تحفة السامع والقاري بختم صحيح البخاري

في قوله: خفيفتان على اللسان

          ليُعلم أنَّه إنِّما كانَ هاتانِ الكلمتانِ: «خفيفتانِ على اللسانِ»، لِلِين حروفِهما، وسهولةِ خروجِهِما، فالنطقُ بهما سريعٌ، والذكرُ بهما سهلٌ، وذلك أنَّهُ ليس فيهما...(1)، وإنما كانتا «ثقيلتانِ في الميزانِ» للأجور المدَّخرَةِ لقائلِهِما، والحسناتِ المضاعَفَةِ للذاكِرِ بهما، والأصل في (الميزان) _كما قال أهل اللغة(2)_: مِوْزان، بكسر الميم، وسكون الواو، والزاي، وألف بعدها نون، فقُلِبَتِ الواوُ ياءً، بسكونِها وانكسارِ ما قبلَها، فصار: ميزان.
          وقد أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأنَّ أعمال العباد توزن يوم القيامة، قاله الزجَّاج(3) وغيره، والدلائل على هذا كثيرةٌ، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء:47]، وقال تعالى: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة:6] أي رَجَحَتْ حسناتُه {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ. وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة:7-8]، أي رَجَحَتْ سيئاتُه على / حسناتِه {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:9]، أي مسكنُه النار. وسمي السكن أُمًّا لأنَّ الأصلَ في السكون إلى الأمَّهاتِ، والهاوية: اسمٌ من أسماء جهنم. وقيل: أراد أمَّ رأسه؛ يعني: أنَّهم يهوون في النار على رؤوسهم.


[1] انظر على سبيل المثال: الصحاح ░تاج اللغة وصحاح العربية▒ مادة ░وزن▒ 6/2213. وقال ابن فارس: «الواو والزاي والنون: بناء يدل على تعديل واستقامة». انظر: مقاييس اللغة، مادة ░وزن▒ 6/107.
[2] الزجاج، معاني القرآن وإعرابه 3/394.
[3] عزاه في التذكرة 2/735.