التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث ابن عمر: صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح

          990- حَدَّثَنا عَبْد اللهِ بْن يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْد اللهِ بْن دِينَارٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلعم عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُم الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً، تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» [خ¦990].
          وفي حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنه: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْصَرِفَ، فَارْكَعْ رَكْعَةً تُوتِرُ لَكَ مَا صَلَّيْتَ».
          قَالَ القَاسِمُ: وَرَأَيْنَا أُنَاسًا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوتِرُونَ بِثَلَاثَةٍ، وَإِنَّ كُلًّا لَوَاسِعٌ، أَرْجُو أَنْ لا يَكُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَأْسٌ [خ¦993].
          وعند مسلم: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رسولَ اللهِ صلعم، وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّائِلِ، فَقَالَ: يَا رَسول اللهِ كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَصَلِّ رَكْعَةً، وَاجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِكَ وِتْرًا». ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ، وَأَنَا بِذَلِكَ المَكَانِ مِنْ رَسول اللهِ صلعم، فَلَا أَدْرِي أَهُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أوْ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
          وفي لفظ: «بادروا الصبحَ بالوترِ».
          وفي لفظ: «مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا قبلَ الصبحِ».
          وفي لفظ: «الوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ».
          وفي لفظ: أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسول اللهِ صلعم وَهُوَ فِي المَسْجِدِ، كَيْفَ أُوتِرُ صَلَاةَ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ صلعم: «مَنْ صَلَّى فَلْيُصَلِّ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِنْ أَحَسَّ أَنْ يُصْبِحَ سَجَدَ سَجْدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى».
          وفي «موطأ معن»: «فليصلِّ ركعةً واحدةً» الحديث.
          عند أبي عيسى: سأل أنسُ بنُ سيرين ابنَ عُمر: آطيل في / ركعتي الفجر؟ فقال: «كانَ النبيُّ صلعم يُصَلِّي مِن الليلِ مَثْنَى مَثْنَى، ويوترُ بركعةٍ».
          وعند الدَّارَقُطْني في رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن ابن عمر مرفوعًا: «صلاةُ الليلِ والنهارِ مَثْنَى مَثْنَى»، قال أبو الحسن: وهو غير محفوظ، وإنما تعرف صلاة النهار عن يعلى بن عطاء عن علي البارقي عن ابن عمر، وقد خالفه نافع وهو أحفظ منه، فذكر: «أنَّ صلاة الليلِ مَثْنَى مَثْنَى مَثْنَى، والنهارِ أربعًا»، وفي رواية يحيى عن عبيد الله عن نافع: «أن ابن عمر كانَ يصلِّي بالليلِ مَثْنَى، وبالنهارِ أربعًا» رواه وهب بن وهب القاضي _وهو متروك_ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: «صلاةُ الليلِ والنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى»، ووهم فيه، والمحفوظ عن عبيد الله ما ذكرناه، وروى إبراهيم الحُنَيْنِيُّ عن مالك والعمري عن نافع عن ابن عمر يرفعه: «صلاةُ الليلِ والنهار مَثْنَى مَثْنَى» قال: وكذلك روى عن عبد الله عن نافع عن مالك، ولا يثبت عنه، وإنما تُعرف هذه اللفظة مِن رواية الحُنَينِي.
          وقال ابن عبد البر: ورواية الحُنَيني خطأ لم يتابعه عن مالك أحدٌ، وعند الترمذي وخرَّج حديثَ يعلى عن علي البارقي: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر؛ فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم، وكذا قاله أبو علي الطُّوسي، وقال النسائي: هذا الحديث عندي خطأ.
          وقال ابن الجوزي: هذه زيادة من ثقة فهي مقبولة.
          وعند البيهقي: سئل أبو عبد الله البخاري عن حديث البارقي هذا: أصحيح هو؟ قال: نعم، قال: وقال سعيد بن جبير: كان ابن عمر لا يصلي أربعًا لا يفصل بينهنَّ إلا المكتوبة.
          وفي «سؤالات مضر بن محمد»: سألت يحيى بن معن عن صلاة الليل والنهار، فقال: صلاة النهار أربعٌ لا يُفصَل بينهن، وصلاة الليل ركعتان، فقلت: إن أبا عبد الله أحمد ابن حنبل يقول: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، قال: بأيّ حديثٍ؟ قلت: بحديث شعبة عن يعلى عن عليٍّ عن ابن عمر، فقال: ومن علي الأزدي حتى أقبل منه هذا وأدعَ يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار [أربعًا] لا يفصل بينهن، وآخذ بحديث عليٍّ الأزدي، لو كان حديث علي صحيحًا لم يخالفه ابن عمر؟ قال يحيى: وكان شعبة يتَّقي هذا الحديث، وربما لم يرفعه.
          وفي «سؤالات حرب» قال: حَدَّثَنا أحمد: حَدَّثَنا غير واحد، وجوَّده غُنْدَرٌ: حَدَّثَنا شعبة عن يعلى بن عطاء / عن علي الأزدي، الحديث.
          وقال الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول: كان شعبة يفرَقه، يعني هذا الحديث، قال أبو عبد الله: ولا أدري لمَ فَرَقَه، والإسناد عندي جيد.
          وفي «علل الخلَّال» قال إسماعيل بن سعيد: قلت لأحمد: فمُتَّقيه أنت؟ قال: لا، إسناده جيد، ونحن لا نتَّقيه.
          وقال الفضل بن زياد: قيل لأحمد: رواه أحدٌ عن ابن عمر غير عليٍّ؟ قال: نعم، إلا أنه أوقفه: حَدَّثَنا يونس بن محمد عن ليث بن سعد عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله عن عبد الله بن أبي سلمة عن محمد بن عبد الرحمن عن ابن عمر: «صلاةُ الليلِ والنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى». انتهى.
          قد أسلفنا عن الدَّارَقُطْني رفع هذه اللفظة من رواية محمد بن عبد الرحمن.
          قال الخلَّالُ: وأَخْبَرَنَا أبو داود سمع أحمد يقول: أما صلاة الليل مثنى مثنى فليس فيه اختلاف، وكان شعبة يتهيَّب حديث ابن عمر: «صلاةُ الليلِ والنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» قال أبو داود: يعني يتهيَّبه للزيادة التي فيه: (والنهار)، وروى نافع عن ابن عمر أنه كان [لايرى بأسًا أن] يصلي بالنهار أربعًا، وبعضهم قال: عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يصلي بالنهار أربعًا، فخاف لو كان حفظ ابن عمر عن النبي صلعم صلاة النهار مثنى [مثنى] لم يكن يرى أن يصلي بالنهار أربعًا.
          قال أبو داود: في هذا توهينٌ لحديث يعلى، يعني حديث علي الأزدي، وقد رُوي عن ابن عمر مرفوعًا: «صَلَاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى» ولم يذكر النهار أكثر من خمسة عشر رجلًا من أصحابه، وقد بَيَّنَ أيوب الأشياء التي سمعها محمد بن سيرين من ابن عمر ليس فيها هذا، وقال غيرُ أبي داود عن أحمد أنه قال: لا ينبغي أن يكون هذا مما سمع محمد من ابن عمر.
          وقال أبو جعفر المعروف بالإمام: رأيت أبا عبد الله وإسحاق بن إسرائيل في المسجد الجامع قبل الصلاة، فصلَّى أبو عبد الله [قبل الصلاة] عشر ركعات، ركعتين ركعتين، وصلَّى إسحاق ثماني ركعات أربعًا أربعًا لم يفصل بينهن بسلام، فقلت لإسحاق: [صليت أربعًا؟]، فقال: حديث أبي أيوب: «أنَّ النبيَّ صلعم كانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بينهنَّ بسلامِ»، فجئتُ إلى أبي عبد لله فسألته، فقال: حديث شعبة عن يعلى، الحديث، قال: فقلت: فحديث أبي أيوب في الأربع، قال: هذا رواه قَرْثَع وقزعة، ومَن قرثع وقزعة؟! انتهى.
          في صحيح ابن خزيمة / : وأما الخبر الذي احتجَّ بعض الناس في الأربع قبل الظهر بتسليمةٍ حديث أبي أيوب فإنه رُوي بسندٍ لا يَحْتَجُّ بمثله مَن له معرفة برواية الآثار، وروى شبيهًا به الأعمش عن المسيب بن رافع عن علي بنِ الصَّلْتِ عن أبي أيوب مرفوعًا إلا أنه ليس فيه «لا يُسَلِّمُ بَيْنَهُنَّ» ولست أعرف عليًّا هذا، ولا أدري مِن أيِّ بلاد الله تعالى هو، ولا أفهم أَلَقِيَ أبا أيوب أم لا، ولا يحتج بمثل هذه الأسانيد إلا معاندٌ أو جاهل. انتهى.
          في كتابِ «قربان المتقين» لأبي نعيم الحافظ: روى حديث أبي أيوب عنه أبو أمامة من رواية ابن زحر عن علي بن القاسم، والشعبي من حديث السري بن إسماعيل، ومحمد بن أبي أيوب من حديث السكن بن أبي كريمة، عن أبي الزناد عن الأعرج عنه، ورواه ثوبان عن النبي صلعم كرواية أبي أيوب من حديث صالح بن جبير: حَدَّثَنا أبو أسماء الرحبي عنه، وعمر بن الخطاب من رواية عبد الله بن محمد بن ناجية: حَدَّثَنا هارون حَدَّثَنا علي بن عاصم عن يحيى البَكَّاء عن ابن عمر عنه، وعبد الله بن السائب من رواية ابن ابي ليلى عن عبد الكريم عن مجاهد عنه.
          وقول من قال: إن أصحاب شعبة اختلفوا في رفعه، فيه نظرٌ من حيث إنا رأينا كبار أصحابه والمختصين بصحبته رَوَوه عنه مرفوعًا، من ذلك: أن أبا علي الطُّوسي رواه مرفوعًا عن الحسن بن محمد الزعفراني: حَدَّثَنا عمرو بن مرزوق عن شعبة.
          والترمذي عن محمد بن بشار: حدَّثنا ابن مهدي: حَدَّثَنا شعبة.
          وأبو محمد الدارمي في «مسنده» عن أبي بكر بن أبي شيبة: حَدَّثَنا وكيع وغندر: حَدَّثَنا شعبة.
          وعند البيهقي من حديث أبي داود الطيالسي عن شعبة، وقال: كذا رواه أيضًا معاذ بن معاذ العنبري [وغيره عن شعبة].
          وابن خزيمة في «صحيحه» عن محمد بن جعفر وابن مهدي عنه.
          والعباس بن عبد المطلب من رواية موسى بن عُبَيْدَةَ عنْ سعيدِ بن أبي سعيد مولى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبي رافع عنه.
          والفضل بن عباس من رواية عبد الرحمن بن حُمَيْدٍ الطائي عن أبي أمية عن أبي رافع عنه.
          وأمِّ سلمة من رواية عمر بن قيس عن ابن جبير عنها، ويشدُّه أيضًا ما سلف من متابعيه.
          ويقول مالك في «الموطأ»: بلغني أن عبد الله بن عمر كان يقول: «صلاةُ الليلِ والنهارِ مَثْنَى مَثْنَى، يُسَلِّمُ مِنْ كلِّ ركعتينِ».
          وبما رواه الترمذي عن ابن عباس: قال رسول الله صلعم: «الصلاةُ مَثْنَى مَثْنَى تَشَهُّدٌ [في كل ركعتين] وتخضُّعَ وتضرُّعٌ وتَمَسْكُنٌ في كلِّ ركعتينِ».
          وبما في «علل الخلَّال»: أَخْبَرَنَا زكريا بن يحيى: حَدَّثَنا أبو طالب / أنه قرأ على أبي عبد الله عن ابن جعفر عن شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطلب عن النبي صلعم أنه قال: «الصلاةُ مَثْنَى مَثْنَى وتَشَهُّدٌ في كلِّ ركعتينِ». الحديث.
          قال أبو عبد الله: أخطأ شعبة في هذا الحديث في موضعين: قال: عن أنس بن أبي أنس، وقال ليث بن سعد: عمران بن أبي أنس، وعمران رجل معروف بالمدينة، وأنس لا أعرفه، وقال: المُطَّلِب، وليس هو المُطَّلِبَ، وغيره لا يقول المطلب.
          قلت: فمن المطلب؟.
          قال: لا أعرفه.
          قال: ووافق شعبةَ على بعض هذا الإسناد رجلٌ ضعيف من أهل المدينة اسمه يزيد بن جُعْدبة، ولما خرَّج ابن خزيمة حديث شعبة في «صحيحه» له قال: إن ثبت هذا الخبر فهذه اللفظة: «الصلاةُ مَثْنَى مَثْنَى» مثل خبر ابن عمر ففي هذا زيادة، وهي رفع اليدين لتقول: اللهم. وفي خبر الليث قال: ترفعهما إلى ربك تستقبل بهما وجهك وتقول: يا ربِّ يا ربِّ، ورفع اليدين في التشهد قبل السلام ليس من سنة الصلاة، وهذا دالٌّ على أنه إنما أمره برفع اليدين والدعاء والمسألة بعد السلام من المَثْنى.
          وفي كتاب «الفضائل» لِحُمَيْدِ بن زَنْجَوَيْه: حَدَّثَنا الحكم بن نافع: حَدَّثَنا أبو بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد وعطية بن قيس عن عمرو بن عَبْسَة يرفعه: «صلاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى».
          وقال ابن عبد البر: حديث «الصلاة مَثْنَى مَثْنَى» وإن كان لا يقوم بسنده حجة، فالنظر يعضده والأصول توافقه، ومن الدليل أن صلاة النهار مثنى كصلاة الليل سواء أن رسول الله صلعم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين، وبعد الجمعة ركعتين، [وبعد المغرب] وبعد الفجر ركعتين [قبل أن يدخل بيته]، وكان إذا قدم من سفر صلَّى في المسجد ركعتين، وصلاةَ الفطر والأضحى والاستسقاء ركعتين.
          وقال: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» [خ¦444] ومثل هذا كثير، ودليل آخر أن العلماء لما اختلفوا في صلاة النافلة بالنهار وقام الدليل على حكم صلاة النافلة بالليل وجب رَدُّ ما اختلفوا فيه على ما أجمعوا عليه قياسًا.
          وقال مالك والليث والشافعي وأحمد وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، مستدلين بما تقدم.
          وقال أبو حنيفة والثوري: صلِّ بالنهار إن شئت ركعتين وإن شئت أربعًا أو ستًا أو ثمانيًا، وقال الثوري: صلِّ ما شئت بعد أن تقعد في كلِّ ركعتين / وهو قول الحسن بن حي.
          وقال الأوزاعي: صلاة الليل مثنى، وصلاة النهار أربعًا، وهو قول النَّخَعي.
          و(مَثْنَى مَثْنَى) يريد: ركعتين ركعتين، وهو معدول عن اثنين اثنين، لا ينصرف للعدل المكرر، كأنها عُدِلَتْ مرتين، مرة عن صيغة اثنين، ومرة عن تكرُّرها، وهي نكرة تعرف بلام التعريف، لأنك تقول: المَثْنى، وكذلك ثلاث ورباع، وقيل: إنما لم ينصرف للعدل والوصف، تقول: مررت بقوم مثنى، أي مررت بقوم اثنين اثنين، وموضعها رفع، لأنها خبر المبتدأ الذي هو قوله: (صلاةُ الليلِ)، وقد سئل ابن عمر: ما مَثْنَى مَثْنَى؟ قال: تُسَلِّمُ في كل ركعتين.
          وفي «شرح المهذب»: جمهور العلماء على أن وقت الوتر يخرج بطلوع الفجر مستدلين بما رواه أبو سعيد: قال النبي صلعم: «أَوْتِرُوا قَبْلَ الصبحِ» عند مسلم، ولَمَّا خرَّجه الحاكم قال: وله شاهد صحيح، وهو قوله عليه السلام: «بَادِرُوا الصبحَ بالوترِ» وهو مخرَّج في «صحيح ابن خزيمة».
          وروى أبو سعيد مرفوعًا: «مَنْ أَدْرَكَهُ الصبحُ ولَمْ يُوْتِرْ فَلَا وِتْرَ لَهُ» وقال: صحيح على شرط مسلم، وخرجه أيضًا ابن خزيمة، وعند الترمذي عن ابن عمر: قال صلعم: «إذا طلعَ الفجرُ فقدْ ذَهَبَتْ كلُّ صلاةٍ بالليلِ والوترُ، فأوتروا قبلَ طلوعِ الفجرِ». وقال: تفرد به سليمان بن موسى، وخرَّجه أيضًا الحاكم في «مستدركه»، ولفظه في «صحيح ابن خزيمة»: فإن النبي صلعم قال: «الوترُ قَبْلَ الفجرِ»، وفي لفظٍ «فقدْ ذهبَ صلاةُ الليلِ والوتر».
          وفي «المصنف» عن الحسن قال: «لا وِتْرَ بعدَ الغَدَاةِ». وفي لفظٍ «إذا طَلَعَتِ الشمسُ فلا وترَ».
          وقال الشعبي: من صلَّى الغداة ولم يوتر فلا وتر عليه، وكذا قاله مكحول وسعيد بن جبير.
          وقيل: إنه يمتدُّ بعد الفجر حتى يصلي الفجر.
          قال ابنُ بَزِيزَةَ: ومشهور مذهب مالك أنه يصليه بعد طلوع الفجر ما لم يصلِّ الصبح، والشاذ من مذهبه أنه لا يصلي بعد طلوع الفجر، قال: وبالمشهور من مذهبه قال أحمد والشافعي، ومن السلف ابن مسعود وابن عباس وعبادة بن الصامت وحذيفة وأبو الدرداء وعائشة.
          وقال طاوس: يصلي الوتر بعد صلاة الصبح.
          وقال أبو ثور والأوزاعي والحسن والليث / : يصلي الوتر بعد صلاة الصبح، كأنهم لمحوا ما في النسائي بسندٍ جيدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ، أنَّهُ كَانَ فِي مَسْجِدِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَجَعَلُوا يَنْتَظِرُونَهُ، فَجَاءَ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَوْتِرُ، وَقَالَ: سُئِلَ عبد الله: هَلْ بَعْدَ الأَذَانِ وترٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَبَعْدَ الإِقَامَةِ، وَحَديث عَنِ النبيِّ صلعم: «أَنَّهُ نَامَ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى».
          في لفظ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عبد الله فَقَالَ: أُوتِرُ بَعْدَ النِّدَاءِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَبَعْدَ الإِقَامَةِ.
          وفي «المصنف»: قَالَ أبو الدَّرْدَاءِ: «رُبَّمَا أَوْتَرْتُ وَإِنَّ الإِمَامَ لَصَافٌّ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ». و«كَانَ ابنُ عَبَّاسٍ يُوتِرُ عِنْدَ الإِقَامَةِ»، وسُئِلَ أبو عُبَيْدَةَ: الرَّجُلُ يَسْتَيْقِظُ عِنْدَ الإِقَامَةِ قَالَ: «يُوتِرُ».
          وعند الحاكم مصحَّح الإسناد عن أبي الدرداء قال: رُبَّمَا رأيتُ النبيَّ صلعم يوترُ وقدْ قامَ النَّاسُ لصلاةِ الصبحِ، وقال أبو ثور والأوزاعي والحسن والليث: يصلي ولو طلعت الشمس.
          وقال سعيد بن جبير: يوتر من القابلة، وقال ابن العربي أقل النفل عند الشافعي ركعة، وحقيقة مذهبه تكبيرة، فإنه عنده لو كبر لصلاةٍ ثم بدا له في تركها فخرج عنها كتب له ثواب التكبيرة وليس له أصل [في الإسلام]، وأما ركعة واحدة فلم تشرع إلا في الوتر كما تقدم عن ابن عمر، وفعله أبو بكر وعمر، ورُوِيَ عن عثمان وسعد بن أبي وقاص وابن عباس ومعاوية وأبي موسى وابن الزبير وعائشة وعطاء ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، إلا أن مالكًا قال: ولا بدَّ أن يكون قبلها شفع لِيُسَلِّمَ بينهن في الحضر والسفر، وعنه: لا بأس أن يوتر المسافر بواحدة، وكذا فعله سحنون في مرضه.
          وقال الأوزاعي: إن شاء فَصَلَ بينهما وإن شاء لم يفصل، وممن قال: يوتر بثلاث لا يفصل بينهن، عمر وعلي وابن مسعود وحذيفة وأُبَيُّ بن كعب وابنُ عباس وأنس وأبو أمامة وعمر بن عبد العزيز والفقهاء السبعة وأهل الكوفة.
          قال الترمذي: ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إليه، ويشبه أن يكونوا مستدلين بما في «كتاب الحاكم» عن عائشة قالت: «كانَ رسولُ اللهِ صلعم لا يُسَلِّمُ في الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ منَ الوترِ» وقال: صحيح على شرط الشيخين وله شواهد، فذكر منها عنها قالت: «كان رسول الله صلعم / يوترُ بثلاثٍ لا يَقْعُدُ إِلَّا في آخرهِنَّ» قال الحاكم: وهذا وتر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ☺، وعنه أخذ أهل المدينة عطاء وغيره.
          وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح: «كانَ لا يُسَلِّمُ في ركْعَتَي الوترِ».
          وعند البيهقي: «لا يُسَلِّمُ في الرَّكْعَتَيْنِ الأوليينِ منَ الوترِ».
          ولما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب «العلل» من حديث عثمان بن الحكم عن يحيى بن سعيد أنه بَلَغَهُ عن عائشة، قال عن أبيه وأبي زرعة: هذا أشبه، وقد أفسد على يحيى بن أيوب حيث رواه عن يحيى بن سعيد عن عمرة عنها، وعند النسائي بسند صحيح عن أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: «كانَ رسولُ اللهِ صلعم يوترُ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ولا يُسَلِّمُ إلا في آخِرِهِنَّ».
          وعن ابن عباس: «أن رسول الله صلعم كان يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}» وسنده أيضًا صحيح.
          وعند الترمذي من حديث الحارث عن عليٍّ: «كانَ النبيُّ صلعم يوترُ بثلاثٍ». الحديث.
          وعند الطحاوي عن أبي خلدة: سألتُ أبا العالية عن الوتر فقال: علمنا أصحاب محمد [صلعم أو علمونا أن] الوتر مثل صلاة المغرب غير أنَّا نقرأ في الثالثة: هذا وتر الليل، وهذا وتر النهار.
          وعن الربيع المؤذن عن ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز: أمرنا الفقهاء بالوتر ثلاثًا لا نسلم إلا في آخرهن.
          وعند الدَّارَقُطْني عن ابن مسعود قال رسول الله صلعم: «وترُ الليلِ ثلاثٌ كوترِ النهارِ صلاةَ المغرب» وفي سنده يحيى بن زكريا المعروف بابن أبي الحواجب، وفيه ضعف ولم يرفعه غيره، وهو عند ابن أبي شيبة موقوف بسند صحيح.
          وعن ابن عباس بسند صحيح: الوتر بسبع أو بخمس، ولا أقل من ثلاث، وعن جابر بن زيد: الوتر ثلاث، وحَدَّثَنَا حفص عن عمرو عن الحسن قال: أجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا تسليم إلا في آخرهن.
          وكان سعيد بن جبير ومكحول وسعيد بن المسيب والنخعي وأبو العالية وخِلاس وأصحاب عليٍّ وأصحاب عبد الله يوترون بثلاث ولا يسلمون في الركعتين، وكذا فعله أبو أمامة وعمر، وفي «الموطأ» عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان يقول: صلاة المغرب وترُ صلاةِ النهار، وهو عند النسائي بسند صحيح مرفوع: «صلاةُ المغربِ وترُ صلاةِ النهارِ فأوتروا صلاةَ الليلِ».
          ال أبو عبد الله: وقد صحَّ عن النبي صلعم / : «أنَّهُ أوترَ بثلاثٍ».
          وعند أبي نعيم من حديث عبيد بن عبيد الله عن السَّرِيِّ بن إسماعيل عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي سارة قال: سألتُ النبي صلعم عن صلاة الليل فقال: «ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، والوترَ وركعتينِ عندَ الفجرِ» الحديث.
          وقال: أراه عبد الرحمن بن أبي سبرة، وقد عارض هذا حديثٌ رواه أبو هريرة مرفوعًا من عند الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وقال الدَّارَقُطْني: إسناده كلهم ثقات «لا تُوْتِرُوا بِثَلَاثٍ، ولا تشَبَّهُوا بصلاةَ المغربِ، أَوْتِروا بخمسٍ أو بسبعِ أو بتسعٍ أو بِإِحْدَى عَشْرَةَ ركعةً أو بأكثرَ منْ ذلكَ».
          وفي «المصنف»: حَدَّثَنا عَبَّادُ بنُ العوَّامِ عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لا توترْ بثلاثٍ بتْرٍ، صلِّ قبلها ركعتين أو أربعًا.
          وحَدَّثَنَا هشيم عن العوام: حَدَّثَنا أبو كذا عن إبراهيم التيمي أنه قال: كانوا يكرهون أن يشبهوا الوتر بالمغرب، قال البيهقي: وهذا يخالف قول من جعلها ثلاثًا كالمغرب في الظاهر، والمراد من خبر أبي هريرة الزيادة فيها، وترك الاقتصار فيها على الثلاث، كما اختاره الشافعي.
          وقول البخاري: (وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عبد الله بن عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ منَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ). أحاله على السند الأول، بيانه أن البيهقي لما روى هذا خاصة قال: رواه البخاري في الصحيح عن ابن يوسف عن مالك، ورواه أيضًا من طريق الشافعي عن مالك من الوتر. انتهى.
          وكأنَّ البخاري في فصله بينهما يحتمل أمرين:
          الأول: أن يكون سَمِعَهُما متفرِّقَينِ المرفوعَ عن الأثرِ فأدَّاهما كما سمعهما.
          أو أراد التفرقة بين الحديث والأثر كعادته وعادة غيره.
          واخْتُلِفَ في الوتر فزعم القاضي أبو الطيب أن العلماء كافَّةً قالت: إنه سنة، حتى أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة وحده: هو واجب، وليس بفرض، وقال أبو حامد في «تعليقته»: الوتر سنة مؤكدة ليس بفرض ولا واجب، وبه قالت الأمَّة كلها إلا أبا حنيفة، وتبعهما على قولهما غير واحد، وهو غير جيد لعدم تفرد أبي حنيفة بذلك، هذا القاضي أبو بكر بن العربي ذكر عن سحنون وأصبغ بن الفرج وجوبه / . وحكى ابن حزم أن مالكًا قال: من تركه أُدِّب، وكانت جُرحة في شهادته، وحكاه ابن قدامة في «المغني» عن مذهب أحمد.
          وفي «المصنف» عن مجاهد بسند صحيح: هو واجب ويكتب، وعن ابن عمر بسند صحيح: ما أُحِبُّ أنِّي تركت الوتر و[لو] أنَّ لي حُمْرَ النَّعَم.
          وحكى ابن بطال وجوبه عن يوسف بن خالد السَّمْتِي شيخِ الشافعي، ووجوبه على أهل القرآن عن ابن مسعود وحذيفة وإبراهيم النخعي، وحكاه ابن أبي شيبة أيضًا عن ابن المسيب وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود والضحاك، وكأن الأصل في ذلك قول النبي صلعم: «الوِتْرُ حَقٌّ» رواه الأوزاعي عن الزهري عن عطاء بن يزيد قال: حَدَّثَنا أبو أيوب عند الحاكم، وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين، وقد تابعه الزبيدي محمد بن الوليد وسفيان بن عيينة وسفيان بن حسين ومحمد بن إسحاق ومعمر بن راشد وبكر بن وائل على رفعه.
          قال الحاكم: ولستُ أشكُّ أنَّ الشيخين تركا هذا الحديث لتوقيف بعض أصحاب الزهري إياه، وهذا مما لا يُعلِّله، وقال ابن القطان: ينبغي أن يكون القول فيه قولَ مَن رفَعه، لأنه حفظ ما لم يحفظ واقفُهُ، فأرى الحديث صحيحًا، وهو عند الدَّارَقُطْني بلفظ: «حقُّ واجبٌ»، وقال: قوله: (واجبٌ) ليس بمحفوظ، ولا أعلم أحدًا تابع محمد بن حسان الأزرق عليه، قال ابن القطان: هو تفرُّدُ ثقةٍ صدوق، يعني الأزرق.
          وعن بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ قال: قال رسول الله صلعم: «الوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» قال أبو عبد الله: هذا حديث صحيح، ولفظه عند أبي داود: «الوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا. قَالَهَا ثَلَاثًا»، وعند أبي بكر الرازي الحنفي: «الوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ». انتهى.
          وعن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد الزَّوْفِيِّ عن عبد الله بن أبي مُرَّةَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسول اللهِ صلعم فقالَ: «إِنَّ اللهَ تعالى أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ وَهِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الوِتْرُ، فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صلاةِ العِشَاءِ إِلَى صلاةِ الفَجْرِ».
          قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ورواته / مدنيون ومصريون، ولم يتركاه إلا لما قدَّمتُ ذكرَه من تفرُّد التابعي عن الصحابي. انتهى.
          كأنه يشير إلى أن خارجة تفرَّد عنه ابن أبي مرة، وليس كذلك لما ذكره أبو عبيد الله محمد بن الربيع الجيزي في كتاب «الصحابة» تأليفه روى عنه أيضًا عبد الرحمن بن جبير قال: ولم يرو عنه غير أهل مصر، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد، وقد وَهِمَ بعض المحدثين في هذا الحديث فقال: عبد الله بن راشد الزرقي، وهو وهم.
          وقال أبو زيد في كتاب «الأسرار»: وهو حديث مشهور، وقال ابن حبان في كتاب «الصحابة»: روى خارجة حديثًا في الوتر إسناده مظلم لا يعرف سماع بعضهم من بعض، ولما ذكر عبد الله بن راشد في «الثقات» قال: روي عن عبد الله بن [أبي] مُرَّةَ إن كان سمع منه، ومن اعتمده فقد اعتمد إسنادًا مُشَوَّشًا.
          وفي «مسائل أبي عمر خطاب بن بشر الورَّاق لأحمد ابن حنبل» قال أحمد: حديث «إنَّ اللهَ زَادَكُمْ صلاةً» لم يثبت هذا الخبر.
          وفي «صحيح ابن خزيمة» عن عليٍّ أن رسول الله صلعم أوتر ثم قال: «يا أهلَ القرآنِ أَوْتِرُوا؛ فإنَّ اللهَ وترٌ يحبُّ الوترَ» ولما خرَّجه الحاكم قال: لهذا الحديث شواهد، ولفظه عنده: «إنَّ الوترَ ليسَ بِحتمٍ كَصَلَاتِكُمُ المكتوبة، ولكنَّ النبيَّ صلعم أوترَ ثم قال...» الحديث.
          وعند الترمذي مُحّسَّنًا قال رسول الله صلعم: «يا أَهْلَ القُرْآنِ أَوْتِرُوا...» الحديث، ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي صحَّحه ورجَّحه شيخنا القشيري، وحسَّنَهُ أيضًا الطُّوسي وغيره، وقال صالح بن أحمد فيما ذكره الخلال: قلت لأبي: الأحاديث التي تُروى أن الوتر على من يقرأ القرآن، أفيكون من لا يقرأ القرآن في الوتر كمن يقرؤه؟ فقال: إنما يُرْوَى هذا مرسلًا ليس بإسنادٍ جيد، يروى عن علي قال: هو سُنَّةٌ سَنَّها رسول الله صلعم.
          وعند أبي داود مسكوتًا عنه، وابن ماجه من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن النبي صلعم أنه قال: «إنَّ اللهَ وِتْرٌ يحبُّ الوترَ، فَأَوْتِرُوا يا أهلَ القرآنِ»، فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلعم؟ فقال: ليس لك ولا لأصحابك.
          وعند / البزَّار من طريق أبي معشر وجابر الجعفي: «الوترُ واجبٌ على كلِّ مُسْلمٍ».
          وعند الطحاوي بسند صحيح عن أبي بَصْرَة أن النبيَّ صلعم قال: «إنَّ اللهَ تعالى أَمَدَّكُمْ صَلاةً وهي الوترُ، فَصَلُّوهَا فيما بينَ العشاءِ إلى صلاةِ الفجرِ» وقد سمع هذا الحديث من أبي بصرة عمرُو بن العاصي وأبو ذَرٍّ الغفاري.
          وعند أحمد من رواية المثنى بن الصباح وفيه ضعف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلعم قال: «إنَّ اللهَ تعالى زَادَكُمْ صلاةً فَحَافِظُوا عَلَيْهَا وهي الوتر» فكان عمرو بن شعيب يرى أن يعاد الوتر ولو بعد شهر، وفي كتاب «الأثر» لأحمد: حَدَّثَنا هاشم: حَدَّثَنا فرج: حَدَّثَنا إبراهيم [عن أبيه] عن عبد الله بن عمر يرفعه: «إنَّ اللهَ زَادَنِي صَلَاةَ الوترِ».
          وعند أبي قُرَّةَ: «أنَّ رسولَ اللهِ صلعم أمرَ بالمحافظةِ عَلَى الوترِ».
          وعند الدَّارَقُطْني من حديث النضر بن عبد الرحمن _وهو ضعيف_ عن عكرمة عن ابن عباس: أنَّ النبيَّ صلعم خرجَ عليهم يُرى البِشْرُ والسرورُ في وجهه، فقال: «إنَّ اللهَ تعالى قدْ أَمَدَّكُمْ بصَلَاةٍ وهي الوتْرُ» ورواه الدَّارَقُطْني من حديث حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ والعَرْزَمِي عن عمرو، وعنده من حديث بقيَّة: حَدَّثَنا عبد الله بن محرز عن قتادة عن أنس قال رسول صلعم: «أُمرتُ بالوترِ والأَضْحَى ولَمْ يُعْزَمْ عَلَيَّ».
          وعند أحمد بسند جيد عن أبي هريرة قال رسول الله صلعم: «مَنْ لم يُوْتِرْ فليسَ مِنَّا» وزعم في سؤالات مُهَنّا أن معاوية بن قرة راويه عن أبي هريرة لم يسمع منه، وعن معاذ: سمعت النبي صلعم يقول: «زادني ربي صلاةً وهي الوتْرُ، ووقتها فيما بينَ العشاءِ إلى طلوعِ الفجرِ».
          وفي «الاستذكار» عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله صلعم قال: «الوترُ حقٌّ فَمَنْ لَمْ يوترْ فليسَ مِنَّا».
          وفي كتاب «معرفة الرجال والأخبار» لأبي القاسم البلخي: روى جرير بن عبد الحميد عن منصور عن حبيب عن طاوس قال: قال رجل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: إن الوتر ليس بحتم، فقال: وَهَل أبو هريرة.
          وفي «الأسرار» لأبي زيد الدبوسي: روت عائشة عن النبي صلعم أنه قال: «أَوْتِرُوا يا أهلَ القرآنِ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ / فليس مِنَّا».
          وعن أبي قتادة وأبي محمد الأنصاري ☻: الوتر حقٌّ واجبٌ.
          وفي «مسند أبي داود» بسند جيد عن أبي إدريس الخولاني قال: كنت في مجلسٍ من الصحابة [فيهم عبادة بن الصامت] فذكروا الوتر، فقال بعضهم: واجب، وقال بعضهم: سنة... الحديث، وصحَّحه أبو عمر، وفي «موطأ مالك» أنه بلغه أن ابن عمر سئل عن الوتر: أواجب هو؟ فقال عبد الله: قد أوتر النبي صلعم وأوتر المسلمون. انتهى.
          قال الحنفيون: في هذا دلالة ظاهرة على وجوبه، إذ كلامه يدل أنه صار سبيلًا للمسلمين، فمن بدَّله دخل في قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء:115]، وعن عثمان بن سعيد الدارمي حَدَّثَنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار: أخْبَرَنَا أبو غسان محمد بن مُطَرِّفٍ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلعم: «مَنْ نَامَ عَنْ وتره أو نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا أَصْبَحَ أَو ذَكَرَهُ» قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ونقل تصحيحه ابن الحصَّار عن شيخه أبي محمد، ورواه الترمذي عن محمود بن غيلان: حَدَّثَنا وكيع: حَدَّثَنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء به، قال: وحَدَّثَنَا قتيبة: حَدَّثَنا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبي صلعم به، قال أبو عيسى: وهذا أصح من الحديث الأول. وسمعت أبا داود السِّجْزي يقول: سألت أحمد ابن حنبل عن عبد الرحمن بن زيد فقال: أخوه عبد الله لا بأس به، وحكى ابن ماجه أن محمد بن يحيى وهَّى حديث عبد الرحمن في هذا. انتهى.
          يقول الحنفي: المعتمد على ما رواه الحاكم لسلامته من هاتين العلتين، وإذا كان كذلك فالأمر إذا تجدَّد كان للوجوب، ووجوب القضاء فَرْعُ وجوب الأداء.
          وعند الحاكم على شرط الشيخين مرفوعًا: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ ولَمْ يُوْتِرْ فَلْيُوْتِرْ».
          وروى مالك عن عبد الكريم عَنْ سعيدِ بن جبير: أن ابن عباس رقد ثم استيقظ فقال لخادمه: انظر ما صنع الناس، فذهب ثم رجع فقال: قد انصرف الناس من الصبح، فقام عبد الله فأوتر ثم صلَّى الصبح.
          وفي «المصنف» قال الشعبي: لا تدعْ وِتْرَكَ ولو تنَصفَ النهارُ، وكذا قاله طاوس وعطاء ومجاهد، وقال ابن جبير: يُوتَر من القابلة وترين، وقال عليُّ بن أبي طالب: إذا استيقظتَ وذكرتَ الوتر فَصَلِّه، وعن معاوية بن قرة / قال رجل للنبي صلعم: إني أصبحت ولم أوتر، قال: «فَأَوْتِرْ».
          وعند الدَّارَقُطْني من حديث نَهْشَلٍ عن الضحاك عن ابن عمر يرفعه: «منْ فَاتَهُ الوترُ منَ الليلِ فَلْيَقْضِهِ منَ الغدِ».
          قال أبو زيد: وعن الحسن بن أبي الحسن: أجمع المسلمون على أن الوتر حق واجب.
          وحكى الطَّحَاويُّ فيه إجماع السلف ♥، قال: وما روي بخلاف هذا فمحمول على أنه ليس كالخَمْس علمًا واعتقادًا، وما روينا يحتمل على التشبُّه عملًا لتكون حكاية الحسن والطحاوي الإمامين صادقة والزيادة والإمداد يكونان من جنس اللاحق به، تقول: مدَّ الله في عمرك، وأمدَّ السلطان الجيش يعني بزيادة تلحقهم.
          ونسب النبي صلعم زيادة الوتر إلى الله تعالى بأمره وإيجابه، ولو لم يكن واجبًا لكان بمنزلة التراويح والسنن التي واظب عليها، ولم يجعلها زيادة في الفرائض كالوتر.
          فإن قيل: فقد قال الأعرابي لسيدنا رسول الله صلعم حين سأله عن الصلوات: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لَا، إِلَّا أنْ تَطَوَّعَ».
          وقال لمعاذ إذ أرسله إلى اليمن: «أَخْبِرهم أَنَّ اللهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَواتٍ».
          قيل: لقائل أن يقول في قولِه: «زَادَكُمْ» إشارة إلى أنها متأخرة عن وجوب الخمس، وأيضًا فلم يقل أحد بفرضيَّته، والوجوب غير الفرض.
          وأما قول من قال: لو كان واجبًا لما صلَّاه صلعم على الراحلة، إذ الفرائض لا تؤدَّى على الراحلة إلا بشروط.
          قيل لهم: أنتم تقولون بفرضيته عليه صلعم على ما هو الصحيح عندكم، على أنَّا نطعن في صحة الحديث الذي استندتم إليه، لأنه عند الحاكم وغيره من رواية أبي جناب يحيى بن أبي حيَّة وهو ضعيف مدلِّس، وحتى قال النووي: ذكرته لأمر ضعفه، ولأحذِّرَ من الاغترار به.
          ورواه البزار بسند ضعيف عن ابن عباس بنحوه.
          وقال ابن الجوزي: لا نعلم في تخصيص النبي صلعم بالوتر حديثًا صحيحًا، وإن كان ابن عقيل قال: صح أنه كان واجبًا عليه.
          فإن قلتم: قال القرافي في «الذخيرة»: الوتر في السفر ليس واجبًا عليه، وصلاته إياه على الراحلة كانت في السفر.
          قيل: يكفي في هذا أنه قول بغير استناد إلى سنة صحيحة ولا ضعيفة، هذا ابن عمر روى عنه الطحاوي أنه كان يصلي على راحلته ويوتر بالأرض، ويزعم / أن رسول الله صلعم كان يفعل ذلك.
          وقال الدَّارَقُطْني: حَدَّثَنا عبد الله بن سليمان: حَدَّثَنا عيسى بن حماد: حَدَّثَنا الليث عن ابن الهاد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: «أنَّ رسولَ الله صلعم كانَ يوترُ عَلَى رَاحِلَتِهِ» وسنده صحيح على شرط مسلم.
          وروى أبو بكر النيسابوري: حَدَّثَنا الحسن بن محمد بن الصباح: حدَّثنا ابن عُليَّة، عن أيوب عنْ سعيدِ بن جبير عنه مرفوعًا، ورواه ابن أبي شيبة عن معتمر عن حميد عن بكر عنه، وحَدَّثَنَا معتمر عن ابن عون عن القاسم قال: كان عمر بن الخطاب يوتر بالأرض.
          وقال إبراهيم: كانوا يُصَلُّونَ على رواحلهم [ودوابِّهم حيث ما كانت وجوههم] إلا المكتوبة والوتر، كانوا يصلونهما على الأرض، وكان عروة إذا أراد الوتر نزل، وكذلك الضحاك والحسن ومحمد بن سيرين.
          وفي «الأسرار»: «كانَ النبيُّ صلعم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ ويُوْتِرُ على الأَرْضِ».
          ولئن سلَّمنا لكم قولكم، من أين لكم أنه أوتر على الراحلة مرارًا لاحتمال أن يكون فعله لعذر.
          الثاني: نحن لا نقول بفرضيَّته حتى تلزمونا بجواز صلاة الفرض على الراحلة، ونحن وأنتم نقول به.
          وأما قول ابن العربي عن أبي حنيفة: الوتر واجب ولا يلحق بالواجب بالقرآن، فلذلك يفعل على الراحلة، فهو شيء لا يعرفه الحنفيون.
          الثالث: يحتمل أن تكون صلاته إياه على الراحلة قبل إمداد الله تعالى إياه به.
          وفي «شرح الهداية»: لو اجتمع أهل قرية على ترك الوتر أدَّبهم الإمام وحبسهم، فإن امتنعوا قاتلهم.
          وفي ظاهر الرواية إذا فات يقضى، وعن أبي يوسف لا قضاء عليه، وعند محمد أحب إليَّ أن يقضيه.
          وعن الشافعي لا يجب عليه القضاء.
          وعن أحمد وأبي مصعب واللخمي المالكي: لا يقضى بعد الفجر.
          ولا يجوز أن يوتر قاعدًا مع القدرة على القيام، ولا على الراحلة من غير عذر، وقال أبو يوسف ومحمد: يوتر عليها من غير عذر، وبإنكاره [لا] يكفر جاحده للاختلاف الواقع فيه.
          حديث ابن عباس تقدَّم في (باب قراءة القرآن بعد الحدث).
          وحديث عائشة يأتي في صلاة الليل.