الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: بعث رسول الله عشرة رهط عيناً، وأمر

          2555- الثَّاني والسِّتُّون: عن عمرَ، وقيل: عمرو بن أبي سفيانَ بن أَسيد بن جاريةَ الثَّقفيِّ حليفِ بني زهرةَ، عن أبي هريرةَ(1) قال: «بعث رسول الله صلعم عشرةَ رهْطٍ عيناً، وأمَّر عليهم عاصمَ بن ثابتٍ الأنصاريَّ _جدَّ عاصمِ بن عمرَ بن الخطَّاب_ فانطلقوا حتَّى إذا كانوا بالهَدَأةِ بين عُسفانَ ومكَّة، ذُكِروا لِحَيٍّ من هُذيلٍ يقال لهم: بنو لَحيانَ، فنفَروا لهم بقريبٍ من مئةِ رجلٍ رامٍ _في رواية شُعيبِ: من مئتَي رجلٍ_ فاقتصُّوا آثارَهم حتَّى وجدوا مأكَلَهم التَّمرَ في منزلٍ نزلوه، فقالوا: تَمرُ يثرِبَ، فلمَّا أحسَّ بهم عاصمٌ وأصحابُه لجؤوا إلى موضعٍ / _وفي رواية شُعيبٍ: إلى فَدْفدٍ_ فأحاط بهم القومُ، فقالوا لهم: انزِلوا فأعطوا بأيديكُم ولكم العهدُ والميثاقُ، وألَّا نقتلَ منكم أحداً، فقال عاصمُ بن ثابتٍ: أيُّها القومُ؛ أمَّا أنا فلا أنزِلُ على ذِمَّة كافرٍ، اللَّهمَّ أَخبِرْ عنَّا نبيَّك صلعم، فرمَوهم بالنَّبل، فقتلوا عاصماً _زاد في رواية شعيبٍ: في سبعةٍ_ ونزل إليهم ثلاثةُ نفرٍ على العهد والميثاق، منهم خُبيبٌ وزيد بن الدَّثِنَة ورجلٌ آخرُ، فلمَّا استَمْكَنوا منهم أطلقوا أوتارَ قِسيِّهم فربطوهم بها، فقال الرَّجل الثَّالث: هذا أوَّلُ الغدرِ، والله لا أصحَبُكم، إنَّ لي بهؤلاء أسوةً _يريدُ القتلى_ فجرَّدوه وعالَجوه، فأبى أن يصحَبَهم فقتلوه.
          وانطُلِق بخُبيبٍ وزيدِ بن الدَّثِنَة حتَّى باعوهما بمكَّةَ بعد وقعةِ بدرٍ، فابتاع بنو الحارثِ بن عامرِ بن نوفلَ بن عبد مَنافٍ خُبيباً، وكان خُبَيبٌ هو قتلَ الحارثَ بن عمرٍو يومَ بدرٍ، فلبِثَ خبيبٌ عندهم أسيراً حتَّى أجمعوا على قتلِه، فاستعار من بعضِ بناتِ الحارث مُوسَى يستحدُّ بها فأعارَته، فدرجَ بُنَيٌّ لها وهي غافلةٌ حتَّى أتاه، فوجدَته مُجْلِسَه على فخِذِه والموسى بيده، قالت: ففزِعتُ فزعةً عرفَها خُبيبٌ، فقال: أتخشين أن أقتلَه؟ ما كنت لأفعلَ ذلك، قالت: والله ما رأيتُ أسيراً خيراً من خُبيبٍ، فواللهِ لقد وجدتُه يوماً يأكل قِطْفاً من عِنَبٍ في يده، وإنَّه لَموثَقٌ في الحديد، وما بمكَّةَ من ثمرةٍ، وكانت تقول: إنَّه لرِزقٌ رزقَه اللهُ خُبيباً.
          فلمَّا خرجوا به من الحرمِ ليقتُلوه في الحِلِّ قال لهم خُبيبٌ: دعوني أصلِّ ركعتَين، فتركوه، فركع ركعتَين فقال: والله لولا أن تَحسبوا أنَّ ما بِي جَزَعٌ لزدتُ، اللَّهمَّ أَحصِهِم عَدداً، واقتُلْهم بَدداً، ولا تبقِ منهم أحداً، وقال:
فلستُ أبالي حين أُقتَلُ مُسلِماً                     على أيِّ جنبٍ كان لله مصرعي
وذلك في ذاتِ الإلهِ وإن يشأ                     يبارِك في أوصال شِلْوٍ مُمَزَّع /
          ثم قام إليه أبو سِرْوعةَ عقبةُ بن الحارث، وكان خُبيبٌ هو سنَّ لكلِّ مسلمٍ قُتِلَ صبْراً الصَّلاةَ، وأخبر _يعني النَّبيَّ صلعم_ أصحابَه يومَ أُصيبوا خبرَهم، ويُبعَث ناسٌ من قريشٍ إلى عاصم بن ثابتٍ حين حُدِّثوا أنَّه قُتلَ أن يأتوا بشيءٍ منه يُعرَف، وكان قتلَ رجلاً من عظَمائهم، فبعث الله لعاصمٍ مثلَ الظُّلَّة من الدَّبْر، فحمَته من رسُلِهم، فلم يقدِروا أن يقطَعوا منه شيئاً». [خ¦3989]
          وفي حديث شعيبِ بن أبي حمزةَ نحوُه، وفيه بعدَ قوله: «فلبِث خُبيبٌ عندَهم أسيراً: فأخبرني عبيدُ الله بن عياضٍ أنَّ بنتَ الحارث حدَّثتْه أنَّهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحدُّ بها» ثمَّ ذكر ما بعد ذلك عن ابن عياضٍ(2) عنها، إلى قوله: «فلمَّا خرجوا به من الحَرمِ... قال: فقتلَه ابنُ الحارث».
          وفيه: «فاستجاب الله لعاصمِ بن ثابتٍ يوم أُصيبَ، فأخبر النَّبيُّ صلعم أصحابَه خبرَهم يوم أُصيبوا». [خ¦3045] [خ¦7402]


[1] سقط قوله: (عن أبي هريرة) من (ت).
[2] سقط قوله: (أنَّ بنت الحارث حدَّثتْه...عن ابن عياضٍ) من (الحموي).