المتواري على أبواب البخاري

باب قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}

          ░8▒ باب تأويل قوله (تعالى)(1): {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]
          ويذكر أنَّ النبيَّ صلعم قضى بالدين قبل الوصيَّة.
          وقوله تعالى(2): {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58]، فأداء(3) الأمانة / أحقُّ من تطوِّع الوصيَّة.
          وقال النبيُّ صلعم : «لا صدقة إلَّا عن ظهر غنىً».
          وقال ابن عبَّاسٍ: «لا يوصي العبد إلَّا بإذن أهله».
          وقال النبيُّ صلعم : «العبد راعٍ في مال سيِّده».
          447- فيه حكيم: «سألت النبيَّ صلعم فأعطاني، ثلاثاً، ثمَّ قال لي: يا حكيم، إنَّ هذا المال خَضِرَةٌ حُلوةٌ، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ لم يبارك له فيه(4)، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، فقلت: والذي بعثك بالحقِّ، لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتَّى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر ☺ يدعو حكيماً ليعطيَه العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثمَّ (إنَّ)(5) عمر ☺ دعاه ليعطيَه فأبى أن يقبله (منه)، فقال: يا معشر المسلمين، إنِّي أعرض عليه حقَّه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيمٌ أحداً من الناس بعد النبيِّ صلعم حتَّى توفِّي». [خ¦2750].
          448- وفيه(6) ابن عمر: قال النبيُّ صلعم : «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيِّته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيِّته، (والمرأة في بيت زوجها راعيةٌ ومسؤولةٌ، والخادم في مال سيِّده راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته، و)(7) حسبته أنَّه قال: والرجل راعٍ في مال أبيه». [خ¦2751].
          [قلتَ رضي الله عنك:] إن قيل: ترجم على تقديم الدَّين على الوصيَّة، فما وجه ذكر حديث العبد وحديث حكيمٍ؟ قلنا: أمَّا حديث العبد فأصلٌ يندرج(8) تحته مقصود الترجمة؛ لأنَّه لمَّا تعارض في ماله حقُّه وحقُّ السيِّد قدَّم الأقوى وهو حقُّ السيِّد، وجعل العبد مسؤولاً عنه مؤاخذاً بحفظه، وكذلك حقُّ الدين لمَّا عارضه حقُّ الوصيَّة(9)، والدين واجبٌ والوصيَّة تطوَّعٌ وجب تقديمه.
          وأمَّا(10) حديث حكيمٍ فيحتمل مطابقته وجهين: أحدهما: أنَّ النبيَّ صلعم زَهَّدَه في قبول العطيَّة، (ومرَّضَ فيها)(11) وجعل يد آخذها اليد السفلى تنفيراً عن قبولها ولم يرد مثل هذا في تقاضي الدين، فالحاصل أنَّ قابض الوصيَّة يده السفلى، وقابض الدين استيفاءً لحقِّه: إمَّا أن تكون يده العليا لأنَّه المتفضِّل، وإمَّا أن تكون يده ليست بالسفلى(12)، هذا أقلُّ حالَيْه / فتحقَّق تقديم الدين على الوصيَّة بذلك.
          الوجه(13) الآخر في(14) المطابقة ذكره المهلَّب، وهو أنَّ عمر ☺ اجتهد أن يوفيه حقَّه في بيت المال، وبالغ في خلاصه من عهدته، هذا، وليس(15) دَيناً، ولكن فيه شبهٌ(16) بالدَّين لكونه حقّاً في الجملة، والوجه الأوَّل أقوى في مقصود البخاريِّ عند الفطن، والله أعلم.


[1] ليست في (ع).
[2] في (ع): «وقول الله تعالى».
[3] في (ع): «فإذا».
[4] ليست في (ع).
[5] ليست في (ع).
[6] في (ع): «فيه» بدون واو.
[7] ليست في (ع).
[8] في (ت): «تندرج».
[9] في (ع): «بالوصية».
[10] في (ع): «أما» بدون واو.
[11] ليست في (ع)، وفي (ت): «ومرض».
[12] في (ت) و(ع): «يده السفلى».
[13] في (ع): «والوجه».
[14] في (ع): «من».
[15] في (ع): «وهذا ليس».
[16] في (ع): «شبهةٌ».