تعليقات القاري على ثلاثيات البخاري

حديث سلمة: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة

          الرابع عشر: [خ¦4206]
          قال البُخاري: (حدثنا المَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ) قال الشَّارح: هنا المكِّيِّ عَلَمٌ لا نسبة لمكَّة، وَوهم صَاحبُ ((الكواكب)) يعني الكَرْمَانِي فقال: منسوب إلى مكَّة، انتهى.
          وَالتحقيقُ أنَّ المكي نسبةٌ، إلا أنَّه صَارَ علمًا له.
          (ثَنَا) أي قال المكي: حدَّثنا (يزيدُ بن أبي عُبيد قال: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ) أي تأثيرها بحصُول جراحةٍ (فِي سَاقِ سَلَمَةَ) أي ابن الأكوع.
          (فَقُلْتُ: ) أي لهُ: (يَا أَبَا [مُسْلِمْ] ، مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ ؟) أي نَفسها أو أَثرها.
          (قَالَ: ضَرْبَةٌ) وَفي نُسخةٍ: هَذِه ضَرْبَةٌ (أَصَابَتْهَا) أي سَاقِي.
          قال الشَّارحُ: كَذا وَقعَ في نُسخ البخاري، فقيل: الصَّواب: أصابتني، كما في روَاية الإسماعيلي، وَقيل: الضميرُ راجعٌ إلى الرُّكبة المفهومة من السِّيَاق، وَقيل: أنَّث السَّاق باعتبار الجارحة، كما في قوله تعالى: { وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:29] .
          أقولُ: وَهذا هو الصَّوابُ، وَأمَّا كونُ الضَّميرِ رَاجعًا إلى الرُّكبة ففي غاية البُعد؛ لأنَّ السَّاق ما بين الكَعْب وَالركبة فلا يكون مُطابقة بين السؤال وَالجواب، فتخطئةُ هذه الروَاية خارجةٌ عن صَوب الصَّواب، وَكذا عدول شارح آخر عنهَا وَجعل روَاية أصابتني أصلًا فيها، ثم قوله: وَلابن عسَاكر: ((أصَابتنا))، وَللأصيلي وَأبي الوقت وَأبي ذرٍّ: ((أصابتها))، أي رجله، انتهى.
          وَلا يخفى أنَّ رجع الضمير إذا صحَّ إلى السَّاق لكونها مُؤنَّثًا، فلا يحتاج إلى تفسير الضمير بقوله: أي رجله. ثم في رواية الأكثر هي الأولى، بأنْ يكونَ الأصلُ المعتبر، فتأمَّل وَتدبَّر.
          ثم قولُ البخاري: (يَوْمَ خَيْبَرَ) منصوبٌ على الظَّرفِية.
          (فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ) وَلأبي ذَرٍّ عن الكُشميهني: أي إلى النَّبي أي متوجِّهًا إليه وَمتضرعًا لديه (صلعم ، فَنَفَثَ فِيْهِ) أيْ في موضعِ الضَّربةِ، وَفي نُسخة: ((فيها))، أيْ في الضربة على تقدير مُضاف، أي موضعها أو أثرها (ثَلَاثَ نَفَثَاتٍ) بفتح النُّون وَالفاء وَالثاء المثلثة، جمعُ نفثَةٍ، وَهي فوقَ النَّفخِ وَدونَ التَّفْلِ بريقٍ وَغَيره، (فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ) بالجر في اليُونينية، على أنَّ حتَّى جارَّةٌ في محلِ النَّصب / بتقديرِ زمانٍ، أي فما اشتكيتها زمانًا حتى السَّاعة، أي إلى الآن، يعني: وَما أدري ما يجري في غير هذا الزَّمان.
          وَقال الكَرْمَانِي: فإن قلت: حَتَّى لِلْغَايَةِ، وَحكم مَا بعدها خلاف مَا قبلها، فيلزم الاشتكاء زمان الحكاية.
          قلت: السَّاعةُ بالنَّصب، وَحتَّى للعطف، فالمعطوف دَاخل في المعطوف عليه، وَتقديره: فما اشتكيتها زمانًا حتَّى السَّاعة، نحو: أكلت السَّمكة حتَّى رأسَها بالنصب، انتهى.
          ولا يخفى أنَّ مَا قدمناه أولى وَأوفق لما في أكثر النُّسخ من المبنى، فيكون المعنى: مَا وَجدت أثر وَجعٍ إلى السَّاعة، وَأمَّا بَعدهَا فلا أدري مَا أجده أم لا، فيصدق عليْه أنَّ حكم ما بعد ((حتى)) خلافُ مَا قبلها، ثمَّ الأظهرُ أنْ يَكونَ المراد نفي الشِّكاية بآكدِ وَجهٍ في الحكاية، فكأنه قال: ما وَجدت وَجعًا إلى الآن، فلو أمكن أن يوجد [وجع] هنالك يكون بعد ذلك، وَمن المحال العادي أن يَرجع الوجعُ بعد مُدَّةٍ مضت من بَدء الضَّربة.
          أي (أخرجه) أي البخاري (في غزوة خَيبر).