الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

كتاب القدر

          ░░82▒▒ (كِتَابُ القَدَرِ)
          تنبيهٌ: «إِنَّ أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمَُ»، قال بعضُ المغاربةِ: هوَ برفعِ (القَلَم)، فإنْ صَحَّتِ الروايةُ بنصبِهِ؛ فيكونُ منصوبًا على لغةِ مَنْ يَنصِبُ خبرَ (إِنَّ).
          قال ابنُ مالكٍ: يجوزُ على مذهبِ الكِسائيِّ أنْ يكونَ منصوبًا بـ«كان» المقدَّرةِ، أي: إنَّ أوَّلَ ما خَلَقَهُ اللهُ كانَ القلمَ، وأنشد: [من الرجز]
يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا
          أي: كانتْ رواجعا.
          وقال المغربيُّ: لا يجوزُ أنْ يكونَ (القلمُ) مفعولَ (خَلَقَ) لأنَّ المرادَ: أنَّ القلمَ أوَّلُ مخلوقٍ خَلَقَهُ اللهُ تعالى، ولو جُعِلَ مفعولًا؛ لَوَجَبَ أنْ يُقالَ: إنَّ اسمَ (إِنَّ) ضميرُ الشأنِ، و(أوَّلَ): ظرفٌ منصوبٌ بـ(قال)، فينبغي سُقُوطُ الفاءِ منْ قولِهِ: (فقال)، ويَرجعُ المعنى إلى قوله؛ [أي]: قالَ لَهُ: (اكتب) حينَ خلقَهُ، فلا يكونُ في الحديثِ إخبارٌ بأنَّ القلمَ أوَّلُ مخلوقٍ، كما يَقتضيه معنى الروايةِ الصحيحةِ، ولو صَحَّتِ / الروايةُ بالنصبِ؛ لم تَمنعِ الفاءُ مِنْ تنزيلِ الحديثِ على ذلك المعنى؛ وذلك أنْ يُقدَّرَ قَبْلَ (فقال): أَمَرَه؛ [أي: أَمَرهُ] بالكتابةِ فقالَ: اكتبْ، فيكونُ هو العاملَ في الظرفِ، والجملةُ مفسِّرَةٌ للضميرِ.
          فائدة: حديث: «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى العَجْزُِ والكَيْسُِ» رواهُ مسلمٌ [خ¦2655]، قال عياضٌ: (رويناهُ برفعِ «العجزُ» و«الكَيسُ» عَطفًا على «كُلُّ»، وبجرِّهِما عَطفًا على «شيءٍ») انتهى.
          وقال التُّوربشتيُّ: (والأوجَهُ أنْ تكونَ «حتَّى» في الكسرِ حرفَ خفضٍ بمعنى: «إلى»؛ ومعنى الحديثِ يقتضي الغايةَ؛ كأنَّه أرادَ بذلك: أنَّ أكسابَ العبادِ وأفعالَهُم كلَّها بتقديرِ خالقِهِم حتَّى الكيسَ الَّذي يُوصِلُ صاحبَه إلى البُغيةِ، والعَجْزَ الَّذي يَتَأخَّرُ به عن دَرْكِ البُغيةِ) انتهى.
          وقال ابن قُرْقُول: (بالرفعِ والخفضِ عَطفًا على «كُلُّ» أو «شَيْءٍ»، و«حَتَّى» ههنا بمعنى الواوِ، وتكونُ في الكسرِ حرفَ خفضٍ بمعنى: «إلى»، وهو أحدُ وجوهِهَا).
          وقال السُّخُوميُّ: (يجوزُ الجرُّ فيهما عَطْفًا على «شَيْءٍ»، أو بـ«حتَّى» على أنَّها جارَّةٌ لا عاطفةٌ، ويجوزُ أيضًا الرفعُ فيهما أيضًا عطفًا على «كُلُّ»، أو بأنَّه مبتدأٌ محذوفُ الخبرِ؛ وتقديرُه: حتَّى العَجْزُ والكَيْسُ كذلك، أي: كائنانِ بقُدرةِ اللهِ تعالى). /