انتقاض الاعتراض

باب

          ░28▒ (بابٌ: بغيرِ ترجمة)
          ذكر فيه عدَّة أحاديث مِن متعلَّقات المعجزات.
          قال (ح):(1) كان حقُّ هذا الباب أن يكون عقبَ بابِ علامةِ(2) النُّبوةِ قبل البابين الذي قبله، ولعلَّ ذلك مِن صنيع الرُّواة كما تقدَّم.
          قال (ع):(3) لا يحتاج إلى هذا الكلام، ولا إلى الاعتذار عنه؛ لأنَّ البابين اللَّذين قبله في علامات النُّبوَّة أيضًا، وهذا الباب المجرَّد في نفس الأمر مُلحق بما ألحق به البابان اللَّذان قبله(4)، كذا قال.
          قوله: قال سفيان: كان الحسن بن عَمَارة جاءنا بهذا الحديث.
          قال (ح): الحسنُ بنُ عَمَارة أحدُ الفقهاءِ المتَّفق على ضعف حديثهم.
          قال (ع): قال(5) عيسى(6) الفاخوري(7) : عن أيوبَ عن سُويد: كنت عند الثَّوري فذكر الحسن بن عَمَارة فعجزه(8) فقلت: ما ذُكِرْتَ عنده قطُّ إلَّا ذكرك بخيرٍ، قال: فما ذكَرَ سفيانُ الحسنَ بعد ذلك إلَّا بخير، وذكرَ قولَ جرير(9) : ما كنت أظنُّ أني أعيش إلى زمان يُحَدَّثُ فيه عن محمَّد بن إسحاق، وسُكِتَ عن الحسنِ بن عَمارة.
          قلت: لو استحضر ما قاله علماء الحديث في حقِّ الحسن بن عَمَارة لاسْتَحْيَا أن يذكرَ هذين الأمرين في معرض الرَّدِّ على مَن قال: إنَّهم اتَّفقوا على ضعفه(10) ؛ بل المراد استقرار الأمر على ذلك، ولو وُجِد قبل ذلك مَن صرَّح بتزييفه(11) فضلًا عن عدم وجوده.
          وقد / ذكر له الْمِزِّيِّ(12) ترجمةً في «التَّهذيب» منها: قال محمود بن غيلان: عن أبي داود الطَّيالسي، قال شُعْبَة: ائتِ(13) جريرَ بنَ حازمٍ، فقل له: لا يحلُّ لك أن تروي عن الحسن بن(14) عَمَارة، فإنَّه يكذب.
          وقال عليُّ بن الحسن بن شقيق: قلت لابن المبارك: لِمَ تركت أحاديث الحسن بن عَمَارة؟ قال: جرحَه عندي سفيان الثَّوري وشُعْبَةُ بنُ الْحَجَّاجِ، فبقولهما(15) تركتُ حديثه.
          وإذا عُرف هذا فارتفع قول جرير بن عبد الحميد مِن قول شعبة والثَّوري، وهل يقدَّمُ التَّعديلُ(16) الْمُحْتَملُ على الْجَرْح الصريح؟ وهل شرطَ أحدٌ مِن المحدِّثين أنَّ شرطَ الجرحِ أن يجتمع الجميع عليه حتَّى يجوز إطلاق كونه ضعيفًا؟، وإنَّما نُقِلَ عن بعض المحدِّثين نحو هذا فيمَن يُتْرَكُ لا فيمَن يُضَعْفَ،ُ ومَن لا يُفَرِّقُ بين مَن يُقال فيه: ضعيف أو متروك، كيف يسوغ له أن يتكلَّم فيما لا يحيط به علمًا؟ وقد قال أحمد بن حنبل _وهو في غاية الورع في وصف الرُّواة_: منكر الحديث، وأحاديثه موضوعة لا يُكتب حديثه.
          قوله فيه: قال (ح):(17) أراد البخاري بإيراد كلام ابن عيينة بيان ضعف رواية الحسن بن عَمَارة، وأنَّ سفيان لم يسمع الخبر مِن عروة، وإنَّما سمعه مِن / الحيِّ ولم يسمِّهم عن عروة، فالحديث بهذا ضعيف للجهل بحالهم، لكن وُجِدَ له متابعٌ عند أحمد وأبي داود والتِّرْمِذِي وابن ماجه عن عروة البارقي(18)، وشاهد مِن حديث حكيمِ بن حِزَام وأبي داود وغيرهما.
          قال (ع):(19) لم تجرِ عادة البخاري أن يذكر في «صحيحه» حديثًا ضعيفًا ثمَّ يشير إليه بالضَّعف...إلى أن قال: وقد وُجِد له متابع.
          فذكر كلام (ح)(20) بلفظه كعادته، وأوهم أنَّه مشن تصرُّفه، فأمَّا ما ادَّعاه مِن جريان عادة البخاري بأنَّه قال في كتاب الهبةِ: ويُذكر عن ابن عباس جلساؤه وشركاؤه(21)، ولم يصحَّ.
          وقال في أوَّل الصَّلاة: ويُذكر عن سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَع يزره(22) ولو بشوكة، وفي إسناده نظر.
          وقال في المواريث: ويُذكر عن تميمٍ: «هو أوَّل النَّاس لمحياه ومماته»، واختلفوا في صحَّة هذا الخبر، وقد وقع للبخاري نحو هذا في حديث في زيادة للمسعودي.
          وفي قيام الليل: في حديثٍ لعبد الكريم بن أبي الْمُخَارق(23).
          وقد سبق (ح)(24) إلى معنى ما ذكره في حقِّ الحسن بن عَمَارة الحافظَ الْمُنْذِري فقال: تخريج البخاري له يحتمل أن يكون / سمعه هكذا فحدَّث به كما سمعه، وذكر فيه إنكار(25) سبب(26) سماعه مِن عروة حديث الشاة، وإنَّما سمع مِن عروة قوله ╕: «الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ» وسببه(27) أنَّ الحديث لو كان على شرطه لأخرجه في البيوع أو الوكالة، كما جرت عادته في الحديث الذي يشتمل على أحكام، أن يذكره في الأبواب التي تصلح له ثمَّ اقتصر بعده على حديث الخيل مِن طرق، فدلَّ على أنَّه أراد حديث الخيل فقط، إذ هو على شرطه.
          قال (ع):(28) قوله: فدلَّ على(29) أنَّ مراده الخيل فقط إذ هو على شرطه؛ لأخرجه في البيوع أو الوكالة، كما جرت عادته في الحديث الَّذي يشتمل على أحكام، أن يذكره في الأبواب التي تصلح له ثمَّ اقتصر بعده على حديث الخيل من طرق، فدلَّ على أنَّه أراد حديث الخيل فقط، إذ هو على شرطه.
          قال (ع): قوله: فدلَّ على أن مراده الخيل فقط إذ هو على شرطه(30) فيه نظرٌ؛ لأنَّه لو كان الأمر كما ذكره لعكَّر(31) عليه ذكرهنَّ فبين(32) أبواب علامة(33) النُّبوَّة لعدم المناسبة(34) مِن كلِّ وجه.(35)
          قلت: مَن لا يدري وجه المناسبة في إيراد حديث الخيل في باب علامات النبوَّة؟ ما باله يتكلَّم فيما لا يعنيه ويرد الصَّواب / ظنًّا منه أنَّه خطأ وهو التَّخطي ولا يشعر؟ وهبْ أنَّ حديث الشَّاة ثابتٌ ودخوله في علامات النبوَّة بسبب دعاء النبيِّ صلعم لعروة بالبركة في تصرُّفه، بخلاف حديث الخيل، فماذا يصنع في إيراد البخاري في هذا الموضع حديث الخيل مِن حديث ابن عمر وأنس وأبي هريرة؟! على أنَّه اضْطُرَّ فألحقَ في الهامشِ أنَّ مطابقة حديث الخيل(36) لترجمة علامات النبوَّة كونه أخبر عن أمر مستمرٍّ إلى يوم القيامة.
          ومِن اعتراضه على مَن سبقه مِن الشُّرَّاح ممَّا لا يصلح عن(37) المحدِّثين أن يكون اعتراضًا، أنَّه نقل عن الكِرْماني أنَّه قال في حقِّ الحسن بن عَمَارة: كان يكذب، فكيف جاز النقل؟ ثمَّ أجاب بأنَّه لم يثبت بقوله مِن هذا الحديث شيء مع احتمال أن يكون قاله بناء على ظنَّه يعني: أنَّه لم يتعمَّد الكذب.
          قال (ع):(38) قد اتَّسع في العبارة، ولم يكن مِن دأب أهل العلم أن يذكر شخصًا عالماً فقيهًا متقدِّمًا، وساء(39) بهذه العبارة الفاحشة، لكن الدَّاعي له ولأمثاله(40) التَّعصب بالباطل.
          قلت: انظروا حَطَّه على الفضلاء مِن الأئمَّة أنَّهم(41) تكلُّموا في حقِّ الرُّواة بالتَّعصُّب بالباطل، فقد أطلق إمام الورعين أحمد بن حنبل على جماعة مِن المحدِّثين الكذب.
          وقال الإمام أبو / حنيفة: ما لقيت فيمَن لقيت أكذبَ مِن جابرٍ الْجُعْفِيِّ، ما جئته بشيء مِن رأيي إلَّا جاءني فيه بحديث.
          وقال الشَّافعيُّ في كثير بن عبد اللَّه الْمُزَني: كان مِن أركان الكذب.
          وقال في حقِّ الواقدي: وقد اتفَّقوا على أنَّه كان مِن المتَّسعين في العلم، كتبُ الواقديِّ(42) كذبٌ.وأمثال(43) ذلك(44) ممَّا يعرفه مَن سدي(45) طرفًا مِن علم الحديث، وأمَّا مَن لم يكن له في ذلك يدٌ وإنَّما يعتمد على الصُّحف وينقل ما يجدُه مِن كلام العلماء يقصُّه(46) ناسبًا ذلك لنفسه، فما باله والاعتراض على ما لم يُحِط به علمًا، واللَّه المستعان.


[1] قوله : «(ح)» بياض في (د).
[2] في (د) و(س) و(ظ): «علامات ».
[3] قوله : «(ع)» بياض في (د).
[4] قوله: «قبله في علامات النبوة أيضًا، وهذا الباب المجرد في نفس الأمر ملحق بما ألحق به البابان اللذان قبله » ليس في (د) و(س) و(ظ)، لكن في (س) لفظة: «قبله» موجودة
[5] قوله: «قال» ليس في (س).
[6] في (س): «عدي».
[7] في (ظ): «الناخوري».
[8] في (د) و(س): «فغمزه».
[9] في (س): «قوله جوير».
[10] في (س): «ضعف».
[11] في (س): «بتنزيفه».
[12] في (س): «المزي له».
[13] في (س): «أنت».
[14] قوله: «بن» ليس في (س).
[15] في (س): «فيقولهما».
[16] في (س): «التعليل».
[17] قوله : «(ح)» غير واضحة في (د).
[18] قوله : «البارقي» ليست في (د) و(س) و(ظ).
[19] قوله : «(ع)» بياض في (د).
[20] قوله : «(ح)» بياض في (د).
[21] في (س): «شركاؤه وجلساؤه».
[22] في (س): «بزره».
[23] في (ظ): «المخارف».
[24] قوله : «(ح)» بياض في (د).
[25] قوله: «إنكار» ليس في (س).
[26] في (س): «ينسب».
[27] في (س): «ونسبه».
[28] قوله : «(ع)» غير واضحة في (د).
[29] في (س): «ذلك».
[30] قوله : «لأخرجه في البيوع أو الوكالة، كما جرت عادته في الحديث الذي يشتمل على أحكام، أن يذكره في الأبواب التي تصلح له ثم اقتصر بعده على حديث الخيل من طرق، فدلَّ على أنه أراد حديث الخيل فقط، إذ هو على شرطه، قال (ع): قوله: فدلَّ على أن مراده الخيل فقط إذ هو على شرطه » ليس في (د) و(س) و(ظ).
[31] في (س): «يعكر».
[32] في (س) و(د): «ذكره بين»، وفي الأصل و(ظ): «ذكره فبين».
[33] في (ظ): «علامات».
[34] في (س): «مناسبة».
[35] في (س): «جهة».
[36] قوله: «الخيل» ليس في (س).
[37] في (د) و(س) و(ظ): «عند».
[38] قوله : «(ع)» غير واضحة في (د)، وفي (س): «(ح)».
[39] في (س): «ونسبًا».
[40] في (س): «ولا مثال».
[41] قوله: «أنهم» ليس في (س).
[42] قوله: «وقد اتفقوا على أنه كان من المتسعين في العلم، كتبُ الواقديِّ » ليس في (س).
[43] في (س): «وامتثال».
[44] قوله: «ذلك» ليس في (س).
[45] في (س): «شدى»، وفي(د): غير منقوطة.
[46] في (ظ): «بقصه».