مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الغين مع الراء

          الغين مع الرَّاء
          1687- «فاستَحَالت غَرْباً» [خ¦3682]؛ أي: صارَت، وانتقلَت دلواً عظيمةً، وقوله: «وما سُقيَ بالغَرْبِ» يعني: الدَّلوَ.
          وقوله صلعم: [«لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتِي ظَاهرينَ، وهم أهلُ الغَربِ»، و] «لاَ يَزَال أَهْلُ الغَرْبِ» قال يعقوبُ بنُ شيبة عن ابنِ المَدينيِّ: الغَرْبُ هاهنا الدَّلوُ، وأرادَ العربَ؛ لأنَّهم أصحابُها والمُسْتَقونَ بها ليسَت لأحدٍ إلَّا لهم ولأتباعِهم، وقال معاذٌ: هم أهلُ الشَّام، فحمَلَه على غربِ الأرضِ، والشَّامُ غربُ الحجازِ، وقال معاذٌ: هم / أهلُ الشَّام وما وراءَه، وقيل المرادُ فيه: أهلُ الحِدَّةِ والاستبصارِ في الجهادِ، ونصرِ دينِ الله، والغَرْبُ: الحِدَّةُ.
          وقولها: «وأخرُزُ غَرْبَه» [خ¦5224]؛ أي: دلوَه، وأمَّا الغَرْبُ: فهو الماءُ الجارِي بينَ البئرِ والحوضِ.
          وقوله: «هل مِن مُغَرِّبــةِ(1) خَبَرٍ»؛ أي: هل عندَكم خبرٌ عن حادِثٍ يُستغرَبُ، وقيل: معناه هل مِن خبرٍ جديدٍ جاء من بلدٍ بعيدٍ، يقال: غرَّبَ الرَّجلُ إذا بَعُدَ، وقاله صاحبُ «الأفعال» بالتَّخفيفِ، وأغربَ الرَّجلُ أتَى بغريبٍ من قولٍ أو فعلٍ.
          وأمَّا ضبطه؛ فقال أبو عُبيدٍ: يقال: بكسرِ الرَّاءِ وفتحِها، وبالكسرِ رواه شيوخُ «الموطَّأ»، وكذلك روته الكافَّة بفتحِ الغينِ، ورويناه من طريقِ المهلَّبِ بإسكانِها، وحكاه البُونيُّ عن بعضِ الرُّواةِ، وهو من الغربِ الذي هو البعدُ كما تقدَّم، وأمَّا الإغرابُ فعلى الإضافةِ رويناه عن شيوخِنا في «الموطَّأ»، وأنكرَ بعضُهم نصبَ (خبرٍ)، وأجازَه بعضُهم على المفعولِ، من معنى الفعلِ في مغرِّبةِ.
          وقوله: «وتغريبِ عامٍ» [خ¦2649]؛ أي: نفيه عن بلدِه، غرَّبْتُه وأغربْتُه أبعدْتَه.
          و«الإبلُ الغَريبةُ» [خ¦2367] هي التي تدخلُ مع إبلِ الرَّجلِ عندَ السَّقيِ وليسَت منها، فيردُّها عنها حتَّى يسقيَ إبلَه.
          و«الكوكبُ الغارِبُ» [خ¦6556]؛ أي: البعيدُ من رأيِ العينِ، الدَّاني للغروبِ، ومثلُه في الرِّوايةِ الأخرى: «العازِبُ»، وروي: «الغابِرُ» وقد ذكرناه من قبلُ.
          وقوله: «أصابه سهمٌ غَربٌ» [خ¦2809] على النَّعتِ، وبفتحِ الرَّاءِ وسكونِها، قال أبو زيدٍ: فبالفتحِ إذا رمَى شيئاً فأصابَ غيرَه، وسكونِها إذا أتى السَّهمُ من حيثُ لا يدرِي، وقال الكسائيُّ والأصمعيُّ: إنَّما هو سهمُ غَرَبٍ بفتحِ الرَّاءِ مضافٌ؛ الذي لا يُعرَف راميه، فإذا عُرِف فليسَ بغَرَبٍ، قال أبو عبيدٍ: والمحدِّثونَ يسكِّنونَ الرَّاءَ، والفتحُ أجودُ، قال ابنُ سراجٍ: وبالإضافةِ مع فتحِ الرَّاءِ، ولا يضافُ مع سكونِها، ومنه: سهمُ غَرَضٍ بالضَّادِ، وحجرُ غَرَضٍ.
          1688- قوله: «وتُصِبحُ غَرْثَى» [خ¦4146] الغَرَثُ الجوعُ، استعاره هاهنا لكفِّها عن / الغِيبةِ.
          وقولُ الجنَّة: «ما لي لا يَدخُلُني إلا ضُعفاءُ النَّاسِ وغَرَثُهم» كذا في حديثِ عبدِ الرَّزاقِ عندَ كافَّةِ الرُّواةِ(2)؛ هو بمعنى ما تقدَّمه من ضُعفائِهم ومحاويجِهم.
          1689- قوله: «غُرَّةٌ؛ عبدٌ أو أَمَةٌ» [خ¦5759] الغُرَّة النَّسَمَةُ كيفَ كانَت، وأصلُه من غُرَّةِ الوجهِ، وقال أبو عبيدٍ: الغُرَّةُ عبدٌ أو أمَةٌ، وقال غيرُه: الغُرَّةُ عندَ العربِ أَنْفَسُ شيءٍ يُملَك، وكأنَّه قد يكونُ هنا؛ لأنَّ الإنسانَ من أحسنِ الصُّورِ، وقال أبو عمرٍو: معناها الأبيضُ، ولذلك سُمِّيت غُرَّةً، فلا يوجدُ فيها أسودُ، قال: ولولا أنَّ رسولَ الله صلعم أرادَ بالغُرَّةِ معنًى زائداً على شخصِ العبدِ والأَمَةِ لما ذَكَرَها، ولقال: عبدٌ أو أمةٌ.
          وقيل: أرادَ بالغُرَّةِ الخِيارَ منهم، وضبطناه على غيرِ واحدٍ: «غُرَّةٌ» بالتَّنوينِ على بدلِ ما بعدَها منها، ولكنَّ المحدِّثينَ يروونَه على الإضافةِ، والأوَّلُ الصَّوابُ؛ لأنَّه تَبيِينُ الغرَّةِ ما هي.
          وقوله: «أنتم الغُرُّ المحجَّلون» [خ¦4/3-237]، و«من استطاعَ منكم أن يطيلَ غُرَّته فليفعلْ» [خ¦136] الغُرَّة بياضٌ في وجهِ الفرسِ، والحُجلَةُ في قوائمِه، يريدُ أنَّ سِيماءَ أمَّته في القيامةِ في وجوهِها، وفي مواضعَ وضوئِها، إمَّا نورٌ يشرقُ، أو بياضٌ يُتبيَّنُ به جماعتُهم من بينِ سائرِ النَّاسِ، أو ما الله أعلمُ به.
          وقوله: «تَغِرَّةً أن يُقتَلا» [خ¦6830]؛ أي: حذاراً، وتغريراً؛ أي: مخاطرةً لئلَّا يُقتلا، وهي مصدرٌ منصوبةٌ على المفعولِ من أجلِه، أو له، قاله الأزهريُّ، وقال الخليلُ: غرَّرَ فلانٌ بنفسِه؛ عرَّضَها للمكروهِ وهو لا يدرِي، تغريراً وتَغِرَّةً، وقال بعضُهم: معنى قوله: «تَغِرَّةً أن يُقتَلا»؛ أي: عقوبتُهما، وهذا بعيدٌ من جهةِ اللُّغةِ والمعنَى.
          وقوله: «أَغَارَ عليهم وهُم غَارُّون» [خ¦2541]؛ أي: غافِلون، والغِرُّ بالكسرِ، و«الغَريرُ» الغافلُ الذي لا علمَ عندَه بالأمورِ، بيِّنُ الغَرارةِ، والاسم: الغِرَّةُ، والغَرير أيضاً الكَفيلُ، وأنا غريرك من فلانٍ؛ أي: كفيلُك، وغريركُ منه؛ أي: أحذِّرك.
          وقوله: «لأن أغترَّ / بهذِه الآيةِ ولا أقاتلُ _يعني: قولَه {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} الآية [الحجرات:9]_ أحبُّ إليَّ من أن أغترَّ بهذِه الآيةِ {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} [النساء:93[خ¦4560]؛ أي: أخاطرَ بتركي مقتضَى الأمرِ بها، أحبُّ إليَّ من أن أخاطرَ بالدُّخولِ تحتَ خطرِ وعيدِ الآيةِ الأخرَى، والغَرَرُ المخاطرةُ، ومنه «عَشِّ ولا تغترَّ».
          و«بيعُ الغَرَر» بيعُ المخاطرةِ، وهو الجهلُ بالثَّمنِ أو المثمونِ، أو سلامتِه أو أجلِه.
          وقوله: «لا يغرَّنَّكِ أن كانَت جارتُكِ أوضَأَ منكِ» [خ¦2468]؛ أي: لا تغترِّ بها وبحالها عندَه، وإدلالِها عليه؛ لحبِّه لها، فتفعلُ مثلَ ما تفعلُ فيقعُ في الغررِ والمخاطرةِ؛ أو لا تُعرِّضي نفسك للمكروه ويوقعكِ فيه اقتداؤكِ بما تفعلُه هيَ لإدلالِها بمكانتِها، وإن كانَت في موضعِ الفاعل.
          وقوله: «بإبلٍ غُرِّ الذُّرى» [خ¦3133]؛ أي: بيضِ الأعالي، وأرادَ أنَّها بيضٌ، فعبَّر ببياضِ أعالِيها عن جُملتِها، ومثلُه قوله: «وأنتَ الجفنَةُ الغرَّاءُ»؛ أي: البيضاءُ من الشَّحم، أو بياضُ البُرِّ، كما قال: الثَّريدُ الأعفرُ؛ أي: الأبيضُ.
          1690- قوله: «غَــرزُ النَّقيعِ» بفتحِ العينِ والرَّاءِ ضبطناه على ابنِ سراجٍ، وحكى صاحبُ «العينِ» بسكونِ الرَّاءِ، وبالوجهينِ وجدتُه في أصلِ الجَيَّانيِّ من كتابِ الخَطَّابيِّ، قال الخليلُ: وواحدتُه غَرْزَةٌ، مثلُ تمرةٍ، قال أبو حنيفةَ: هو نباتٌ ذو أغصانٍ رقاقٍ حديدُ الأطرافِ، ويُسمَّى الأَسَلُ، وتسمَّى به الرِّماحُ وتُشبَّه به، وهو الدِّيسُ، وقال صاحبُ «العينِ»: هو نوعٌ من الثُّمام، وتقدَّم تفسيرُ «النَّقيعِ».
          [وقوله: «ورجلُه في الغَرْزِ» [خ¦2865] هو للرَّحلِ كالرِّكابِ للسَّرجِ.
          وقوله: «استمسَك بغَرزِه» [خ¦2731] [خ¦2732] منه؛ وهو ضرْبُ مَثَلٍ واستعارةٌ؛ لملازمتِه واتِّباعِه، كمن يتمسَّك بغرزِ رَحْلِ الآخرِ]
.
          وقوله: «غرائزُ يَضَعُها الله» الغَرِيزةُ الجِبِلَّةُ والطَّبيعةُ التي يُخلق عليها العبدُ من غيرِ اكتسابٍ.
          وقوله: «أن يَغرِز خَشَبةً» [خ¦2463]؛ أي: يُدخِل طرفَها فيه.
          1691- وقوله: «غُرْلاً» [خ¦3349]؛ أي: غيرَ مختونينَ، الواحدُ أغرلٌ.
          1692- وقوله: «أعوذُ بكَ من... المغْرَم» [خ¦832] هو الدَّينُ، وهو الغُرمُ، وأصلُه / الُّلزومُ، والغريمُ من له الدَّينُ، ومن عليه الدَّينُ، والذي استعاذَ منه صلعم هو ما استُدينَ فيما يكرهُه الله تعالى، أو فيما يجوزُ ثمَّ عجزَ عن أدائِه، أو مَغْرَمٍ لربِّه عجزَ عن القيام به، وإمَّا دينٌ احتاجَ إليه وهو قادرٌ على أدائِه فلا يكرهُه بل قد تداينَ هو صلعم وأصحابُه.
          1693- وقوله: «فتكونُ أصولُ السِّلقِ غَرْفَة»(3).
          وفي رواية: «فصارَت عرفة»؛ أي: مرقاً يغرفُ، وقد تقدَّم.
          وقوله: «من غَرْفَةٍ واحِدَةٍ» [خ¦199] بضمِّ الغينِ اسمُ ما اغتُرفَ، والفتحُ الفعلُ، وقيل: هما بمعنًى، قال يعقوبُ: الغَرفُ مصدرُ غَرَفتُ الماءَ والمَرَقَ، وقيل: الغُرْفَةُ ملءُ اليدِ، والغَرفةُ المرَّةُ الواحدةُ.
          1694- قوله: «الغَرِقُ شهيدٌ» [خ¦2829] وقعَ في البُخاريِّ: «الغَرِيقُ» [خ¦653] بالياءِ، وكلاهُما صحيحٌ، يقال لمن غَرِق: غَرِقٌ، فإذا ماتَ غَرَقاً فهو غريقٌ، وقال أبو عدنانَ: يقال لمن غلبَه الماءُ ولمَّا يغرَقْ بعدُ غَرِقٌ، فإذا غَرِقَ فهو غَريقٌ، ومنه: «أدعُوك دعَاءَ الغَرِقِ»؛ أي: الذي يخشَى الغَرَقَ ويتوقَّعُه.
          وقوله: «اغرَورَقَت عَينَاه» [خ¦6939]؛ أي: امتلئَت بالدُّموعِ ولم تَفِض.
          وقوله: «إلَّا الغَرْقَد فإنَّه من شَجَرِهم» قال الهَرويُّ: هي من العِضَاهِ، وقال غيرُه: هو العوسجُ، وقال أبو حنيفةَ: واحدُ الغَرقدِ غَرقَدَةٌ، وهي العوسجةُ إذا عَظُمَت صارَت غَرقَدَةٌ، وقيل: هو غيرُ العوسجِ، وله ثمرٌ أحمرُ حلوٌ يؤكلُ، كأنَّه حبُّ العقيقِ، ورأيتُ في بعضِ حواشي كتابِ البُخاريِّ عن بعضِ رواتِه: أنَّه الدِّفْلَى، وليسَ بشيءٍ.
          وسمِّيَ «بَقِيع الغَرقَدِ» [خ¦1362] بشجراتِ غرقدٍ كانت فيه قديماً.
          1695- وقوله: «لا تتَّخذوا... الرُّوح غَرَضاً» هو الشَّيءُ الذي يُنصَب ليُرمَى؛ أي: لا تنصبُوا ما فيه الرُّوحَ لترموهُ.
          وقوله: «فَيضرِبُه بالسَّيفِ فيقطَعُه جَزْلَتين رَميةَ الغَرَضِ» قيل: هو أن يجعلَ بينَ القِطعتينِ مقدارَ رميَةِ غَرَضٍ، والذي عندِي أنَّ معناه وصف الضَّربةِ؛ أي: فيصيبُه إصابةَ رَميَةِ الغَرَضِ / فيقطعُه جَزْلتَين.
          1696- وقوله: «وأُغْرُوا بي» [خ¦2781]؛ أي: أُولعُوا بي مستضعِفينَ لي، ولا يقال: أُغريَ بي إلَّا في مثلِ هذا، وهو مبنيُّ على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، ويقال: غَرِيَ به وأَغريتُه به سلَّطتُه عليه.


[1] ضبطت في الأصول بضبطين المثبت و: مُغَرَّبـةِ.
[2] قال النَّووي في «شرحه»: رُوِي على ثلاثة أوجه، وهي موجودةٌ في النُّسخ: «غَرَثهم» وهي رواية الأكثر، و«عجزتهم»، و«غِرَّتهم»، وهذا هو الأشهر في نُسخِ بلادنا.
[3] يأتي الكلام عليه في فصل الاختلاف.