تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: لا عدوى، ولا صفر، ولا غول

          1678- (لَا عَدْوَى) هو أن يكونَ ببعيرٍ جَرَبٌ أو بإنْسَانٍ بَرَصٌ أو جُذامٌ، فَتُتْقَى مُخَالَطَتُهُ ومُؤاكلتُهُ مخافةَ أن يَتعدَّى ما به إلى من يُقاربُه فيُصِيْبُهُ ما أصابَهُ فيُقالُ: أعداهُ الداءُ، وكانوا يراعونَ ذلك قبل الإسلامِ، فأبطلَ صلعم بقولهِ: / (لَا عَدْوَى) ومنهُ التَّعدِّي وهو مُجاوزةُ الحقِّ أو الشيءِ إلى غيرِه.
          (وَلَا صَفَرَ) يُتأوَّلُ على وجهينِ: يُقالُ: إنَّ العربَ كانت تَظُنُّ أن في البطنَ حَيَّةً تُصِيْبُ الإنسانَ إذا جاعَ بما يُؤذيهِ، وأنها تُعْدِي وتَتجاوز ذلكَ إلى المُصاحبِ والمُؤَاكِلِ فأبطله(1) الإسلامُ، قالَ الهَرَوِيُّ: وذلكَ معروفٌ في أشعَارِهِمْ، قال في «المُجملِ»: والصَّفَرُ دوابُ البطنِ وهي تُصيبُ الماشيةَ والنَّاسَ، والوجهُ الثانِي: أنه من تَأخيرِهم المُحَرَّمَ إلى صَفَر وما كانت الجاهليةُ تَفْعَلُهُ في ذلكَ فرفعهُ الإسلامُ بقوله صلعم: (لَا صَفَرَ).
          (وَلَا غُوْلَ) كانتِ العربُ تقولُ: إنَّ الغِيْلانَ في الفلَوَاتِ تَتَرَاءى للناسِ وتَتَغَوَّلُ أي تتلوَّنُ لهم، فتُضِلُّهم عن الطريقِ وتُفزعُهم وتُهلكُهم ويُسَمُّوْنَهَا السَّعَالِي، وقد ذكروهَا في أشعارِهِمْ فأبطلتِ الشَّريعةُ ذلكَ، وأصلُ التَّغَوُّلِ التَّلوُّنُ، ويُقالُ: تَغَوَّلَتِ المرأةُ إذا تلوَّنَتْ.
          (الطَّيْرُ وَالطِّيَرَةُ) التَّشاؤمُ بالشيء تراهُ أو تَسْمَعُهُ فتتوهَّمُ وُقوعَ المكروْهِ بهِ، واشتِقَاقُهُ من الطَّيرِ كَتَطَيُّرُهُمْ من الغرابِ رؤيةً وصوتاً، ثم استمرَّ ذلك في كلِّ ما يُتطيَّرُ برؤيتِهِ وصوتِهِ، وقيلَ في قوله تعالى: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس:19] أي: شُؤمُكم، وفي قوله: {طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ} [الأعراف:131] أي الشُّؤْمُ الذي يَلحقُهُمْ والمكروهُ الذي أُعدَّ لهم في الآخرةِ أو في الأقدارِ السَّيئةِ التي يُعَجِّلُهَا الله لهم في الدُّنيا.


[1] في الأصل: «فأبطل».