الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: يا أبا هر قلت: لبيك يا رسول

          2554- الحادي والسِّتُّون: عن أبي الحجَّاج مجاهدِ بن جبرٍ المكِّيِّ(1) : أنَّ أبا هريرةَ كان يقول: «اللهِ الَّذي لا إلهَ إلَّا هو، إن كنت لأعتمدُ بكبِدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشدُّ الحجرَ على بطني من الجوعِ، ولقد قعدتُ يوماً على طريقِهم الَّذي يخرجون منه، فمَرَّ أبو بكرٍ، فسألتُه عن آيةٍ من كتاب الله ما سألتُه إلَّا ليَستَتْبِعَني، فمرَّ فلم يفعلْ، ثمَّ مَرَّ عمرُ فسألتُه عن آيةٍ من كتاب الله ما / سألتُه إلَّا ليَستَتْبِعَني، فمرَّ فلم يفعلْ، ثمَّ مَرَّ بي أبو القاسمِ صلعم فتبسَّم حين رآني، وعرفَ ما في وجهي وما في نفسي، ثمَّ قال: يا أبا هِرٍّ(2). قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: اِلحَقْ. ومضى، فاتَّبعتُه، فدخل فاستأذن(3) فأَذِن لي، فدخل فوجد لبناً في قَدَحٍ، فقال: مِن أين هذا اللَّبنُ؟ قالوا: أهداه لك فلانٌ _أو فلانةٌ_ قال: أبا هِرٍّ. قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: اِلحَقْ إلى أهل الصُّفَّةِ فادعُهم لي.
          قال: وأهل الصُّفَّةِ أضيافُ الإسلام، لا يأوونَ على أهلٍ ولا مالٍ ولا على أحدٍ، إذا أتتْه صدقةٌ بعَث بها إليهم، ولم يتناولْ منها شيئاً، وإذا أتتْه هديَّةٌ أرسَلَ إليهم، وأصاب منها وأشركَهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللَّبنُ في أهل الصُّفَّةِ، كنت أَحقُّ أن أُصيبَ(4) من هذا اللَّبن شربةً أتقوَّى بها، فإذا جاؤوا أمرَني فكنتُ أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلُغَني من هذا اللَّبن. ولم يكن من طاعةِ الله وطاعة رسوله بُدٌّ، فأتيتُهم فدعَوتهم، فأقبلوا واستأذنوا فأذِنَ لهم، وأخذوا مجالِسَهم من البيت، فقال: يا أبا هِرٍّ. قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: خذ وأعطِهِم. قال: فأخذتُ القَدَحَ فجعلتُ أعطيه الرَّجلَ فيشربُ حتَّى يَروى، ثمَّ يردُّ عليَّ القَدَح فأعطيه الآخرَ، فيشربُ حتَّى يَروى، ثمَّ يرُدُّ عليَّ القَدَح فأعطيه الآخر، فيشربُ حتَّى يَروى(5)، ثمَّ يردُّ عليَّ القَدَح، حتَّى انتهيتُ إلى النَّبيِّ صلعم وقد رَويَ القومُ كلُّهم، فأخذ القَدَح فوضعه على يدِه فنظر إليَّ فبتسَّمَ، فقال: يا أبا هِرٍّ. قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: بقيتُ أنا وأنتَ. قلت: صدقتَ يا رسول الله، قال: اقعُد فاشرَب. فقعدتُ فشربتُ، فقال: اشرَبْ. فشربتُ، فما / زال يقول: اشرَب. حتَّى قلت: لا والَّذي بعثكَ بالحقِّ، لا أجدُ له مَسْلَكاً، قال: فأَرِني. فأعطيتُه القَدَحَ فحمِد الله وسَمَّى، وشرِبَ الفضلةَ». [خ¦6452]
          وأخرج البخاريُّ أيضاً نحواً من هذا مختصراً من حديث أبي حازمٍ سلمانَ مولى عزَّةَ عن أبي هريرةَ قال: «أصابني جَهدٌ شديدٌ، فلقيتُ عمرَ بن الخطَّاب، فاستقرأتُه آيةً من كتاب الله، فدخل دارَه وفتحَها عليَّ، فمشَيتُ غيرَ بعيدٍ، فخررتُ لوجهي من الجوع، فإذا رسول الله صلعم قائمٌ على رأسي، فقال: يا أبا هِرٍّ. فقلت: لبَّيك يا رسول الله وسعدَيك، فأخذ بيدِي فأقامَني وعرفَ الَّذي بِي، فانطلق بِي إلى رَحلِه، فأمر لي بعُسٍّ من لبنٍ، فشربتُ منه، ثمَّ قال: عُد يا أبا هِرٍّ. فعدتُ فشرِبتُ، ثمَّ قال: عُد. فعُدت فشرِبتُ، حتَّى استوى بطني فصارَ كالقِدْح، قال: فلقيتُ عمرَ وذكرتُ له الَّذي كان من أمري، وقلت له: فولَّى الله ذلك من كان أحقَّ به منكَ يا عمرُ، والله لقد استقرأتُكَ الآيةَ ولأنا أقرأُ لها منك. فقال عمرُ: والله لَأن أكونَ أدخلتُك أحبُّ إليَّ من أن يكونَ لي مثلُ حُمْرِ النَّعَم». [خ¦5375]


[1] هذا الحديث سبق أن ذكر طرفاً منه ░2537▒ وقال ابن الأثير في جامعه →4697← بعد أن ذكر الحديثين متتابعين: هذا الحديث قد أخرجه الحميدي في كتابه مفرداً في أفراد البخاري، والذي قبله أيضاً مفرداً في أفراد البخاري، وكلاهما يشتركان في معنى واحد، وقد كان الأولى به أن لا يفرقهما في موضعين، اللهم إلَّا أن يكون قد أدرك فيهما ما أوجب تفريقهما، وما أظنه إلا ذِكْر جعفر بن أبي طالب والله أعلم.
[2] في (ت): (هريرة).
[3] في (الحموي): (فاستأذنت)، وما أثبتناه من (ت) موافق لنسختنا من رواية البخاري.
[4] وفي (ت): (أَصَبتُ).وهو الموافق لما في البخاري.
[5] سقط قوله: (ثم يردُّ عليَّ القَدح فأعطيه الآخر، فيشرب حتى يروى) من (الحموي).