غاية التوضيح

حديث: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

          3650- قولُهُ: (جَمْرَةَ) بفتح الجيم وسكون الميم، و(زَهْدَمَ) بفتح الزَّاي وسكون الهاء، و(مُضَرِّبٍ) اسم فاعلٍ، من التَّفعيل، و(حُصَيْنٍ) مُصغَّرٌ.
          قولُهُ: (قَرْنِي) والمُراد بهم ههنا الصَّحابةُ، والحديث صريحٌ في أنَّ الصَّحابةَ أفضلُ من كان في جملة الصَّحابة؛ لما رُوِيَ في «مُسنَد أبي داودَ» عن مُحمَّد بن أبي حُمَيْدٍ، عن زيد بن أسلمَ، عن أبيه، عن عمر ☺ قال: كنتُ جالسًا عند النَّبيِّ صلعم ، فقال: «أتدرون أيُّ الخلق أفضلُ إيمانًا؟» قلنا: الملائكة، قال: «وحُقَّ لهم، بل غيرهم»، قلنا: الأنبياء، قال: «وحُقَّ لهم، بل غيرهم»، ثمَّ قال صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم: «أفضلُ الخلقِ إيمانًا قومٌ في أصلاب الرِّجال يؤمنون بي ولم يرَوني، فهم أفضل الخلق إيمانًا»، والحقُّ ما عليه الجمهور؛ لأنَّ الصَّحابةَ لا يعدلها شيءٌ، وحديث: «وللعاملِ منهم أجرُ خمسين منكم» لا دلالةَ فيه على أفضليَّة غير الصَّحابة؛ لأنَّ مُجرَّدَ زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضليَّة المُطلَقة، وإسناد أبي داودَ ضعيفٌ / فلا حجَّةَ فيه، والذي يظهر أنَّ محلَّ النِّزاع يتمحَّض فيمن لم يحصل له إلَّا مُجرَّد المُشاهَدة، لا من قاتل معه، أو في زمانه، أو أنفق شيئًا من ماله بسببه، أو سبق إليه بالهجرة أو النُّصرة، فإنَّه لا يعدل في الفضل أحدٌ بعده كائنًا من كان؛ كذا في «القسطلانيِّ»، وقال المُحقِّق التَّفتازانيُّ في «التَّلويح»: فإن قيل: وقد قال ╕: «خيرُ القرون الذي أنا فيه، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم»، فكيف التَّوفيق بينه وبين قوله ◙: «مَثَلُ أمَّتي مَثَلُ المطر، لا يُدرى أوَّلُه خيرٌ أم آخرُه» رواه التِّرمذيُّ؛ قلنا: الخيريَّة تختلف بالإضافات والاعتبارات، فالقرون السَّابقة خيرٌ لشرف قرب العهد بالنَّبيِّ صلعم ، ولزوم سيرة العدل والصِّدق واجتناب المعاصي، ونحو ذلك على ما أشار إليه قولُهُ ╕: «ثمَّ يفشو الكذب»، وأمَّا باعتبار كثير الثَّواب ونيل الدَّرجات في الآخرة؛ فلا يُدرى أنَّ الأوَّل خيرٌ؛ لكثرة طاعته وأقلَّ معصيةً أمِ الآخر؛ لإيمانه بالغيب طوعًا ورغبةً مع انقضاء زمن مُشاهَدة آثار الوحي وظهور المعجزات وبالتزامه طريق السُّنَّة مع فساد الزَّمان، انتهى
          قولُهُ: (يَشْهَدُونَ) أي: يتحمَّلون [الشَّهادة] من غير تحميلٍ، أو يؤدُّونها من غير طلب الأداء.
          قولُهُ: (السِّمَنُ) بكسر المُهمَلة وفتح الميم؛ أي: يعظم حرصُهم على الدُّنيا والتَّمتُّع بلذَّاتها حتَّى تسمن أجسادهم، قالوا: المذمومُ ما يستكسبه، وأمَّا الخَلْقيُّ؛ فلا.