الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم

          19- (يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ): قال المالكيُّ: («يُوشِكُ» أحدُ أفعال المقاربةِ، يقتضي اسمًا مرفوعًا، وخبرًا منصوبًا بالمحل لا يكونُ إلَّا فعلًا مضارعًا مقرونًا بـــ«أَنْ»، ولا أعلم تجرُّدَه مِنْ «أَنْ» إلَّا في قول الشَّاعر: [من المنسرح]
يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِهِ                     في بَعْضِ غِرَّاتِهِ يُوَافِقُهَا /
          وقد يُسنَد إلى «أَنْ» والفعلِ المضارع، فيَسُدُّ ذلك مسدَّ اسمِها وخبرِها، وفي هذا الحديث شاهدٌ على ذلك).
          (خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ): يجوزُ فيه وجهان: نصبُ (خَيْرَُ) ورفعُه، ونصبُه هو الأشهرُ في الرِّواية، وهو خبرُ (يَكُونَ) مقدَّمًا، ولا يضرُّ كونُ الاسم _وهو (غَنَمٌ)_ نكرةً؛ لأنَّها موصوفةٌ بقوله: (يَتْبَعُ بِهَا).[6أ]
          وأمَّا الرَّفعُ فبأَنْ تقدِّرَ في (يَكُونَ) ضميرَ الشَّأن، ويكون (خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ [غَنَمٌ]) مبتدأً وخبرًا، وقد رُوِيَ (غَنمًا) بالنَّصب، قاله الكِرمانيُّ.
          وقال ابنُ مالك: (يجوزُ في «خَيْر» و«غَنَم» رفعُ أحدِهما على أنَّه اسمُ «يَكُونَ»، ونصبُ الآخرِ على أنَّه خبرُها، ويجوزُ رفعُهما على أنَّهما مبتدأٌ وخبرٌ في موضعِ نصبٍ خبرًا لـــ«يَكُونَ»، واسمُه ضميرُ الشَّأن؛ لأنَّه كلامٌ تضمَّنَ تحذيرًا وتعظيمًا لما يُتوقَّع، وتقديمُ ضميرِ الشَّأنِ عليه مؤكِّدٌ معناه). /
          وقال الطِّيبيُّ: («غَنَمٌ» نكرةٌ موصوفةٌ هو اسمُ «يَكُونَ»، والخبرُ قولُه: «خَيْرَ مَالِ»، وهو معرفةٌ، فلا يجوزُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرادَ بـــ«المُسْلِمِ» الجنسُ، فلا تعيينَ فيه حينئذٍ، وفائدةُ التَّقديمِ: أنَّ المطلوبَ حينئذٍ الاعتزالُ، وتحرِّي الخيرِ بأيِّ وجهٍ كان، وليسَ الكلامُ في الغنم ولذلك أخَّرَها).
          (يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ): إمَّا جملةٌ حاليَّةٌ وذو الحال هو الضَّمير المستتر في (يَتْبَعُ)، ويَحتمل أن يكون هو (المُسْلِم)، ويجوزُ الحالُ مِنَ المضاف إليه، نحو: {واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النساء:125].
          فإنْ قلتَ: إنَّما يُجعل حالًا من المضاف إليه إذا كان المضافُ جزءًا من المضاف إليه، أو في حُكمه كما في: «رأيتُ وجهَ هندٍ قائمةً»، لا في نحو: «رأيتُ غلامَ هندٍ قائمةً»، والمالُ ليس كذلك قلتُ: المالُ لشدَّةِ مُلابستِهِ بذي المالِ كأنَّه جزء منه.