غاية التوضيح

حديث: قرأ النبي النجم بمكة فسجد فيها

          1067- قولُهُ: (غُنْدَر) بضمِّ المعجمةِ.
          قولُهُ: (وَسَجَدَ مَعَهُ) قالَ في «المقاصدِ»: (أي: من المسلمين، والمشركين، والجنِّ، والإنسِ؛ كما يجيءُ في روايةِ ابنِ عبَّاسٍ ╦ ، قالَ القاضي عياض: كان سببُ سجودِهم فيما قالَ ابنُ مسعودٍ: إنَّها اوِّلُ سجدةٍ نزلَتْ، وما يرويه الإخباريُّون والمفسِّرونَ أنَّ سببَ ذلكَ ما جرى على لسانِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبهِ وسلَّمَ من الثَّناءِ على آلهةِ المشركين في «سورةِ النَّجم»؛ فباطلٌ لا يصحُّ فيهِ شيءٌ، لا من جهةِ النَّقلِ؛ لأنَّ مدحَ إلهٍ غير اللهِ كفرٌ، ولا يصحُّ نسبةُ ذلكَ إلى لسانِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبه وسلَّم، ولا أن يقولَ الشيطانُ على لسانِهِ، ولا يصحُّ تسليطُ الشَّيطانِ على ذلك، قالَ في «الكاشفِ»: لعلَّ هذه السَّجدةَ إنَّما سجدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآله وصحبه وسلَّم؛ لما وصفَه اللهُ تعالى في مفتتحِ السورةِ / من أنَّه لا ينطقُ عن الهوى، وذكرَ بيانَ قربِهِ من اللهِ تعالى، وأراهُ من آياتِ ربِّهِ الكبرى، وأنَّه ما زاغَ البصرُ وما طغى؛ شكرًا للهِ تعالى على تلكَ النِّعمةِ العظمى، والمشرِكونَ لمَّا سمعوا أسماءَ طواغيتِهم؛ اللَّاتَ، والعزَّى، ومناة الأخرى؛ سجدوا معَهُ، وما يروى من أنَّهم سجدوا لمَّا مدحَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبهِ وسلَّم أباطيلَهم بقولِهِ: تلكَ الغرانيقُ العلى وإنَّ شفاعتَهنَّ لتُرتَجى؛ فقولٌ باطلٌ، وأنَّى يُتصوَّرُ ذلكَ؟! أم كيفَ يدخلُ هذا بين قولِهِ: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4])، وبينَ قولِهِ: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُون إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} [النَّجم:23]، وروي الإمامُ في تفسيرِهِ عن محمَّد بن إسحاق ابن خزيمةَ أنَّهُ سئلَ عن هذهِ القصَّةِ، قالَ: إنَّها من وضعِ الزَّنادقةِ، وصنَّفَ فيهِ كتابًا) إلى هنا كلامُ «المقاصدِ».
          وفي «الكرمانيِّ»: أقولُ ما قالَ القاضي عياض: هو لا الحق الصَّواب، وفي «تفسيرِ البيضاويِّ»: وقيلَ: إلقاءُ الشَّيطانِ في أُمنيَّتِهِ؛ أي: قرآنِهِ؛ إن تكلَّمَ بذلكَ رافعًا صوتَهُ، بحيثُ ظنَّ السَّامعون أنَّهُ من قراءةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّم، وقد رُدَّ بأنَّهُ أيضًا يخلُّ بالوثوقِ على القرآنِ، ولا يندفعُ بقولِهِ: {فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ} [الحج:52]؛ لأنَّه أيضًا يحتمل انتهى.
          قولُهُ: (فَسَجَدَ فيها) أي: في آخرِها.
          قولُهُ: (غَيْرَ شَيْخٍ) هو أميَّةُ بنُ خلفٍ على الأصحِّ، قُتِلَ يومَ بدرٍ كافرًا، وفي «المقاصدِ»: (في قولِهِ: (فرأيتُه بعد قُتِلَ كافرًا) إشارةٌ إلى أنَّ من سجدَ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وصحبه وسلَّم من المشركين قدْ أسلموا)، وفي «القسطلانيِّ»:
          (فإن قلت: لمَ بدأ المؤلِّفُ بـ«النَّجم»؟
          أجيب: لأنَّها أوَّلُ سورةٍ أُنزلت فيها سجدةٌ، واعتُرِضَ بأنَّ الإجماعَ أنَّ «سورة اقرأ» أوَّل ما نزل
          وأجيب: بأنَّ السَّابق من «اقرأ» أوائلها، وأمَّا ما يتبعُها؛ بعدَ ذلكَ).