّ يتغنَّى(2) بالقرآن»، وقال صاحبٌ له: يريد يجهر به. [خ¦5023].
          وقال مرَّةً: «ما أَذِن (الله لشيءٍ ما أذن) للنبيِّ(3) أن يتغنَّى بالقرآن».
          قال سفيان(4): «تفسيره يستغنى به».
          وذكر في (كتاب الاعتصام) حديث أبي هريرة عن النبيِّ صلعم قال: «ليس منَّا من لم يتغنَّ(5) بالقرآن»، وزاد غيره: «يجهر به(6)»، ذكره في باب قوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} [الملك:13].
          [قلتَ رضي الله عنك:] يفهم من ترجمة البخاريِّ أنَّه(7) يحمل التغنِّي على الاستغناء لا على الغناء بكونه أتبع الحديث (في الترجمة)(8) بالآية، ومضمونها الإنكار على من لم يستغنِ بالقرآن عن غيره من الكتب(9) السالفة ومن المعجزات التي كانوا يقترحونها، وهو موافقٌ لتأويل ابن عيينة، لكنَّ(10) ابن عيينة حمله على الاستغناء الذي هو ضدُّ الفقر، والبخاريُّ يحمله على الاستغناء الذي هو أعمُّ من هذا، وهو الاكتفاء (به) مطلقاً، ويندرج في ذلك عدم الافتقار إلى الاستظهار (عليه بغيره وعدم الافتقار أيضاً إلى الخلق) والاستغناء بالحقِّ؛ لأنَّ فيه من المواعظ والآيات / والزواجر ما يَزَع(11) صاحبه عن حوائج الدنيا وأهلها.
          وأطال ابن بطَّال في نقل الردِّ على من فسَّره بالاستغناء، وأنَّ ذلك مخالف للغة، وقدح في الآثار التي استشهد بها المفسِّر لابن عيينة.
          وعندي أنَّ التفسير صحيحٌ لغةً، يدلُّ عليه قوله صلعم في الخيل: «ورجلٌ ربطها تغنيّاً وتعفُّفاً»، ولا خلاف لغةً أنَّه مصدر (تغنَّى)، ثمَّ لا إشكال(12) بعد أن تغنَّى (ههنا بمعنى)(13) استغنى بها وتعفَّف، ولم أقف على هذا الاستشهاد لغيري(14)، والله الموفق(15).


[1] في (ع): «قوله تعالى».
[2] في (ع): «أن يتغنى».
[3] في (ت) و(ع): «لنبي».
[4] زاد في الأصل: «مرة».
[5] في (ت): «يستغن».
[6] في (ت): «فيه».
[7] في (ع): «أن».
[8] ليست في (ع).
[9] في (ت): «بالقرآن غيره عن الكتب».
[10] في (ع): «ولكن».
[11] في (ع): «ما نزع».
[12] في الأصل: «الإشكال».
[13] في الأصل: «هناك » وفي (ع): «بها».
[14] في الأصل: «ولغيري».
[15] في (ت): «والله أعلم».