تحفة الأخباري بترجمة البخاري

معاملاته المالية

          ورُوِّينا عن أبي جعفر محمَّد بن أبي حاتم النحوي الورَّاق عن أبي عبد الله البخاري أنَّه قال له: ما توليتُ شراء شيء ولا بيعه قط. فقال له أبو جعفر: وكيف وقد أحل الله البيع ؟ قال: لما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط، فخشيت أنِّي إنْ توليتُ ذلك أن أستوي بغيري، فقال له: ومن كان يتولى أمرك في أسفارك ومبايعتك ؟ قال: كنت أُكفى ذلك.
          وخرَّج الخطيبُ البغداديُّ في ((تاريخه)) من طريق أبي سعيد بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله محمَّد بن إسماعيل: منذ ولدت ما اشتريت مِن أحدٍ بدرهم شيئًا قط، ولا بعت من أحد بدرهم شيئًا، فسألوه عن شراء الحبر والكواغد ؟ فقال: كنت آمر إنسانًا يشتري لي.
          وقال أبو سعيد بكر بن منير: كان حُمِلَ إلى محمَّد بن إسماعيل بضاعةٌ أنفذها إليه فلان، فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم. فقال لهم: انصرفوا الليلة. فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم، فردَّهم وقال: إنِّي نويت البارحة أن أدفع إليهم بما طلبوا. يعني: الذين طلبوا أوَّل مرة، ودفع إليهم بربح خمسة آلاف، وقال: لا أحب أن أنقض نيتي.
          وقد بلغنا أن تجارته كانت من مالٍ ورثه من أبيه، وكان يعطيه مضاربةً لمن يتَّجر فيه، وكان يتصدق منه بالكثير، ويبر الطلبة ويحسن إليهم.
          (قال وراقة أبو جعفر: وكان يتصدق بالكثير، يأخذ / بيد صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين والأقل والأكثر، من غير أن يشعر بذلك أحد، وكان لا يفارقه كيسه في صلاة كان أو غيرها).
          قال: ورأيته ناول رجلًا مرارًا صرة فيها ثلاثمائة درهم، وذلك أن الرجل أخبرني بعدد ما كان فيها من بعد، فأراد الرجل أن يدعو له، فقال له: ارفق واشتغل بحديث آخر كيلا يعلم بذلك أحد.(1)


[1] الفقرة في (ب) مختصرة.