الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه

حديث علي: بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار
     
         1           

  الرواة  
شروح الصحيح
                          
    التالي السابق

وقِصَّةُ فَدَكٍ (1):
3094- حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الفَرْوِيُّ: حدَّثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ:
عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ على مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الحَدِيثِ، فقالَ مَالِكٌ: بَيْنَا (2) أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ، إذا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ يَأْتِينِي، فَقالَ: أَجِبْ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ على عُمَرَ، فَإِذَا هو جَالِسٌ على رِمَالِ سَرِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَّكِئٌ على وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقالَ: يَا مَالِ، إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ لَوْ أَمَرْتَ بِهِ (3) غَيْرِي. قالَ: اقْبِضْهُ (4) أَيُّهَا المَرْءُ. فَبَيْنَا (5) أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَى، فَقالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأذِنُونَ؟ قالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَى يَسِيرًا، ثُمَّ قالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا فَسَلَّمَا فَجَلَسَا، فقالَ عَبَّاسٌ:
/
يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا. وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ (6) بَنِي النَّضِيرِ، فقالَ الرَّهْطُ، عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا، وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. قالَ (7) عُمَرُ: تَيْدَكُمْ (8)، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «لَا نُوْرَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ؟ قالَ الرَّهْطُ: قَدْ قالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ على عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّه (9)، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قالَ ذَلِكَ؟ قالَا: قَدْ قالَ ذَلِكَ (10). قالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ (11) قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إلى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ (12) ما احْتَازَهَا (13) دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بها عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهُ (14) وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ منها هَذَا المَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ على أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا المَالِ، ثُمَّ يَأخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ (15) هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فيها بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فيها لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيُّ (16) أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، أَعْمَلُ فيها بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَمِلَ فيها أَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فيها لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي، وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا _يُرِيدُ عَلِيًّا_ يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «لَا نُورَثُ، ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ». فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا، قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، على أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ؛ لَتَعْمَلَانِ فيها بِمَا عَمِلَ فيها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا عَمِلَ فيها أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فيها مُنْذُ وَلِيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا. فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ. ثُمَّ أَقْبَلَ على
/
عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قالَا: نَعَمْ. قالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا أَقْضِي فيها قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا.


[1] قوله: «وقِصَّةُ فَدَك» ثابت في رواية أبي ذر والحَمُّويي.
[2] في رواية أبي ذر: «بَيْنَما».
[3] في رواية أبي ذر والحَمُّويي والمُستملي: «له».
[4] في رواية أبي ذر: «فاقبضه».
[5] في رواية أبي ذر: «فبينما».
[6] في رواية أبي ذر والحَمُّويي والمُستملي زيادة: «مالِ».
[7] في رواية أبي ذر: «فقال».
[8] بهامش اليونينية: «تَيْدَكم» على مثال قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} [طه: 64]، قالَ عياض: قولُه: «تَيْدَكم» كذا للقابسي وعَبْدوس، وعن الأصيلي:«تِيدَكم» بكسر التاء، وقال: كذا لأبي زيد. قالَ أبو زيد: وهي كلمةٌ لهم. وعند بعض الرواة: «تَيدُكم» برفع الدال، وعند أبي ذر: «تَيْدِكم» وسقطت اللفظةُ من رواية الجُرْجاني، قالَ لنا الأستاذ أبو القاسم النَّحويُّ: صوابه تَيْدَكم، اسم الفعل من اتَّأَدَ. وحكاه عن أبي عليٍّ الفارسيِّ، قالَ أبو عليٍّ: وأُراه مِن التُّؤدة، وقد حكى سيبويه عن بعض العرب: بَيْسَ فلان، بفتح الباء، قالَ القاضي المؤلف: فالياء في«تَيْدَكم» مسهَّلة من همزة، والتاء مُبْدَلَة من واو؛ لأنَّه في الأصل وُأدةٌ.اهـ. وقالَ ابن سِيده رَحِمَهُ اللهُ: تَيْدَك يعني اتَّئِد، اسم الفعل [في (ب، ص): اسم للفعل]، كرويدَ، وكأنَّ وَضْعَهُ غُيِّر لكونه اسمًا للفعل لا فعلًا، فالتاء بدل من الواو، كما كانت في التُّؤَدَة، والياء بدل من الهمزة، قلبت منها قلبًا لغير علة.اهـ.
[9] لفظ الجلالة ليس في رواية أبي ذر.
[10] قوله: «قالا: قد قالَ ذلك» ليس في رواية أبي ذر.
[11] صحَّح عليها في اليونينيَّة.
[12] في رواية أبي ذر: «وواللهِ».
[13] في رواية الكُشْمِيْهَنِيِّ: «اخْتارَها».
[14] في رواية الكُشْمِيْهَنِيِّ: «أعْطاكُموها».
[15] في رواية أبي ذر: «أنشدكما اللهَ».
[16] في (ص، ق) بالنَّصب: «وليَّ»، وهي غير مضبوطه في (و، ب).