الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي

          23- (رَأَيْتُ): يَحتمل أنَّها حُلُميَّة من الرُّؤيا، وهو الأظهر، وأنَّها بصريَّةٌ من الرُّؤية، وأنَّها عِلْميَّةٌ من الرَّأْيِ، وكلامُ الكِرمانيِّ يُشعرُ بأنَّ مصدرَه أيضًا (رؤيا)، ولا يُعْرَف، وإنَّما الخلافُ هل هو [مصدرٌ] مقصورٌ(1) على الحُلُميَّةِ كما زعمه الحَريريُّ أو يكونُ في البصريَّةِ أيضًا كما هو قولُ الجمهورِ؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} [الإسراء:60]؟ فجَعْلُ الكِرمانيِّ (الرُّؤية) للحُلُميَّة و(الرُّؤيا) للبصريَّة معكوسٌ، قاله البِرْماويُّ، وسيأتي في (التَّفسير) في (سورة بني إسرائيل) [خ¦4714].
          (يُعْرَضُونَ): في موضعِ نصبٍ حالٌ، إنْ جُعلت (رأى) بصريَّةً.
          قال الكِرمانيُّ: (أو حُلُميَّة)(2)، وفيه نظرٌ؛ فإنَّها تَنصبُ الجُزْأَين كما في / قوله: [من الوافر]
أَرَاهُمْ رُِفْقَتِي حَتَّى إِذَا مَا                     تَجَافَى اللَّيْلُ وانْخَزَلَ انْخِزَالا
          فيكون مفعولًا ثانيًا، كما لو جُعلت (رأى) علميَّةً.
          قال الكِرمانيُّ: ويَحتمل رفع «النَّاس»، كقوله: [من الوافر]
رَأَيْتُ(3) النَّاسُ يَنْتَجِعُونَ غَيْثًا                     ........................... /
          وفيه نظرٌ؛ لأنَّ البيتَ ليسَ فيهِ (رأى) حتى يُستشهَدَ به على الرَّفعِ بعدَها، إنَّما هو (سمعتُ: الناسُ) كما رواه الحسنُ بنُ أَسَدٍ وغيرُه، أي: سمعتُ هذا الكلامَ، أي: قولَه، والقولُ يُحذَفُ كثيرًا، كما في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم} [آل عمران:106] أي: فيُقالُ لهم: أكفرتُم؟ فإنْ أرادَ أنْ يكونَ ذلك من باب إلغاءِ فِعْلِ القَلْبِ مع تأخُّرِ المفعولَينِ فممتنعٌ، أو يُؤَوَّلُ إمَّا على أنَّ المفعولَ الأوَّلَ ضميرُ الشَّأنِ، أو أنَّه مِنْ تقديرِ لامٍ معلِّقَةٍ عنِ العملِ.
          (قَالَ: «الدِّينَ»): هو بالنَّصبِ مفعولُ (أَوَّلْتُ)، ويجوزُ فيه الرَّفعُ مشاكلةً / للمبتدأِ، وعلى النَّصبِ اقتصرَ الكِرمانيُّ.


[1] في (ب): (هل هي مقصورةٌ).
[2] كذا في النسختين، وليس في «الكواكب الدراري» (1/119) ما يفيده.
[3] في (أ): (سمعت)، وكتب فوقها: (رأيت).