تعليقات القاري على ثلاثيات البخاري

حديث سلمة: يا ابن الأكوع، ملكت فأسجح.

          الثاني عشر: [خ¦3041]
          قال البُخَاري: (حَدَّثَنَا المكِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْم ثَنَا) أي قال المكِّي: (حَدَّثَنَا)، وَفي نُسخةٍ: (أنا)، أي أخبرنا (يَزيدُ بنُ أَبي عُبيد، عَن سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَع أنَّه) أي سلمة (أخبرهُ) أي يزيد (قال) أي سَلمة: (خَرَجْتُ مِنَ المَدِيْنَةِ) قال العسقلاني: وَفي رواية: «خَرَجْنَا قَبْلَ أنْ يُؤَذِّنَ بِالأُوْلَى»، يعني صَلاة الصُّبْحِ، وَيدلُّ عليه قوله في رواية مسلم: «أَنَّهُ تَبِعَهُمْ مِنَ الغَلَسِ إِلَى غُرُوْبِ الشَّمْسِ»، أي (ذاهبًا)، أي حال كوني متوجِّهًا (نحو الغابة)، بالغين المعجمة وَبَعدَ الألف موحَّدة، وَهي على بَرِيْدٍ من المدينة في طريق الشام، وَقالَ في ((النِّهاية)): هي موضعٌ قريبٌ من المدينة في عَوَاليها، وَبها أموَالٌ لأهلها.
          (حَتَّى إِذَا كُنْتَ بِثَنْيَةِ الغَابَةِ)، الثَّنية: هي كالعقبة للجبل، وَيُطلقُ على الرَّابية وَالأَكَمة، وَالمعنى: حتَّى إذا وَصلت ثنيتها (لَقِيَنِي غُلامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ)، قال في ((الفتح)): لم أقفْ على اسمه، وَيُحتمل أنْ يكون رباحًا غُلام رسول الله صلعم ، كما في روَاية مُسلم: «قَدِمْنَا الحُدَيْبِيَةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا المَدِيْنَةَ، فَبَعَثَ رَسُوْلُ الله صلعم بِظَهْرِهِ مَعَ غُلَامِهِ رَبَاحًا»، وَكأنَّه كان ملك أحَدهما، وَكان يخدم الآخر منهما، فنُسبَ تارةً إلى هذا وَتارةً إلى هذا.
          (قُلْتُ: ) أَيْ لَهُ (وَيْحَكَ) قال الشارح: أي الويل لك وَالهلاكُ لاحقٌ بك، انتهى.
          وَهُوَ غيُر مناسب كما لا يخفى، فالأَولى أن يُقال: هي كلمةُ توجُّعٍ وَترحُّم يُقال لمن وَقَعَ في هَلكةٍ لا يَسْتَحِقُّهَا، وَهي منصوبة على المصدر كما في ((النِّهاية))، بدليل قوله: (ما بك ؟) أي أيّ شيءٍ نزل بك ممَّا أوقع الهمَّ لك ؟ (قال: أُخِذَتْ) بصيغة المجهول للتأنيث، وَلأبي ذر عن الحموي وَالمُستملي: ((أُخِذَ لِقَاحُ النَّبي صلعم)) بكسر اللام بعدها قاف وَفي آخره حاء مهملة، وَاحدها لِقحة بكسر اللام وَفتحها أيضًا، وَقيل: لقوح، وَهي الحلوب، وَفي بعض الرِّوَايات أنَّها كانت عشرين لقحة ترعى بالغابة، وَكان من جملة رعاتِها وَلد أبي ذر الغِفَاري وَامرأته، فأغارَ المشركون عليهم فقتلوا الرَّجل وَأَسَرُوا المرأة.
          (قلتُ: مَنْ أَخَذَهَا ؟ قَالَ: غَطَفَان) بفتح الغين المعجمة وَالطاء المهمَلة بعدها فاء وَآخره نون، قبيلة كبيرة، (وفَزَارَة) بفتح الفاء وَالزَّاي، بَطْنٌ / من غَطفان، فهُوَ من قبيل عَطف الخاصِّ على العَام.
          (فَصَرَخْتُ) أيْ فَصِحْتُ بصوتٍ عَالٍ (ثَلاثَ صَرْخَاتٍ) نفحات، أي أصوات (أَسْمَعَتْ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا)، اللَّابة: الحَرَّة، أرضٌ ذاتُ حجارةٍ سود، وَهُما حرَّتان تكتنفان المدينة، وَالمعنى: أَسْمَعت من في طرفيها وَجَانبيهَا، وَالمراد مَن فيها بأسْرِها: (يَا صَبَاحَاه) مُنادى مُستغاث، وَالهاء للسكت، وَالألف للاستغاثة، فكأنَّه نادى الناس استغاثةً بهم في وَقت الصَّباح: (يَا صَبَاحَاهُ) كرَّره للتأكيد، وَقِيل: مَعناه يا غارتاه؛ لأنَّها تكون في الصُّبح غالبًا، وَفيه إشعارٌ بأنَّه كان وَاسع الصَّوت جِدًّا، وَيُحتمل أن يكونَ ذلك من خوارق العَادة.
          وَعندَ مسلم: ((فَعَلَوْتُ أَكَمَةً فَاسْتَقْبَلْتُ المدِيْنَةَ فَنَادَيْتُ ثَلَاثًا: يَا صَبَاحَاهُ)). وَعند الطَّبراني: ((فَصَعَدْتُ في سَلَعٍ، فَقُلْتُ: يَا صَبَاحَاهُ، فانتهى صِيَاحِي إلى رسُول الله صلعم ، فَنُوْدِيَ في النَّاسِ: الفَزَعَ الفَزَعَ)).
          (ثُمَّ انْدَفَعْتُ) أي أسرَعْتُ في السَّير، وَفي رواية: ((عَلَى وَجْهِي))، أي لم ألتفت يَمينًا وَلا شمالًا، بل أَسْرَعَتُ الجرْيَ مِن جِهَةِ وَجهي وَتوجَّهت إليهم بكلِّيَّتي، وَكان شديد العَدْوِ على أثرِ العَدُوِّ، (حَتَّى أَلْقَاهُمْ).
          وفي رِوَاية: ((حَتَّى أَدْرَكْتُهُم))، وَكأنَّهُ قَصَدَ في الرِّواية الأولى استحضار الحالة الماضية، (وَقَدْ أَخَذُوْهَا) يعني اللِّقاح، وَالجملة حَالية.
          (فَجَعَلْتُ) أَيْ شَرَعْتُ وَطَفِقْتُ، وَفي رِوَاية: فأَقبلت (أَرْمِيْهِم) أي بالسِّهام، وَفي روَايةٍ للبُخاري: فجعلتُ أرميهم بِنَبْلِي، وَهُوَ بفتح النون وَسكون الموحَّدة: السَّهم العربي، (وَأَقُوْلُ: أَنَا ابنُ الأَكْوَعْ) يوقف عليه بالسكون مراعاةً للسَّجع، وَكذا في قوله: (وَاليَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ) بضم الرَّاء وَتشديد الضاد المعجمة المفتوحة جمع رَاضع، وَهُوَ البخيل اللئيم، فمعناه: خذ الرَّمية من الكرام، (واليَوْمُ يَوْمُ هَلَاكِ اللِّئَامِ)، وَارتفاع اليَوم الأول على الابتداء، وَالثَّاني على الخبر، وَيجوز نصب الأوَّل على الظرف، على أنَّ اليوم بمعنى الوقت وَالحين، كما حكى سيبويه عن ناسٍ من العرب.
          ثُمَّ اعلمْ أنَّ العرب يُكَنُّوْنَ عن البُخل وَاللُّؤْم بالرضاع وَالمصِّ، وَسَبَبُ ذلكَ أنَّ شخصًا كان شديدَ البخل فكان إذا أراد حَلْبَ ناقته ارتضع من ثديها لئلا يحلبهَا فيَسمع جيرانه، أو من يمرُّ به صَوت الحلب فيطلبون منه اللبن، وَقيلَ: بل صنع ذلك لئلا يتبدَّد من اللبن شيء إذا حُلب في الإناء، أو يبقى في الإناء شيءٌ إذا شربه منه، فقالوا في المثل: أَلْأَمُ مِن راضع، وَقيل: بل مَعنى المثل أنَّه أُرضِعَ اللؤم من من ثدي أُمِّهِ، وَقيل: المراد من يمصُّ طَرَفَ الخِلال إذا خلل أسنانه، وَقيل: هُو الرَّاعي الذي لا يستجلبُ محلبًا، فإذا جاء الضيف اعتذر بأنْ لَا محلبَ معه، وَإذا أرادَ أن يشربَ ارتضعَ، وَقيل: المراد اليوم يعرف من أرضعته كريمة فأنجبته، أو لئيمة فأنجبته، وَقيل: مَعناه اليوم يُعرف من أرضعته الحربُ مِن صغره، وَتدرَّبَ بهَا من كبره، وَقيل: مَعناه هذا يَومٌ شديدٌ عليكم، تُفارق فيه المرضعة مَن أرضعته، فلا تجد من تُرضعه، وَكأنَّه مَأخوذٌ من قوله: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج:2] .
          وَعند مُسلم: ((فَأَقْبَلْتُ أَرْمِيْهُم بِالنَّبْلِ وَأَرْتَجِزْ))، وَفيهِ أيضًا: ((فَأَلْحَقَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَصُكُّهُ سَهْمًا فِي رَجْلِهِ، فَيَخْلُصْ السَّهْمُ إِلَى كَعْبِهِ، فَمَا زِلْتُ أَرْمِيْهِم وَأَعْقِرُ بِهم، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ / مِنْهُم أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسَتْ فِي أَصْلِهَا فَرَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ، فَإِذَا تَضَايَقَ الجبَلُ فَدَخَلُوْا فِي مَضَايِقِهِ عَلَوْتُ الجبَلَ فَرَمَيْتُ بِالْحِجَارَةِ)). وَعندَ ابنَ إسحَاق: ((وَكَانَ سَلَمَةُ مِثْلَ الأَسَدِ، فَإِذَا حَمَلَتْ عَلَيْهِ الخَيْلَ فَرَّ ثُمَّ عَارَضَهُم فَنَضَحَهَا عَنْهُ بِالنَّبْلِ)).
          (فَاسْتَنْقَذَتْهَا) بالقاف وَالذَّالِ المُعجمة، أي استخلصت اللِّقاح (مِنْهُم) أيْ من غَطفان وَفَزَارة.
          وَفي روَايةٍ للبُخاري: «حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً». قالَ الشَّارح: وَفي رِوَايةِ أهلِ السِّير وَالمغازي: ((وَاسْتَلْبَتُ مِنْهُم ثَلَاثِيْنَ رُمْحًا))، انتهى. وَكأنَّه غَفِلَ عنْ رواية مُسلم: ((فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى مَا خَلَقَ الله من ظهر رسول الله صلعم مِنْ بَعِيْرٍ إِلَّا خَلَّفْتَهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، ثُمَّ اتَّبَعتهم أَرْمِيْهِم حَتَّى أَلْقُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِيْنَ بُرْدَةً وَثَلَاثِيْنَ رُمْحًا، يَتَخَفَّفُونَ بِهَا قَبْلَ أن يَشْرَبُوا)) أي من لبن تلك اللَّقاح ومن الماء القراح.
          (فَأَقْبَلَتْ بِهَا) أيْ باللقاحِ (أَسُوقها) أي حَال كوني أدفعها من وَرَائها، (فلقيني النَّبي صلعم) أَيْ وَكانَ قدْ خرجَ ◙ إليهم غَدَاةَ الأَربعَاءِ في الحديد مُقَنَّعًا في خمسمَائة، وَقيلَ: سَبعمَائة، بعد أن جَاءَ الصَّريخ وَنُودي: يَا خيلَ الله اركَبي، وَعقدَ لِلْمقداد بن عمر لواء، وَقال له: ((امضِ حتَّى يلحقك الخيلُ وَأنا على إِثْرك)).
          وَوَقَعَ في بَعْضِ الرِّوَاياتِ أنَّه صلعم لمَّا سَمِعَ قوله: يَا صَبَاحَاه، وَنُوْدِيَ فِي النَّاسِ: الْفَزَعُ الْفَزَعُ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أنَّ يَخْرُجُوا مَعَهُ إِلَى قِتَالِ الغازِيْنَ، فَخَرَجَ فِي خَمْسِمَائةِ رَاكِبٍ، فَلَقِيَهُ سَلَمَةُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيْقِ بَعْدَ اسْتِنْقَاذِهِ اللَّقَاحَ مِنْهُم، فَنَزَلَ النَّبي صلعم عَلَى مَاءٍ فِي ذَلِكَ الوَادِي يُقَالُ لَهُ: ذُوْ قَرَدٍ، بفتح القاف وَالراء بعدها دال مُهملة، وَهُوَ مما يلي بلاد غَطفان، على نحو بريدٍ، وَقيل: على مسَافةِ يَوْمٍ وَليلةٍ.
          (فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إنَّ القَوْمَ) يعني غَطَفَان وَفَزَارَةَ (عِطَاشٌ)، بكسر أوَّله، (وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُم) أي اضطررتهم وَألجأتهم إلى العجلة، (أن يَشْرَبُوا) مفعول له، أي كراهة شربهم (سِقْيَهُم) بكسر السين وَسُكُون القاف، أي حَظَّهُم مِنَ الشُّرب، وَهُوَ مفعول به، وَفي نُسخةٍ: «وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُمْ قبل أن يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ»، وَفي نُسخةٍ بفتح السين، أي سَقيهم، (فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِم) بِفَتْحَتَين، وَفي نُسخةٍ بكسرٍ فسُكُون، أي أرسل جماعةً في عَقبهم، وَعند ابن سَعدٍ: قال سَلمة: «فَلَوْ بَعَثْتَنِي فِي مِائَةِ رَجُلٍ اسْتَنْقَذْتُ مَا بَيْنَهُم مِنَ السَّرْحِ وَأَخَذْتُ بِأَعْنَاقِ الْقَوْمِ»، فالمعنى: ابعثني مَعهم في آثارهم لأقتلهم وَآخذهم أسرَى من دِيَارهم.
          (فَقَالَ: ) أَي النَّبي ◙: (يَا ابْنَ الأَكْوَعَ، مَلَكْتَ) وَفي نُسخة: ((إذا ملكت))، أي قَدِرْتَ عَلَيْهِم فَاسْتَعْبَدَتُهم وَهُمْ في الأَصْل أحرار (فَأَسْجِح) بهمزة قطع وَكسر جيم وَسُكون حاءٍ مهملة، أي ارفق بهم وَلا تأخُذهم بالشِّدَّةِ لهم، وَهذا لكونه رَحمةً للعَالمين، وَلِتوقُّع إيمانهم.
          وَأصلُ السَّجاحة السُّهولة وَالسَّماحة، وَالإسجَاح: إحسَان العفو، وَهذا مَثَلٌ للعرب.
          (إنَّ القَوْمَ يُقْرَوْنَ) بضم الياء وَفتح الراء مضارع، أي يَقرُون بفتح اليَاء وَضَمِّ الراء، أي يُضافون [في قومهم] وَعند الكُشميهني: [من قومهم] ، وَلمُسلم: «إِنَّهُمْ الْآنَ لَيُقْرَوْنَ فِي أَرْضِ غَطَفَانَ»، وَالمعنى: أنهم وَصلوا إلى بلاد قومهم وَنزلوا عليهم، فهم الآن يَذبحونَ لهم وَيُطعمونهم، فلا فائدة للبعث في أثرهم؛ لأنَّهم لحقوا بأصحابهم وَتَقَوَّوا بأقوامهم، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ فَقَالَ: مُرُوْا عَلَى فَلَانَ فَنَحَرَ لَهُم جَزُوْرًا، فَلَّمَا أَخَذُوْا يَكْشُطُوْنَ جِلْدَهَا رَأَوْا / غَبْرَةً فَتَرَكُوْهَا فَخَرَجُوْا هَرَبًا.. الحديث.
          وفيهِ مُعجزةٌ حيثُ أَخبرَ النبي ◙ بذلك فكان كما قال هنالك.
          وَفي روَايةٍ للبُخاري من طريق حَاتم بن إسمَاعيل بن يزيد عن سَلمة قال: ((ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةَ وَأَرْدَفَنِي رَسُوْلُ اللهِ صلعم عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا المَدِيْنَةَ)).
          وَفي روَايةِ غيره: ((وَأَعْطَانِي سَهْمَ الْفَارِسِ، وَالرَّاجِلِ))، أي ممَّا أخذتُ من كُفَّار غَطَفان من البُرود وَالرِّمَاح.
          وَفي روَايةٍ: فَلَمَّا دَنُوْنَا نَادَى رَجُلٌ أَلَا رَجُلٌ سَابَقَ مَعِي عَلَى الرِّجْلِ ؟ فَاسْتَأَذَنْتُ رَسُوْلَ الله صلعم أن أُسَابِقَ مَعَهُ، فَأَذِنَ لِي، فَنَزَلْتُ عَنْ الدَّابَةَ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فقال صلعم: « [خَيْرُ] فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا الْيَوْمَ سَلَمَةُ».
          وإنَّما قال في حقِّ أبي قتادة الأنصاري هذا، لأنَّهُ أَوَّلُ مَن بارز الكفَّار منَ الفرسَان في هذه الغزوة، وَقتل عظيمًا من عظمائهم، فهربوا لذلك.
          هَذا وَفي بعض الأُصول من البخاري: ((يَقرُون))، بضم الرَّاء مع فتح أوَّله، أي: ارفِق بهم فإنَّهم يضيفون الأضيَاف، فراعى صلعم ذلك لهم رجاءَ توبتهم وَإنابتهم. وَلأبي ذر عن الحموي وَالمستملي: ((يَقِرُّون))، بفتح أوَّله وَكسر القاف وَتشديد الراء، أي يثبتون في محلِّهم، وَليس وَقت الحرب مع كلهم.
          (أخرجه) أي البخاري (فيه) أَيْ في كتاب الجهَاد (أيضًا) أي كما سَبق، وَهو في باب من رَأى العدو فنادى بأعلى صَوْتِهِ: يَا صَبَاحَاهُ.