كفاية القاري في شرح ثلاثيات البخاري

حديث سلمة: أمر النبي رجلاً من أسلم أن أذن في الناس

          الحديثُ السادسُ:
          من ثلاثياتِ البخاريِّ، وقد أوردهُ في «بابِ صيامِ عاشوراءَ» في آخرِ كتابِ الصومِ، فقالَ: (حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) ابن بِشْرٍ الحنفيُّ، قالَ (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ) الأسلميِّ، مولى سلمةَ بن الأكوعِ، وسقطَ لغيرِ أبي ذرٍّ لفظُ: ابنُ أَبِي عُبَيْدٍ (عَنْ سَلَمَةَ) صاحبُ رسول الله صلعم (ابْنِ الأَكْوَعٍ) هو ابن عمرِو بن الأكوعِ، واسمُ الأكوعِ سنانُ بن عبدِ اللهِ (☺، قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلعم / رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ) هو بلفظِ أفعلَ التفضيلُ، قبيلةٌ من قبائلِ العربِ، واسمُ الرجلِ هندُ بن أسماءَ بن حارثةَ الأسلميُّ (أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: أَنَّ مَنْ كان أَكَلَ فَلْيَصُمْ) أي فليُمسكْ (بَقِيَّةَ يَوْمِهِ) حرمةً لليومِ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ) استُدِلَّ به على أن من تعيَّنَ عليه صومُ يومٍ، ولم ينوهِ ليلًا أنه يُجزئهُ نِيَّتُهُ نهارًا، وهذا بناءً على أن عاشورًا كانَ واجبًا، وقد سبقَ بيانُهُ مُفَصَّلًا فراجِعْهُ، وإنما أعادَهُ البخاريُّ ⌂لتغييرٍ في الإسنادِ والمتنِ، ففيه زيادةُ فائدةٍ، فلا يكونُ مُكررًا، وقد بقي ممَّا يتعلقُ بالحديثِ أمورٌ لم نذكرها في الحديثِ السابق، فلنذكُرُهَا هَاهُنَا تَتْمِيْمًا للفائدةِ
          فصلٌ: في بيان لفظِ عاشوراءَ وتاسوعاءَ، وتعيينُ وقتِهِمَا:
          قال في ((القاموسِ)): العَاشُوْرَاءُ أو العَشُوْرَاءُ، ويُقصرانِ، والعَاشوراءُ: عاشرُ(1) المحرمِ أو تاسِعُهُ. انتهى.
          قال القَسْطَلانِيُّ: والأولُ قولُ الخليلِ، والاشتقاقُ يدلُّ عليهِ، وهو مذهبُ جمهورِ العُلماءِ من الصحابةِ ومن بعدَهم.
          قالَ في ((الفتحِ)): عاشوراءُ بالمدِّ على المشهورِ، وحُكِيَ فيه القصرُ، وزعمَ ابنُ دُرَيْدٍ أنه اسمٌ(2) إسلاميُّ، وأنهُ لا يُعرفُ في الجاهليةِ، وردَّ ذلكَ عليه ابن دِحْيَةَ بأنَّ ابنَ الأعرابيِّ حكى أنه سمعَ في كلامِهم خابوراءَ وبقولِ عائشةَ: «إِنَّ أَهْلَ الجَّاهِلَيَّةَ كَانُوْا يَصُوْمُوْنَه»، انتهى.
          وهذا الأخيرُ(3) لا دلالةَ فيه على ردِّ ما قالَ ابن دُرَيْدٍ.
          واختلفَ أهلُ الشَّرعِ في تعييِّنِهِ: فقال الأكثرُ: هو اليومُ العاشرُ، قال القُرطبيُّ: عاشوراءَ معدولٌ عن عاشرٍ، للمبالغةِ والتَّعظيمِ، وهو في الأصلِ صفةٌ لليلةِ العاشرةِ لأنه مأخوذٌ من العُشْرِ الذي هو اسمُ العقدِ واليومِ / مضافٌ إليها، فإذا قيلَ: يومُ عاشوراءَ فكأنهُ قيل يومُ الليلةِ العاشرةِ، إلا أنَّهم لمَّا عَدَلُوْا بهِ عن الصفة غلبَتْ عليهِ الإسميةُ، فاستغنوا(4) عن الموصوفِ فحذفوا الليلةَ، فصارَ هذا اللفظُ علمًا على اليومِ العاشرِ.
          وذكر أبو منصورٍ الجَوَالِيْقِيُّ أنَّه لم يَسْمَعْ فَاعُولَاءَ إلا هذا، وَضَارُّوْرَاءُ وَسَارُوْرَاءُ وَدَالُولَاءُ مِنَ الضَّارِّ وَالسَّارِّ وَالدَّالِّ.
          قالَ الزَّينُ ابنُ المُنَيِّرِ: الأكثرُ(5) على أنَّ عاشوراءَ هو اليومُ العاشرُ من شهرِ اللهِ المحرَّمِ، وهو مُقتضى الاشتقاقِ والتَّسميةِ، وقيلَ هو اليومُ التاسعُ، فعلى الأوَّلِ فاليومُ مضافٌ إلى الليلةِ الماضيةِ، وعلى الثَّانِية هو مضافٌ إلى الليلةِ الآتيةِ، وقيلَ إنَّما سُمِّيَ يومُ التاسعِ عاشوراءَ أخذًا من أورادِ الإبلِ [كانوا إذا رعوا الإبل] ثمانيةَ أيامٍ، ثم أَوْرَدُوْهَا في التاسعِ، قالوا: وَرَدَنَا عِشْرًا، بكسرِ العينِ، وكذلكَ إلى الثالثة، وروى مسلمٌ من حديثِ الحكمِ بن الأعرجِ: انْتهَيْتُ(6) إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي مِنْ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ، فَاعْدُدْ، وَأَصْبَحَ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْتُ: أَهَكَذَا كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَصُوْمُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
          وهذا ظاهرهُ أن يومَ عاشوراءَ هو التاسعُ، لكن قالَ الزَّينَ بْنَ المُنَيِّر: قَوْلُهُ: "إذا أصبحتَ من تاسعهِ" [يُشْعِرُ بأنهُ أرادَ العاشرَ، لأنه لا يصبحُ صائمًا بعد أن أصبحَ من تاسعهِ] إلا إذا نوى الصومَ من الليلةِ المُقبلةِ، وهو الليلةُ العاشرةُ، قلتُ: ويُقَوِيِّ هذا الاحتمالِ ما رواهُ مسلمٌ أيضًا من وجهٍ آخرَ عن ابنِ عباسٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: «إِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، [فإنهُ ظاهرٌ في أنهُ صلعم كان يصومُ العاشرَ، وهَمَّ بصومِ التاسعِ فماتَ قبل َذلكَ] ثم ما هَمَّ بهِ من صومِ التاسعِ يحتملُ معناهُ أنه لا يقتصرُ / عليهِ بل يضيفُهُ إلى اليومِ العاشرِ؛ إمَّا احتياطًا لهُ وإمَّا مخالفةً لليهودِ والنَّصَارَى وهو الراجحُ، وبه يُشعرُ بعضُ رواياتِ(7) مسلمٍ، ولأحمدَ من وجهٍ آخرَ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ مرفوعًا: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ، صُوْمُوْا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ»، وهذا كان في آخرِ الأمرِ، وقد كانَ صلعم يحبُّ موافقةَ أهلِ الكتابِ فيما لم يؤمرْ فيهِ بشيءٍ، ولا سيِّمَا إذا كانَ فيما يخالفُ فيه أهلُ الأوثان(8) ، فلما فُتِحَتْ مكةُ واشتهرَ أمرُ الإسلامِ أَحَبَّ مخالفةَ أهلِ الكتابِ أيضًا، كما ثبتَ في الصحيحِ، فهذا من ذلكَ فوافَقَهُمْ أولًا، وقال: «نَحْنُ أَحَقُّ [بموسى] مِنْكُمْ» ثمِّ أحبَّ مخالفتَهُمْ، فأمرَ بأن يُضافَ إليهِ يومٌ قبلهُ ويومٌ بعدَهُ خلافًا لهم، ويؤيدهُ روايةُ الترمذيِّ من طريقٍ [أخرى] بلفظِ: «أَمَرَنَا رَسُوْلُ اللهِ صلعم بِصِيَامٍ عَاشُوْرَاءَ، يَوْمُ العَاشِرِ».
          وعلى هذا فصيامُ عاشوراءَ على ثلاثةِ مراتب: أدناهَا أنه يُصَامُ وحده، وفوقَهُ أن يُصَامَ التاسعُ [معه، وفوقه أن يُصام التاسع] والحادي عشرَ.
          قال بعضُ أهلِ العلمِ قولهُ صلعم في ((صحيحِ مسلم)): «إِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُوْمَنَّ التَّاسِعَ» يحتملُ أمرينِ؛ أحدهُمَا أنه أرادَ نقل العاشرِ إلى التاسعِ، والثاني أرادَ أن يُضِيْفَهُ إليهِ في الصومِ، فلما تُوفي صلعم قبلَ بيانِ ذلكَ كان الاحتياطُ صومُ اليومينِ، والله أعلم. انتهى.
          وقال القَسْطَلانِيُّ: ويُستحبُّ يومُ تاسوعاءَ أيضًا، ثم قالَ: فإن لم يصمِ التاسعَ مع العاشرِ استُحِبَّ له صومُ الحادي عشر، ونصَّ الشافعيُّ في ((الأم)) و((الإملاءُ)) على استحبابِ صومِ الثلاثةِ، وكذا يُسْتَحَبُّ صومُ يومِ عرفةَ لغيرِ الحاجِّ، وهو تاسعُ الحِجَّةِ، لأنهُ صلعم سُئِلَ عَنْهُ؟ فقالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ / المَاضِيَةَ وَالمُسْتَقْبَلَةَ»، رواه مسلم، و«تِسْعِ ذِي الحِجَّةِ»، رواهُ أبو داودَ.
          والأشهرُ الحُرُمُ وهي ذو القعدةِ وذو الحجةِ والمحرمُ ورجبُ، لقولهِ صلعم لمن تغيرتْ هيئتُهُ من الصومِ: «لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ، صُمْ العَشْرَ(9) ، وَيَوْمًامِنْ كُلِّ شَهْرٍ، قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: صُمْ يَوْمَيْنِ، قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: صُمْ مِنَ الحُرْمِ، وَاتْرُكْ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وقال بأصابعهِ الثلاثةِ». رواهُ أبو داودَ وغيره.
          قال في ((شرح المهذبِ)): وإنما أمرهُ بالتَّركِ لأنهُ كان يشقُّ عليه إكثارَ الصومِ، فأما من لا يشقُّ عليه فصومُ جميعِها فضيلةٌ، وأفضلُها المُحرَّمُ، قالَ صلعم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ» رواه مسلم، وكذا يستحبُ صومُ ستٍّ من شوال، لقوله صلعم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رواه مسلمٌ، والأفضلُ تَتَابُعُهَا وكونُها متصلةً بالعيدِ مبادرة للعبادةِ، وكذا يستحبُ صومُ يومٍ لا يجدُ في بيتهِ ما يأكله، لحديثِ عائشةَ ♦ قالت: دَخَلَ النَّبِيُّ صلعم ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» قُلْنَا: لَا، قَالَ: «إِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ» رواه مسلمٌ.
          والنَّفْلُ من الصومِ غيرُ محصورٍ والاستكثارُ منه مطلوبٌ، والمكروهُ منه صومُ المريضِ والمسافرِ والحاملِ والمرضعِ والشيخِ الكبيرِ، إذا خافوا منه المشقةَ الشديدةَ، وقد ينتهي ذلكَ إلى التحريمِ، وصومُ يومِ عرفةَ بها للحاجِّ، لكن الصحيحَ أنه خلافُ الأولى لا مكروهٌ، فيُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ له سواءً ضعفهُ الصومُ عن العبادةِ أم لا.
          وقال المتولِيُّ: إنْ كان ممن لا يضعفُ بالصومِ، فالصومُ أولى / لهُ، وإلا فالفطرُ، ويُكْرَهُ أيضًا التطوعُ بالصومِ، وعليه قضاءُ صومٍ من رمضانَ، وهذا إذا لم يتضيقْ وقتُهُ، وإلا حرمُ التطوعُ، وإفرادُ يومِ الجمعةِ أو السبتِ، وصومِ الدهرِ لمن خافَ ضررًا أو فوتَ حقٍّ.
          ويحرمُ صومُ العيدينِ وأيامُ التشريقِ، وصومُ الحائضِ والنُّفساءِ للإجماعِ، وصومُ يومِ الشَّكِّ، وصومِ النصفِ الأخيرِ من شعبانَ، إذا لم يصلْهُ بما قبلهُ على المختارِ وصَحَّحَهُ في ((المجموعِ)) وغيرِه لحديثِ: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا صِيَامَ حَتَّى رَمَضَانَ» رواه الترمذي، وقال: حسنٌ صحيحٌ، إلا القضاءُ ولموافقةُ نذرًا أو عادةً، فلا يحرمُ بل يصحُّ مسارعةً لبراءةِ الذِّمةِ، ولأنَّ له سببًا فجازَ كنظيرهِ من الصلاةِ في الأوقاتِ المكروهةِ.
          ولا يجوزُ للمرأةِ أن تصومَ نفلًا وزوجُها حاضرًا إلا بإذنهِ، لكن صومها حينئذٍ صحيحٌ، لأن تحريمهُ لا لمعنى يعودُ على الصومِ، فهو كالصلاةِ في أرضٍ مغصوبةٍ. انتهى.
          وهذا التفصيلُ المذكورُ في كتبِ الشافعيةِ، ولنذكر ما قاله الحنفيةُ في ذلكَ: فقال المُحَقِّقُ ابنُ الهمامِ في أولِ كتابِ الصوم من ((شرحِ الهِدايةِ)) وأقسامهُ: فرضٌ، وواجبٌ، ومسنونٌ، ومندوبٌ، ونفلٌ، ومكروهٌ تنزيهًا وتحريمًا. فالأولُ رمضانُ، وقضاؤُهُ، والكفاراتُ للظِّهارِ والقتلُ واليمينُ، وجزاءُ الصَّيدِ، وفِدْيَةُ الأَذى في الإحرامِ لثبوتِ هذه بالقاطعِ سندًا ومتنًا والإجماعُ عليها، والواجبُ: المندوبُ والمسنونُ عاشوراءَ مع التاسعِ، والمندوبُ: صومُ ثلاثةٍ من كلِّ شهرٍ، ويُندبُ فيها كَونها الأيامُ البيضُ، وكلُّ يومٍ ثبتَ بالسنةِ طلبهُ والوعدُ عليهِ كصومِ داودِ ╕ ونحوه، والنَّفل: ما سِوَى / ذلكَ مما لم يثبتْ كراهتُهُ، والمكروهُ تنزيهًا: عاشورًا مُفْرَدًا عن التاسعِ، ونحو يومِ المهرجانِ، وتَحريمًا: أيامُ التشريقِ والعيدينِ.
          فروعٌ:
          صومُ ستٍّ من شوالٍ عن أبي حنيفةَ وأبي يوسفَ كراهتُهُ، وعامَّةُ المشايخِ لم يروا به بأسًا، واختلفوا فقيل: الأفضلُ وصلُها بيومِ الفطرِ، وقيلَ: بل تفريقُها في الشهرِ.
          وجهُ الجوازِ أنه قد وقعَ بالفصلِ بيومِ الفطرِ فلم يلزم التشبُّهُ بأهلِ الكتابِ، وجهُ الكراهةِ أنه قد يُفضي إلى اعتقادِ لُزُوْمِهَا من العَوَّامِ لكثرةِ المداومةِ، ولذا سمعْنَا من يقولُ يومُ الفطرِ: نحنُ إلى الآن لم يأتِ عندَنا أو نحوه، فأمَّا عندَ الأمنِ من ذلك فلا بأسَ لورودِ الحديثِ بهِ، ويُكْرَهُ صومُ يومِ النَّيروزِ والمهرجانِ لأنَّ فيه تعظيمَ أيامٍ نُهِيْنَا عن تَعْظِيْمِهَا، فإن وافقَ يومًا كان يصومُهُ فلا بأسَ، ومن صامَ شعبانَ ووصلَهُ برمضانَ فحسنٌ.
          ويُستحبُّ صومُ أيامِ البيضِ الثالثَ عشرَ والرابعَ عشرَ والخامسَ عشرَ ما لم يظن إلحاقه بالواجبِ، وكذا صومُ يومِ عاشوراءَ. ويستحبُّ أن يصومَ قبلهُ يومًا وبعده يومًا. فإن أفردَهُ فهو مكروهٌ للتشبُّهِ باليهودِ، وصومُ يومِ عرفةَ لغير الحاجِّ مستحبٌ.
          وللحاجِّ إن كان يضعفُهُ عن الوقوفِ والدعواتِ، فالمستحبُّ تركهُ، وقيلَ يُكْرَهُ، وهي كراهةُ تنزيهٍ لأنه لإخلالهِ بالأهمِّ في ذلكَ الوقتِ. اللهمَّ إلا أن يَسِيءَ خلقُهُ فيوقعهُ في محظورٍ، وكذا صومُ يومِ التَّرويةِ، لأنه يعجزُ عن أداءِ أفعالِ الحجِّ.
          ويُكْرَهُ صومُ الصمتِ وهو أن يصومَ ولا يتكلمُ يعني يلتزمُ عدمَ الكلامِ، بل يتكلمُ بخيرٍ وبحاجتهِ إن عنَّتَ، ويُكْرَهُ صومُ الوصالِ ولو يومينِ، ويُكْرَهُ صومُ الدَّهرِ لأنه يُضعفُهُ أو يصيرُ(10) طبعًا لهُ. ومبنى العبادةِ على مخالفةِ / العادةِ، ولا يَحِلُّ صومُ يومِي العيدِ وأيامِ التَّشريقِ، وأفضلُ الصيامِ صيامُ دَاودَ ╕: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا» ولا بأسَ بيومِ الجمعةِ [منفردًا] عند أبي حنيفةَ ومحمدٌ ►.
          والمرأةُ لا تصومُ التطوعَ إلا بإذنِ زوجِها، وله أن يُفطِّرها، وكذا المملوكُ بالنسبةِ إلى السيدِ إلا إذا كانَ غائبًا، ولا ضَرَرَ في ذلكَ عليهِ فإن ضررَهُ ضررٌ بالسيدِ في مالهِ، وكل صومٍ واجبٍ على المملوكِ بسببٍ باشَرَهُ كالمنذورِ وصياماتِ الكفاراتِ، كالنفلِ إلا كفارةَ الظهارِ لِمَا يتعلقُ به من حقِّ الزوجةِ.
          فصلٌ:
          في بعضِ أحاديثٍ تتعلقُ بيومِ عاشوراءَ ولم تُذكرْ فيما سبقَ:
          عن عُمَرَ ☺ أنه أَرْسَلَ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: أَنَّ غَدًا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَصُمْ، وَأْمُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَصُوْمُوْا. رواه مالكٌ عن جريرٍ.
          وعن كُرَيْبِ بْنِ سَعِيْدٍ قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ☺ يَقُوْلُ: إِنَّ الله لا يَسْأَلُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلَّا عَنْ صِيَامِ رَمَضَانَ وَصِيَامِ الزِّيْنَةِ. يعني يوم عاشوراء. رواه ابن مَرْدَوَيْهٍ.
          وعَنْ عَلِيٍّ ☺ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كُنْتَ صَائِمًا بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَصُمْ المُحَرَّمَ، فَإنَّهُ شَهْرُ اللهِ، فِيْهِ [يوم] تَابَ اللهُ فِيْهِ عَلَى قَوْمٍ، وَيَتُوْبُ فِيْهِ عَلَى آخَرِيْنَ. رواهُ الترمذيُّ.
          وعن أبي هريرةَ☺ مرفوعًا: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاء، وَيَوْمٌ كَانَتْ الأَنْبِيَاءُ تَصُوْمُه فَصُوْمُوْا» رواهُ ابنُ أبي شيبةَ.
          وعنهُ ☺ مرفوعًا: «عَاشُوْرَاءُ عِيْدُ نَبِيٍّ كَانَ قَبْلَكُمْ فَصُوْمُوْهُ أَنْتُمْ» رواه البزَّارُ.
          وعن ابنِ عُمَرَ ☺ مَرفوعًا: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الزِّيْنَةِ أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ مِنْ صَامَ السَّنَةَ» يعني يومَ عاشوراءَ. رواهُ الدَّيْلَمِيُّ.
          وعن شُعَيْبِ بْنِ زَيْدٍ ☺ مرفوعًا: «إِنَّ نُوْحًا هَبَطَ مِنَ السَّفِيْنَةِ عَلَى الجُوْدِيِّ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فَصَامَ / نُوْحٌ، وَأَمَرَ مَنْ مَعَهُ بِصِيَامِهِ شُكْرًا للهِ، وَفي َيَوْمِ عَاشُوْرَاءَ تَابَ اللهُ عَلَى آدَمَ، وَعَلَى أَهْلِ مَدِيْنَةِ يُوْنُسَ، وَفِيْهِ فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيْلَ، وَفِيْهِ وُلِدَ إِبْرَاهِيْمُ وَابْنِ مَرْيَمَ» رواهُ أبو الشيخِ في ((الثَّوَابِ)).
          وعن جابرٍ ☺ مرفوعًا: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» رواهُ ابنُ عبدِ البَرِّ في ((الاستذكارِ)).
          عن ابنِ مسعودٍ ☺مرفوعًا: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَزَلْ فِي سَعَةٍ سَائِرَ سَنَتِهِ» رواه الطَّبرانيُّ.
          وعن أبي سعيدٍ ☺ مرفوعًا: «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ في يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ في سَنَتِهِ كُلِّهَا» رواهُ الطبرانيُّ في ((الأوسطِ)) والبيهقِيُّ.
          وعن ابن عباسٍ ☻ مرفوعًا: «مَنِ اكْتَحَلَ بالْإِثْمَدِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ أَبَدًا» رواه البيهقيُ.
          وعن عبدِ اللهِ بن عمرٍو قالَ: قال رسولُ الله صلعم: «مَنْ صَامَ يَوْمَ الزِّيْنَةِ أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ مِنْ صِيَامِ السَّنَةِ، وَمَنْ تَصَدَّقَ يَوْمَئِذٍ بِصَدَقَةٍ أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ مِنْ صَدَقَةِ تِلْكَ السَّنَةِ» يعني يومَ عاشوراءَ. رواه ابن المنذرِ.


[1] في المخطوط: «عاشور».
[2] في المخطوط: « أسلم ».
[3] في المخطوط: «الآخر».
[4] في المخطوط: «فامتنعوا».
[5] في المخطوط: «الأكبر».
[6] في المخطوط: «أنهيت».
[7] في المخطوط: «روات».
[8] في المخطوط: «أهل الكتاب».
[9] هكذا في المخطوط تبعًا لبعض مخطوطات الإرشاد، والصحيح: «صم شهر الصبر».
[10] في المخطوط: « يضر ».