تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث:من الكبائر شتم الرجل والديه

          2934- (الكَبَائِرُ) ما عَظُمَ من الذُّنوبِ، واحدتُها كبيرةٌ، قالَ تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوْا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31] بيَّنَ بهذا أن الكبائرَ أعظمُ من السَّيئاتِ؛ إذ قد وعَدَ اللهُ تعالى بِغُفْرَانِ السَّيئاتِ إذا اجتُنبَتِ الكبائرُ وهي الموبقاتُ، والموبقاتُ: المُهْلِكَاتُ، يُقالُ: وَبِقَ يَبِقُ إذا هلَكَ، وفي الحديثِ: «اجْتَنِبُوْا السَّبْعَ المُوْبِقَاتِ» فذَكرَ الشِّرْكَ والسِّحرَ وقتلَ النَّفسِ وأكلَ مالِ اليتيمِ وأكلَ الرِّبا والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ وقذْفَ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ.
          ورُوَيْنَا عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّه قالَ: هي إلى السَّبعينِ أقربُ منها إلى السَّبعِ عِلماً منهُ بأنه ◙ وإن كانَ نصَّ على سَبْعٍ في هذا الحديثِ فقد نَصَّ على غيرها في غيرِ هذا الحديثِ ولم يخفَ على ابن عباسٍ، وكلامُ رسولِ اللهِ صلعم مَضْمُوْمٌ بَعْضُهُ إلى بعضٍ ويُتَلقَّى جميعُهُ بالقَبُوْلِ، من ذلكَ حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو هذا: قال: «مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ»، وفي أحاديثَ أُخْرَى: «قَوْلُ الزُّوْرِ وَشَهَادَةُ الزُّوْرِ وَعُقُوْقُ الوَالِدَيْنِ وَالكَذِبُ عَلَيْهِ صلعم».
          وجاءَ عنهُ ◙ الوعيدُ الشَّديدُ بالنَّارِ: على الكِبْرِ، وعلى كُفْرِ نِعْمَةِ المُحْسِنِيْنَ في الحقِّ، وعلى النِّيَاحَةِ في المآتِمِ، وحلقِ الشُّعُوْرِ فيها، وخرقِ الجُيُوْبِ، وتركِ التَّحفُّظِ من البولِ، وقطيعةِ الرَّحمِ، وعلى الخمرِ، وعلى تعذيبِ الحيوانِ بغيرِ الذَّكاةِ لأكلِ ما يحلُّ أكلُهُ منها أو ما أُبِيْحَ قتلُهُ منها، وعلى إسبالِ الإزارِ على سبيلِ النَّخْوَةِ، وعلى المنَّانِ بما يفعلُ من الخيرِ، وعلى المنفقِ سلعتَهُ بالحلفِ الكاذبِ، وعلى مانعِ فضلِ مائِه من الشَّاربِ، / وعلى الغلولِ، وعلى مبايعَةِ الأئمةِ على الدنْيَا فإن أُعطُوْا منها وُفِّيَ لهم وإن لم يُعْطَوْا لم يوفَّ لهم، وعلى المقتطعِ بيمينهِ حقَّ امرئٍ مسلمٍ، وعلى الإمامِ الغاشِّ لرعيتِهِ، وعلى من ادُّعِيَ إلى غير أبيهِ، وعلى العبدِ الآبِقِ، وعلى من ادَّعَى ما ليسَ لهُ، وعلى لاعنِ من لا يستحقُّ اللعنَ، وعلى بُغْضِ الأنصارِ، وعلى تاركِ الصلاةِ، وعلى تاركِ الزكاةِ، وعلى بُغْضِ عَلِيٍّ.
          وجاءَ الوعيدُ الشَّديدُ في نصِّ القرآنِ بالنَّارِ: على الزُّنَاةِ وعلى المُفْسِدِيْنَ في الأرضِ بالحِرَابَةِ، فهذه نيِّفٌ وثلاثونَ قد جمعها بعضُ شيوخِنا مما وردَتْ النصوصُ بالوعيدِ فيها والاستعظامِ لها، فإن بهذا تصحيحُ قولِ ابن عباسٍ، وأن كُلَّ ما تَوَعَّدَ اللهُ عليهِ بالنَّارِ، أو توَعَّدَ على ذلكَ بالنَّارِ رسولُ الله صلعم، أو سماهُ اللهُ تعالى فاحشةً أو رسولُه صلعم، أو لعَن عليه، أو غَضِبَ فيه، فهو من الكبائر، وكلُّ ما جاء النصُّ بأنَّه كبيرٌ فهو من الكبائرِ، وأنَّ ما عدا ذلكَ فهو من السيئاتِ التي وعَدَ الله بغفرانِهَا مع اجتنابِ الكبائرِ، ورأيتُ هكذا لبعضِ عُلمائِنا.