الجمع بين الصحيحين لابن الخراط

حديث: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين

          3981- البُخارِيُّ: عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُما يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَينا يَوْمٌ إلَّا يَأْتِينا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلعم طَرَفَيِ النَّهارِ: بُكْرَةً(1) وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهاجِرًا(2) [إلى](3) نَحْوِ أَرْضِ الحَبَشَةِ، حَتَّى إذا بَلَغَ بَرْكَ الغِمادِ؛ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ القارَةِ، فَقالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يا أَبا بَكْرٍ؟ فَقالَ أَبُو بَكْرٍ [☺] (4) : أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، فقالَ(5) ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يا أَبا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ وَلا يُخْرَجُ، إِنِّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ(6) ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلى نَوائِبِ الحَقِّ، فَأَنا لَكَ جارٌ، ارْجِعْ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقالَ لَهُم: إِنَّ أَبا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلى نَوائِبِ الحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ(7) قُرَيْشٌ بِجِوارِ(8) ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقالُوا لابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيها وَلْيَقْرَأْ ما شاءَ، وَلا يُؤْذِينا بِذَلِكَ وَلا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِساءَنا وَأَبْناءَنا، فَقالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ(9) ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دارِهِ وَلا يَسْتَعْلِنُ بِصلاتِهِ وَلا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دارِهِ، / ثُمَّ بَدا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِناءِ دارِهِ، فَكانَ (10) يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ (11) عليه نِساءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْناؤُهُم يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيهِ، وَكانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذا قَرَأَ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقالُوا: إنَّا كُنَّا أَجَرْنا أَبا بَكْرٍ بِجِوارِكَ (12) عَلى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دارِهِ، فَقَدْ جاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنى مَسْجِدًا بِفِناءِ دارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلاةِ وَالقِراءَةِ فِيهِ، وَإنَّا قَدْ خَشِينا أَنْ يَفْتِنَ نِساءَنا وَأَبْناءَنا (13) ، فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دارِهِ؛ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ (14) ؛ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنّا قَدْ كَرِهْنا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنا (15) مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاسْتِعْلانَ، قالَتْ عائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلى أَبِي بَكْرٍ [☺](16) ، فَقالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عاقَدْتُ لَكَ عَلَيهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوارَكَ وَأَرْضَى (17) بِجِوارِ اللهِ تَعالى، وَالنَّبيُّ صلعم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقالَ النَّبيُّ صلعم لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي أُرِيتُ دارَ هِجْرَتِكُمْ ذاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ»، وَهُما الحَرَّتانِ فَهَاجَرَ مَنْ هاجَرَ إِلى المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عامَّةُ مَنْ كانَ هاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ [☺](18) قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم: «عَلى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي»، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ (19) تَرْجُو (20) ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قالَ: «نَعَمْ»، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلى رَسُولِ اللهِ صلعم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ راحِلَتَيْنِ كانَتا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهُوَ الخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، قالَ ابْنُ شِهابٍ: قالَ عُرْوَةُ: قالَتْ عائِشَةُ: فَبَيْنَما نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قالَ قائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذا رَسُولُ اللهِ صلعم مُتَقَنِّعًا فِي ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينا فِيها، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: فِداءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللهِ، ما جاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قالَتْ: فَجاءَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقالَ النَّبيُّ صلعم لأَبِي بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ»، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّما هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ، يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: «فَإنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ»، قالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحابَةُ بِأَبِي أَنْتَ، يا رَسُولَ اللهِ، قالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: «نَعَمْ»، قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يا رَسُولَ اللهِ إِحْدى راحِلَتَيَّ هاتَيْنِ، قالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: «بِالثَّمَنِ»، قالَتْ عائِشَةُ: فَجَهَّزْناهُما أَحَثَّ (21) الجِهازِ، وَصَنَعْنا (22) لَهُما سُفْرَةً فِي جِرابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ / قِطْعَةً مِنْ نِطاقِها فَرَبَطَتْ بِهِ عَلى فَمِ الجِرابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ (23) : ذاتَ النِّطاقَيْنِ، قالَتْ (24) : ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ صلعم [وَأَبُو بَكْرٍ] (25) بِغارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَمَكَثا فِيهِ ثَلاثَ لَيْالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُما عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلامٌ شابٌ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِما بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبائِتٍ، فَلا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادانِ (26) بِهِ إِلَّا وَعاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُما بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ (27) يَخْتَلِطُ الظَّلامُ، وَيَرْعى عَلَيْهِما عامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُها [عَلَيْهِما] (28) حِينَ تَذْهَبُ ساعَةٌ مِنَ العِشاءِ، فَيَبِيتانِ فِي رِسْلٍ وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِما وَرَضِيفِهِما (29) حَتَّى يَنْعِقَ بِهِما عامِرٌ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيالِي الثَّلاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ عَدِيٍّ هادِيًا خِرِّيتًا_وَالخِرِّيتُ (30) : الماهِرُ بِالهِدايَةِ_ قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ العاصِ (31) بْنِ وائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِناهُ فَدَفَعا إِلَيْهِ راحِلَتَيْهِما (32) ، وَواعَداهُ غارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيالٍ (33) بِراحِلَتَيْهِما (34) صُبْحَ ثَلاثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُما عامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ (35) وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّاحِلِ.
          قالَ ابْنُ شِهابٍ (36) : [فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مالِكٍ المُدْلِجِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُراقَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَباهُ أَخْبَرَهُ] (37) [أَنَّهُ سَمِعَ] (38) سُراقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ (39) : جاءَنا رُسُلُ (40) كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللهِ صلعم وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُما لِمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَما أَنا جالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ؛ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُم حَتَّى قامَ عَلَيْنا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقالَ: يا سُراقَةُ (41) ؛ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُراها مُحَمَّدًا (42) وَأَصْحابَهُ، قالَ سُراقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُم هُمْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُم لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلانًا وَفُلانًا (43) انْطَلَقا بِأَعْيُنِنا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي المَجْلِسِ ساعَةً، ثُمَّ قُمْتُ، فَدَخَلْتُ، فَأَمَرْتُ جارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَراءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَها عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ البَيْتِ فَخَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ وَخَفَضْتُ عالِيَهُ، حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُها، فَرَفَعْتُها تُقَرِّبُ (44) بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُم، وَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْها، فَقُمْتُ، فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلى كِنانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْها الأَزْلامَ فَاسْتَقْسَمْتُ [بِها] (45) أَضُرُّهُم أَمْ لا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الأَزْلامَ تُقَرِّبُ (46) بِي حَتَّى [إِذا] (47) سَمِعْتُ قِراءَةَ رَسُولِ اللهِ صلعم وَهُوَ لا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الالْتِفاتَ، ساخَتْ يَدا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْها، ثُمَّ زَجَرْتُها فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ (48) تُخْرِجُ يَدَيْها، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قائِمَةً إِذا (49) لأَثَرِ يَدَيْها غُبارٌ ساطِعٌ فِي السَّماءِ مِثْلُ الدُّخانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، / فَنَادَيْتُهُم بِالأَمانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُم، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ ما لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهُم أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللهِ صلعم، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُم أَخْبارَ ما يُرِيدُ النَّاسُ بِهِم، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالمَتاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي (50) ، وَلَمْ يَسْأَلانِي (51) ، إِلَّا أَن قالَ (52) : «أَخْفِ عَنَّا»، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتابَ (53) أَمْنٍ، فَأَمَرَ عامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ، ثُمَّ مَضى رَسُولُ اللهِ صلعم، قالَ ابْنُ شِهابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ المُسْلِمِينَ كانُوا تِجَارًا قافِلِينَ مِنَ الشَّامِ، فَكَسا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللهِ صلعم وَأَبا بَكْرٍ ثِيابَ بَياضٍ، وَسَمِعَ المُسْلِمُونَ بِالمَدِينَةِ بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللهِ صلعم مِنْ مَكَّةَ، فَكانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَداةٍ إِلى الحَرَّةِ، فَيَنْتَظِرُونَهُم حَتَّى يَرُدَّهُم حَرُّ (54) الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَما أَطالُوا انْتِظارَهُم، فَلَمَّا أَوَوا إِلى بُيُوتِهِم أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ (55) عَلى أُطُمٍ مِنْ آطامِهِم لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللهِ صلعم وَأَصْحابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ اليَهُودِيُّ أَنْ قالَ بِأَعْلى صَوْتِهِ: يا مَعْشَرَ العَرَب، هَذا جَدُّكُمُ (56) الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثارَ (57) المُسْلِمُونَ إِلى السَّلاحِ، فَتَلَقَّوا رَسُولَ اللهِ صلعم بِظَهْرِ الحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذاتَ اليَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ (58) صلعم صامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جاءَ مِنَ الأَنْصارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللهِ صلعم نَحوَ (59) أَبا بَكْرٍ، حَتَّى أَصابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللهِ صلعم، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيهِ بِرِدائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صلعم عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ صلعم فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلعم، ثُمَّ رَكِبَ راحِلَتَهُ، فَسارَ (60) يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ بِالمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَكانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ (61) بْنِ زُرارَةَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلعم حِينَ بَرَكَتْ بِهِ راحِلَتُهُ: «هَذا إِنْ شاءَ اللهُ المَنْزِلُ»، ثُمَّ دَعا رَسُولُ اللهِ صلعم الغُلامَيْنِ (62) فَساوَمَهُما بِالمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقالا: لا، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يا رَسُولَ اللهِ (63) ، فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صلعم أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُما هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُما، ثُمَّ بَناهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَنْقُلُ مَعَهُمُ / اللَّبِنَ فِي بُنْيانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ: «هَذا الحِمالُ لا حِمالَ خَيْبَرْ هَذا أَبَرُّ رَبَّنا وَأَطْهَرْ»
          وَيَقُولُ:
«اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ                     فَارْحَمِ الأَنْصارَ وَالمُهاجِرَهْ»
          فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ لِمْ يُسَمَّ لِي، قالَ ابْنُ شِهابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنا فِي الأَحادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تامٍّ غَيْرَ هَذِهِ الأَبْياتِ. [خ¦3905]
          وَخَرَّجَ مِنْهُ طَرَفًا فِي كِتابِ البُيُوعِ [خ¦2138] ، وَقالَ فِيهِ: [قال] (64) : «أَخْرِجْ مَا (65) عِنْدَكَ»، قالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّما هُما ابْنَتاي؛ يَعْنِي عائِشَةَ وَأَسْماءَ، وَقالَ: إِنَّ عِنْدِي ناقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُما لِلخُرُوجِ فَخُذْ إِحْدَاهما.


[1] في (أ): (وبكرة).
[2] في (ص): (مهاجر).
[3] سقط من (أ) و(ت) و(م).
[4] زيادة من (ق).
[5] في غير (ص) و(ق): (قال).
[6] في حاشية (أ): (المعدم).
[7] في (ص): (يكذب).
[8] في (أ): (بجواز).
[9] زيد في (ت) و(م): (فلبث أبو لأبي بكر) ولعله تكرار.
[10] في (أ) و(ت) و(م): (وكان).
[11] في (ص): (فيندفق).
[12] في (أ): (بجوازك).
[13] في (ك): (وأبنا).
[14] في (أ) و(ت): (ذلك).
[15] في (أ): (فلسنا).
[16] زيادة من (ق).
[17] في (ك): (وأرض).
[18] زيادة من (ق).
[19] في (أ) و(ت) و(م): (فهل).
[20] في (ص): (ترجُ).
[21] في (أ) و(ق): (أحب).
[22] في (ق): (وصنعا).
[23] في (ص): (سُمَّت).
[24] في (ص): (قال).
[25] سقط من (ص).
[26] في (ص): (يكيدان)، وفي (ك): (بكيادان).
[27] في (ص) و(ق): (حتى).
[28] سقط من (ص) و(ق).
[29] في غير (م) والمطبوع: (ورضيعهما).
[30] في (أ) و(ت): (جربيا والجرب).
[31] في (أ): (العاصي).
[32] في غير (أ) و(م): (راحلتهما).
[33] زيد في (أ): (فأتاهما).
[34] في (أ) و(ت) و(ق): (براحلتهما).
[35] في (ك): (فهرة).
[36] زيد في (أ): (قال).
[37] سقط من (ص) و(ق) و(ك) و(م).
[38] سقط من (ص) و(ق) و(م).
[39] في (ص) و(ق) و(ك): (قال سراقة بن جعشم).
[40] في (أ): (رسيل)، وفي الحاشية عن نسخة أخرى: (رسل).
[41] في (ك): (يا أبا سراقة).
[42] في (ك): (محمد).
[43] في (ص): (فلان وفلان).
[44] في (ص): (بقرب).
[45] سقط من (ق).
[46] في (ص) و(ك): (بقرب).
[47] سقط من (أ) و(ت).
[48] في (ص) و(ك): (تكن)، وكتب فوقها (كذا).
[49] في (ك): (إذ).
[50] في (أ) و(ت): (يذرآني) وزيد في (أ): (شيئًا).
[51] في (ك): (يسألني).
[52] في (ص) وحاشية (أ) عن نسخة أخرى: (قالا).
[53] في (أ): (كتابًا).
[54] في (ص): (تردهم حرَّ).
[55] في (أ) و(ت): (اليهود).
[56] في (ك): (جاكم).
[57] في (ق): (ثار).
[58] في (ص): (النبي).
[59] في (ت) و(م): (يحيي).
[60] في (م): (فصار).
[61] في (أ) و(ت): (سعد).
[62] في (أ): (بالغلامين).
[63] زيد في (ت) و(م): (صلعم).
[64] زيادة من (ص) و(ق).
[65] في (أ) و(ت) و(م): (من).