انتقاض الاعتراض

باب إذا رأى الإمام رجلًا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتان

          ░32▒ مِن (باب: «إذا رأى الإمام رجلًا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتان»)
          قال (ح): قولهم: كان خاصًا، يُجاب بأنَّ الأصل عدم الخصوصية.
          قال (ع): نعم، / لكن إذا كان(1) لم يكن هناك قرينة، والقرينة هنا أنَّهُ كان في هيئة بذَّة(2) فأراد بقوله: «قُمْ فَصَلَّ» أن يراه النَّاس فيصدقوا(3) عليه، وقيل: إنَّهُ كان عرياً(4).
          وقال (ح): وأمَّا إطلاقُ مَنْ أطلقَ أنَّ التَّحيةَ تفوتُ بالجلوسِ، فقد حكى النَّوويُّ عن المحقِّقين أنَّ ذلك في حقِّ العامِد العالِم، بخلافِ الجاهل والنَّاسي.
          قال (ع): هذا حكمٌ بالاحتمال، وإذا كان الاحتمال لم ينشأ عن دليلٍ كان لَغْوًا.
          قال (ح): وادَّعوا أنَّهُ صلعم لما خاطب سُلَيْكًا سَكَت عن خطبته حتَّى فرغ سُلَيْكٌ مِن صلاته الخبر الوارد في ذلك ضعيف.
          قال (ع): هو مرسلٌ، والمرسلُ عندهم حجَّة.
          قال (ح): ودعوى ابن العربيِّ أنَّهُ صلعم لمَّا تشاغل بمخاطبة سُلَيْكٍ سقط عن سُلَيْكٍ فرض الاستماع، إذْ لم تكن(5) حينئذ خطبة، هذا مِن أضعف(6) الأجوبة؛ لأنَّ المخاطبة لما انقضتْ رجع صلعم إلى خطبته، وتشاغل سُلَيْكٍ بامتثال ما أمره به، فصحَّ أنَّهُ صلَّى في حال الخطبة.
          قال (ع) يردُّ(7) ما ورد في الحديث المرسل(8) : أنَّهُ أمسك عن خطبته(9) حتَّى فرغ مِن صلاته.
           و قال (ح): أجاب بعضهم بأنَّ هذه القصَّة كانت قبل الشروع في الخطبة بدليل رواية / مسلم، والنبيُّ صلعم قاعد على المنبر، وجوابه: أنَّ القعود لا يختصُّ بالابتداء؛ بل يحتمل أن يكون وقع بين الخطبتين.
          قال (ح): الأصل ابتداء قعوده، وأمَّا بين الخطبتين فمحتمل والأصل لا يعارض بالمحتمل وزمان قعوده بين الخطبتين(10) لا يَسَعُ جميع القصَّة.
           و قال (ح) أيضًا: على تقدير أن يكون في القعود الأوَّل فيستوي زمن القعودين، ويصحُّ أنَّ المخاطبة وقع بعضها في حال الخطبة، ويحتمل أن يكون الرَّاوي تجوَّز في قوله: قاعدًا(11).
          قال (ع): الأصل عدم التَّجوُّز.
           و قال (ح) أيضًا: قالوا كذلك قبل تحريم الكلام في الصَّلاة، ورُدَّ بأنَّ إسلام سُلَيْك متأخِّر عن ذلك الزمان.
          قال (ع): لم يدَّعوا أنَّ القصَّة متأخِّرة، كذا قال.
          وقال(12) (ح)(13) أيضًا: اتَّفقوا على أنَّ منع الصَّلاة في الأوقات المكروهة يستوي فيه مَن كان داخل المسجد وخارجه، واتَّفقوا على أنَّ مَن كان داخل المسجد يمتنع(14) عليه التَّنفُّل حال الخطبة، فليكن(15) الدَّاخل كذلك.
          كذا قال، وهو قياس في مقابلة النَّصِّ.
          قال (ع): إنَّمَا بنى الطَّحَاويُّ كلامه على القياس حتى يكون ما قاله قياسًا في مقابلة النصِّ.
          قال (ح): اتَّفقوا على أنَّ الدَّاخل والإمام في الصَّلاة تسقط عنه التحيَّة، والخطبة صلاة فتسقط.وتُعقب(16) بأنَّ الخطبة ليست صلاة مِن كلِّ وجه، والدَّاخل مأمور بشغل البقعة بالصَّلاة قبل جلوسه بخلاف الدَّاخل في حال الصَّلاة؛ لأنَّهُ مأمور بالصَّلاة التي أُقيمت.
          قال (ع): لم يدَّعوا أنَّ الخطبة صلاة لأنَّه مأمور(17) مِن كلِّ وجه بل(18)، قالوا: صلاة؛ لأنَّ الصَّلاة قُصرت لمكانها، فمِن هذه الجهة يستوي الدَّاخل والآتي.
          وقال (ح) / أيضًا: قال: اتَّفقوا على أنَّ التحية تسقط عن الإمام مع كونه يجلس على المنبر، وكذا تقدَّم الكلام في الخطبة دون المأموم، فيكون ترك المأموم التحيَّة بطريق الأولى، وتعقبَّه بأنَّهُ قياس في مقابلة النصِّ.
          قال (ع): إنَّمَا يكون القياس في مقابلة النَّصِّ فاسدًا إذا كان النَّصُّ سالمًا عن المعارض، وليس كذلك حديث سُليك، كذا قال.
           و قال (ح) أيضًا: قالوا: لا نسلِّم أنَّ المراد بالركعتين اللَّتين أُمر بهما سليكٌ التَّحيةَ؛ بل يحتمل أن تكون(19) صلاة فائتة كالصُّبح، وقد تولى(20) رد ذلك ابن حبَّان فقال في «صحيحه»: لو كان كذلك لم يتكرَّر أمره(21) له(22) بذلك مرَّة بعد أخرى.
          قال (ع): أخذ هذا مِن ابن الملقِّن المالكي، فإنَّهُ قال: لعلَّه صلعم كان كشف له عن سُلَيْك أنَّ عليه صلاةً فائتة فاسْتفهَمَه ملاطفةً له، ولو كان أراد التحيَّة لمَا اسْتفهمَه؛ لأنَّهُ رآه لمَّا دخل.
          قال (ع): وهذه تقوية جيدة بإنصاف، وما نقله عن ابن حبَّان ليس بشيء لكنَّ تكراره يدلَّ على أنَّهُ أمره به مِن الصَّلاة الفائتة؛ لأنَّ التكرار لا يحسن في غير الواجب.
          وقال (ع):(23) أيضًا ناقلًا عن شارح الترمذي: كلُّ مَن نُقل عنه منع الصَّلاة والإمام يخطب محمول على مَن كان داخل المسجد؛ لأنَّهُ لم يقع عن أحد التصريح بمنع التحية.
          قال (ح)(24) : قد ذكرنا ما أخرج عن عقبة بن عامر أنَّ / الصَّلاة والإمام على المنبر معصية، فكيف يقول: لم يثبت عن أحدٍ ما يخالف ذلك، وأيُّ مخالفة تكون أقوى مِن هذا، وأيُّ تصريح أتقن مِن هذا؟! ولو كان عقبة قال: هو مكروه، لكان صريحًا فضلًا عن قوله: معصية.
          قلت: إنَّمَا النفي(25) التَّصريح، وليس هذا صريحًا؛ لأنَّ(26) يجوز أن يحمل على مَن كان(27) داخلًا لو ثبت، ويُحْتَمل أنْ يُحْمَل على مَنْ صلَّى والإمام يخطب ممَّن كان في المسجد قبل أن يخرج الإمام، ومَن(28) جاء بَعدُ وصلَّى التحية ثُمَّ جلس ثُمَّ قام يصلِّي في أثناء الخطبة كما يصنعه كثير مِن الناس في أثناء الخطبة الثانية، والفرض أنَّهُ ثابت؛ لأنَّهُ من رواية ابن لهيعة.
          قال (ع): ما لابن لهيعة؟! قد(29) قال أحمد: مَنْ كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه؟ انتهى.
          ومَن يصل في(30) التَّعصب إلى نقل ما قيل في الرَّاوي مِن التوثيق ونسكت(31) عمَّا قيل فيه مِن التخريج(32) يسقط(33) الكلام معه؛ لارتكابه الصَّعب(34) مع قولهم: إنَّ الجرح مقدَّم على التقدير(35) ؛ بل إذا كان مفسرًا، والواقع أنَّ في ابن لهيعة مِن القدح المفسر ما يمتنع معه الاحتجاج به إذا انفرد.
          قال (ح) أيضًا(36) : نقل الطَّحَاويُّ عن عبد الله بن صفوان: أنَّهُ دخل المسجد وابن الزبير يخطب فاستلم الرُّكن، ثُمَّ سلم عليه، ثُمَّ جلس، قال: وهما صحابيان، فلم ينكر ابن الزبير على صفوان، ولا مَن حضر، دلَّ على ما قلناه، كذا قال، وتُعقِّب أنَّ تركهم النَّكير لا يدلُّ على تحريمها؛ بل يدلُّ على عدم وجوبها.
          قال (ع): هذا التعقُّب مردود؛ لأنَّهُ / مَن ادَّعى تحريمها حتَّى يردَّ ما استدل به الطَّحَاويُّ؟ ولم يقلْ هو ولا غيره بالحُرمة، وإنَّمَا قالوا: إنَّمَا الداخل ينبغي أن يجلس ولا يصلِّي إذا كان الإمام يخطب، وقال أيضًا: المراد بحديث عقبة: أنَّهُ معصية مبالغة.
          وقال (ح) أيضًا: يندفع جميع ما احتجُّوا به بعموم حديث أبي قتادة في «الصحيحين»: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ».قال النووي: هذا نصٌّ لا يتطرَّق إليه التأويل.
          قال (ع): قد أجبنا عن هَذا بأنَّهُ عامٌّ مخصوص، وفرق بين التأويل والتخصيص، فإنَّ أحدًا مِن التَّابعين لم يقل: ما(37) مؤول، وإنَّمَا قالوا: مخصوص.
          وقال(38) (ح) أيضًا: في حديث الباب جواز صلاة التحية في الأوقات المكروهة؛ لأنَّهُا إذا لم تسقط في الخطبة مع الأمر بالإنصات فغيرها أولى.
          قال (ع): حديث عقبة بن عامر: «ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كانَ رسولُ اللَّه صلعم ينهانا أنَّ نصليَ فيهنَّ أو نَقْبُرَ فيهنَّ موتانا حين تَطْلُعُ الشمسُ بازغةً...» الحديثَ، رواه مسلم والأربعة وعمومه يمنع سائر الصلوات في هذه الأوقات مِن الفرائض والنَّوافل، وصلاة التحية مِن النوافل كذا قال.


[1] قوله: «كان» ليس في (س).
[2] قوله: ((بذة)) زيادة من (س).
[3] في (د): «فيتصدقوا».
[4] في (س): «عريانًا».
[5] في (س): «يكن».
[6] في الأصول: «ضعف».
[7] قوله: ((يرد)) زيادة من (د)، وفي (س): «يرده»، وفي (ظ): ((ما ورد))
[8] قوله: ((المرسل)) زيادة من (س).
[9] في (س): «الخطبة»، وفي (ظ): «خطبة».
[10] قوله: ((فمحتمل والأصل لا يعارض بالمحتمل وزمان قعوده بين الخطبتين)) زيادة من (س).
[11] في (د): «قاعد».
[12] في (س): «قال».
[13] قوله: «ح» ليس في (د)، ولعلَّه الصواب.
[14] في (س): «ممتنع».
[15] في (س): «فيكن».
[16] قوله: «وتعقب» ليس في (س).
[17] قوله: ((لأنه مأمور)) زيادة من (س).
[18] قوله: ((بل)) زيادة من (س).
[19] في (س): «يكون».
[20] في (س): «توخى».
[21] في (س): «مرة».
[22] قوله: «له» ليس في (س).
[23] قوله: «(ع)» غير واضح في (د).
[24] قوله: «(ح)» غير واضح في (د)، وفي (س): «ع».
[25] في (د)، و(س) و(ظ): «نفى».
[26] في (س) و(ظ): «لأنه».
[27] قوله: «كان» ليس في (س).
[28] في (د): «وممن».
[29] قوله: «قد» بياض في (س)
[30] في (س): «إلى».
[31] في (س): «وتسكيت»، وفي (د): «يسكت».
[32] في (د) و(س): «التجريح».
[33] في (س): «ليسقط».
[34] في (س): «العصب».
[35] في (س): «التعديل».
[36] قوله: «أيضًا» ليس في الأصل.
[37] قوله: «ما» ليس في (س).
[38] في (س): «قال».