المتواري على أبواب البخاري

باب الشعر في المسجد

          ░68▒ باب إنشاد الشِّعر في المسجد
          51- فيه أبو سلمة: «أنَّه سمع حسَّان بن ثابتٍ يستشهد أبا هريرة: أنشدك الله، هل سمعت رسول الله صلعم يقول: يا حسان، أجب عن رسول الله صلعم ؟ اللَّهم أيِّده برُوح القُدُس؟ قال أبو هريرة: نعم». [خ¦453].
          [قلتَ رضي الله عنك:] ليس في هذا الحديث أنَّه أنشد في المسجد، وإن كان مثبتاً في غير هذا الطَّريق، وقد ذكره البخاريُّ في كتابه في غير هذا، قال: «مرَّ عمر بحسَّان وهو ينشد في المسجد...»، ثمَّ ساق الحديث.
          فإن قلت: لِمَ عدل(1) عن الطَّريق المفهم للمقصود إلى ما لا يفهمه مع الإمكان؟ قلت: كان البخاريُّ لطيفَ الأخذ لفوائد(2) الحديث، دقيقُ الفكرة فيها، وكان ربَّما عرض له الاستدلال على التَّرجمة بالحديث الواضح المطابق، فعدل إلى الأخذ من الإشارة والرمز(3)، وكان على الصَّواب في ذلك؛ لأنَّ الحديث البيِّن يستوي النَّاس في الأخذ منه، وإنَّما يتفاوتون في الاستنباط من الإشارات الخفيَّة، ولم يكن مقصود البخاريِّ كغيره يملأ الصُّحف بما سُبق إليه، وربما(4) يَعتمِد في مثله على الأفهام العامَّةُ، وإنَّما كان مقصده فائدةً زائدةً.
          ووجه الأخذ من هذا الطَّريق أنَّه صلعم قال (له): «يا حسان! أجب عن رسول الله صلعم » ودعا له أن يُؤَيَّد بروح القدس، فدلَّ على أنَّ من الشِّعر حقّاً يؤمر به، ويتأهَّل صاحبه لأن يكون مؤيَّداً في النُّطق به بالملائكة.
          وما كان هذا شأنه فلا يتخيَّل ذُو لُبٍّ أنَّه يحرم في المسجد؛ لأنَّ الذي يحرم في المسجد من الكلام إنَّما هو العبث والسَّفه / وما يُعدُّ في الباطل المنافي لما اتُّخذت له المساجد من الحقِّ، فأمَّا هذا النَّوع فإنَّه حقٌّ، لفظه حسنٌ ومعناه صدقٌ، فهذا وجه الأخذ (منه)، والله أعلم.
          وبه يرتفع الخلاف ويُحمل المنع على شِعر السَّفه والعبث والإجازة على شعر الفائدة والحكمة ونحو ذلك ممَّا يَحسن القصد إليه، والله أعلم.


[1] في (ت): «يعدل».
[2] في (ت): «بفوائد».
[3] في (ت) و(ع): «والرمز به».
[4] في (ت) و(ع): «وبما».