مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الغين مع الياء

          الغَين مع اليَاء
          1737- «وتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ» [خ¦5079] هي التي غابَ عنها زوجُها، يقال: أغابَتِ المرأةُ فهي مُغِيبَةٌ وكذا إذا غابَ وليُّها، وضدُّه المُشهِدُ.
          وقوله: «وكان مغِيباً(1) في بعضِ حاجاتِه» كذا جاءَ في «الموطَّأ»، والمعروفُ: «غَائِباً» أو «مُتَغيِّباً» [خ¦5729] كما جاءَ في غيرِه، وهو الصَّوابُ.
          قوله: «وإنَّ نَفَرنَا غُيَّبٌ» [خ¦5007] جمعُ غائبٍ، كذا ضبطَه الأصيليُّ، وضبطَه غيرُه «غَيَبٌ»، وغَيبُوبَةُ الشَّفَقِ وغُيوبه وغَيبَتُه سواءٌ.
          و«الغِيبةُ» و«الاغتيابُ» افتعالٌ، منه ذِكرُ المسلمِ في غيبتِه بما يكرَه ذِكرَه.
          و«الغَابَة» [خ¦377] موضعٌ، وأصلُه الأَجَمَةُ والمُلْتَفُّ من الشَّجرِ، ومنه قوله: «كَلَيثِ غَابَاتٍ».
          1738- و«الغَيْثُ» [خ¦79] المطرُ، وقد يسمَّى الكلأ غَيثاً، كما سُمِّي سماءً، وغِيثَتِ الأرضُ فهي مَغِيثَةٌ.
          وقوله: «عَسى الغُويَرُ أبؤُساً» [خ¦52/16-4161] للذي أتاه بمنبوذٍ، وهو مَثَلٌ ضربَه؛ لأنَّه اتَّهمه أن يكونَ صاحبَه، فضربَ له هذا المَثَلَ؛ أي: عسَى أن يكونَ باطنُ أمرِك رديَّاً، وللمَثَلِ قصَّةٌ مع الزَّبَّاءِ وقصيرٍ، والغُويرُ ماءٌ لكلبٍ سَلَكَه قصيرٌ، وقيل: بل هو في غيرِ هذه القصَّةِ، وإنَّه تصغيرُ غارٍ كان فيه ناسٌ فانهارَ عليهم، أو أتاهم فيه عدوٌّ قتلَهم، فصارَ مَثَلاً لكلِّ ما يُخاف أنْ يأتيَ منه شرٌّ، وقيل: الغُويرُ طريقُ قومٍ من العربِ يغيرون فيه، فكان غَيرُهم يتواصونَ بحراستِه لئلَّا يأتيهم منه بأسٌ، وقيل: كان نفقاً في حِصنِ الزَّبَّاءِ.
          1739- وقوله: «إنِّي امرأةٌ غَيورٌ»، و«اللهُّ أشدُّ غَيراً» كلُّ ما جاء من هذا فهو بمعنى تغيُّرِ القلبِ وهيجانِ الحفيظةِ بسببِ المشاركةِ في الاختصاصِ من أحد الزَّوجينِ بالآخرِ، أو تحريمِه وذبِّه عنهم ومنعه منهم.
          يقال: غارَ الرَّجلُ / فهو غَيورٌ من قومٍ غُيُرٍ، ورجلٌ غائرٌ وغَيرانُ من قومٍ غَيارَى، وغارَ يغارُ غَيرةً وغاراً وغَيْراً، وأمَّا الغَيْرَةُ في وصفِ الله تعالى فهو منعُه ذلك وتحريمُه، ويدلُّ عليه قوله: «مِن غَيرتِه حرَّم الفَواحِشَ» [خ¦5220]، وقوله: «وغَيرَته أن يَأتيَ المُؤمِن ما حُرِّمَ عَليه» [خ¦5223] وقد تَكُون غيرتُه تغيِيرُه حالَ فاعلِ ذلكَ بعقابٍ.
          قوله: «كَيمَا نُغيِر»؛ أي: ندفعُ للنَّحرِ بسرعةٍ، والإغارةُ السُّرعةُ، ومنه إغارةُ الخيلِ وغَورُ الماءِ وامرأةٌ غيرَى، وجاءَ في حديثِ أمِّ سلمةَ: «وأنَا امرأةٌ غَيُور» بغيرِ هاءٍ، وهي أنثَى، كما قيل: امرأةٌ عَرُوبٌ، وضَحُوكٌ، وشَمُوعٌ، وعَقَبةٌ كَؤُودٌ، وأرضٌ حَدورٌ، وصَعودٌ، وكذا كلُّ ما كانَ فعولٌ فيه بمعنَى فاعِل.
          1740- وقوله: «أغْيظُ الأسماءِ عِندَ الله» هذا من مجازِ الكلام معدولٌ عن ظاهرِه، والغَيْظُ صفةٌ تَعترِي المخلوقَ عندَ احتدادِ مزاجِه وتحرُّكِ حفيظتِه، ويتعالى الله عن ذلك، والمرادُ به عقوبتُه للمُتسمِّي بهذا الاسم؛ أي: أنَّه أشدُّ أصحابِ هذه الأسماءِ عقوبةً عندَه.
          وقوله: «غَيظُ جَارَتِها» [خ¦5189] لأنَّها ترَى من حُسنِها ما يَغيظُها ويُهيِّجُ حسدَها.
          1741- ونهيه عن «الغيلَة» بفتحِ الغينِ وكسرِها، وقال بعضُهم: لا يصحُّ الفتحُ إلَّا مع حذفِ الهاءِ، وحكى أبو مروانَ وغيرُه من أهلِ اللُّغة: الغيلةُ بالهاءِ والفتحِ والكسرِ معاً، هذا في الرَّضاعِ، وأمَّا في القتلِ فبالكسرِ لا غير، وقال بعضُهم: هو بالفتحِ من الرَّضاعِ المرَّة الواحدة.
          وفي بعضِ رواياتِ مسلمٍ: «عن الغِيالِ»، وكلُّه وطْءُ المرضعِ، ويقال: أغالَ الرَّجلُ ولدَه، والاسمُ الغَيلُ والإِغَالَةُ والاغتِيَالُ، وعلَّةُ ذلك ما يُخشَى من حملِها فتُرضِعُه كذلك، فهو الذي يَضرُّ به في لحمِه وقوَّتِه.
          وقوله: «ما سُقِيَ... بالغَيْل ففيه العُشر» الغَيلُ بالفتحِ الماءُ الجاري على وجهِ الأرضِ من نهرٍ أو عينٍ، وكذلك الغَلَلُ، قاله أبو عبيدٍ.
          وقيل: «الغِيلةُ» أن يُقتَل في خُفيةٍ وبمخادعةٍ وحيلةٍ.
          وقوله: «ولا غَائِلَة» [خ¦6980]؛ أي: لا خديعةَ ولا حيلةَ، وقال الخَطَّابيُّ: الغائِلةُ في البيعِ كلُّ ما أدَّى إلى تلفِ الحقِّ، وذكرَه بعضُهم في ذواتِ الواوِ، وفسَّرَه قتادةُ: «الزِّنا والسَّرقةُ / والإِباقُ»، والأشبَه عندِي أن يكونَ هذا التَّفسيرُ راجعاً إلى الخِبْثَةِ والغائِلَةِ جميعاً.
          1742- قوله: «إنَّه ليُغانُ على قَلبي»؛ أي: يُلَبَّس ويُغطَّى، قيل: ذلك بسببِ أمَّته، وما أُطْلِعَ عليه من أحوالِها بعدُ حتَّى كانَ يستغفرُ لهم، وقيل: إنَّه لِمَا يَشغَلُه عن النَّظرِ في أمورِ المسلمينَ ومصالِحهم، حتَّى يرى أنَّه قد شُغِل بذلك، وإن كان في أعظمِ طاعةٍ وأشرفِ عبادةٍ عن أرفعِ مقامٍ ممَّا هو فيه وأشرفِ درجةٍ، وفراغِه لتفرُّدِه بربِّه، وصفاءِ وقتِه وخلوصِ همِّه من كلِّ شيءٍ سواه، وإنَّ ذلك غضَّ من حالتِه هذه العليِّة فيستغفرُ الله لذلك.
          وقيل: هو مأخوذٌ من الغَينِ؛ وهو الغيمُ والسَّحابُ الرَّقيقُ الذي يَغشَى السَّماءَ، فكان هذا الشُّغل أو الهمُّ يُغشِّي قلبَه، ويُغطِّيه عن غيرِه حتَّى يستغفرَ الله منه، وقيل: قد يكونُ هذا الغينُ السَّكينةَ التي تَغشَى قلبَه لقوله: {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} [التوبة:40]، واستغفارُه لها إظهارٌ للعبوديَّةِ والافتقارِ، ويَحتمِلُ أن يكونَ حالةً حسنةً، وإعظاماً يَغشَى القلبَ، واستغفارُه شُكْراً لله وملازمةً للعبوديَّةِ، كما قال: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً». [خ¦1130]
          1743- وقوله: «فيما سَقَتِ الأنهارُ والغَيمُ العُشر»، كذا في حديثِ أبي الطَّاهرِ عندَ مسلمٍ؛ ومعناه المطر، والغَيمُ السَّحابُ الرَّقيق.
          قوله: «والسَّماءُ مُغِيمَةٌ»، ويروَى: «مُغَيَّمةٌ»، و«مُغَيِّمةٌ» وكلُّه صَحِيحٌ، وقَد تقدَّمَ: «أَغَامَتِ السَّماءُ»، وغَيَّمت إذا غَشِيها غمامٌ.
          1744- قوله: «لا تَغِيضُها نَفَقَة» [خ¦4684]؛ أي: لا يُنْقِصُها ولا يُقِلُّ عطاؤُها، يقال: غاضَ الشَّيءُ يَغيضُ وغِضتُه أنا، ومنه: {وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} [الرعد:8]؛ أي: تنقصُ من مدَّةِ الحملِ، وقيل: ما تُسقِطه قبلَ تمامِ مدَّتِه.
          1745- وقوله: «فيسيرون تَحتَ ثَمانِينَ غَايةً» [خ¦3176] هي بياءٍ مثنَّاةٍ وهي الرَّايةُ، سُمِّيت بذلك لأنَّها تُنصَبُ؛ أغييتُها إذا نصبتَها، أو لأنَّها تُشبِه السَّحابَ لمسيرِها في الجوِّ، والغَيايةُ السَّحابةُ، وذكرَ بعضُهم أنَّها رُويَت: «غَابَة» / بباءٍ مفردةِ النُّقطَةِ، يَعني الأجمةَ، شبَّه اجتِمَاعَ رماحِهم وكثرتَها بها.
          وفي البقرةِ وآلِ عمرانَ: «كأنَّهما غَيَايَتَان» يعني: سحابتين، والله أعلمُ، وكلُّ ما أظلَّ الإنسانَ كالسَّحابةِ والغَبرةِ فهو غَيايةٌ.
          وقوله: «غَيَايَاء» [خ¦5189] بغينٍ معجمةٍ _إن كانَ هو الصَّحيحُ من الشَّكَّينِ_ فهو بمعنى: طَبَاقاء؛ وهو الذي تُطَبَّق عليه أمورُه، فكأنَّه أيضاً غَطَّت على عقلِه غَيَايةٌ من الجهلِ والحمقِ، فأظلَّته وسترَته فأبطلَته، أو يكونُ من الغِيِّ وهو الانهماكُ في الشَّرِّ، أو من الغَيِّ وهي الخيبةُ، ومنه: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:59]، قيل: خيبةً، وقيل غيرُ هذا.
          وفي حديثِ السِّباقِ ذكرُ «الغاية» [خ¦2869] وهو أمدُ السِّباقِ.
          وقوله: «وكان لِغَيَّةٍ» [خ¦1358]؛ أي: لغيرِ رَشْدَةٍ، وحكَى ابنُ دريدٍ: «لِغِيَّةٍ» بكسرِ الغينِ أيضاً، كما يُقال: لرَِشدَةٍ ولزَِنيةٍ بالفتحِ والكسرِ، وحقُّ هذا أن يكونَ في حرفِ الواوِ.


[1] بفتح الميم وضمها.