البيان والتوضيح لمن أخرج له في الصحيح ومس بضرب من التجريح

إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي

          ع ░43▒ إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم(1) الأسدي، أبو بشر البصري، المعروف بابن عُلَيَّة.
          أحد الحفاظ الثقات المتيقظين.
          قال علي بن خشرم: قلت لوكيع: رأيت ابن علية يشرب النبيذ، حتى يحمل على الحمار، يحتاج من يرده إلى منزله. فقال وكيع: إذا رأيت البصري يشرب النبيذ فاتهمه.
          وقال الهيثم بن خالد: اجتمع حفاظ أهل البصرة، فقال أهل الكوفة لأهل البصرة: نحُّوا عنا إسماعيل، وهاتوا من شئتم.
          وضعفه يحيى بن معين في وكيع فحسب.
          وكان ابن المبارك يتَّجر، ويقول: لولا خمسة ما تجرت: السفيانان، وفضيل، وابن السمَّاك، وابن عُلية. فيَصِلُهم، فَقِدَم (سنة)(2) ، فقيل له: قد ولي ابن عُلية القضاء. فلم يأته ولم يصله. فرَكب ابن علية إليه، فلم يرفع به عبد الله رأساً. فانصرف. فلما كان من غد، كتب إليه رقعة يقول: قد كنت منتظراً لِبِرِّك، وجئتك، فلم تكلمني! فما رأيت مني؟ فقال ابن المبارك: يأبى هذا الرجل إلا أن تُقشر له العصا، ثم كتب إليه:
يا جاعل العلم له بازيَّاً                      يصطاد أموال المساكين /
احتَلْتَ للدنيا ولذَّاتها                     بحيلة تذهب بالدِّين
فصِرَت مجنوناً بها بعدما                      كنتَ دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها                       في ترك أبواب السلاطين
أين رواياتك فيما مضى                       عن ابن عون وابن سيرين
إن قلتَ أُكرِهْتَ فذا باطل                      زلَّ حمار العِلْم في الطين
          فلما وقف على هذه الأبيات، قام من مجلس القضاء، فوطئ بساط الرشيد، وقال: اللهَ اللهَ، ارحم شيبتي، فإني لا أصبر على الخطأ.
          قال: لعل هذا المجنون أغرا(3) عليك؟! ثم أعفاه. فوجه إليه ابن المبارك بالصُرة.
          وروينا في بعض الأجزاء أنَّ ابن المبارك كتب إليه بهذه الأبيات لما ولي صدقات البصرة.
          قرأت علي أبي التقى محمد بن أحمد بن محمد، أخبرك أبو الحسين علي بن إسماعيل بن إبراهيم، أنا عبد العزيز بن عبد السلام الإمام، أنا عبد اللطيف بن إسماعيل بن أبي سعد الصوفي، أنا والدي، أنا أبو القاسم علي بن محمد الكوفي، سمعت القاضي أبا مسعود يقول: سمعت أبا الحسن علي بن أحمد البصري الصوفي بصيدا يقول: سمعت أبا الحسين علي بن أحمد بن صالح التمار يقول: سمعت أبا بكر محمد بن / يحيى العدوي يقول: سمعت عبد السميع بن سليمان يقول: سمعت عبد الله بن المبارك يقول _ وقد بلغه عن ابن علية أنه ولي الصدقات بالبصرة _ فكتب بهذه الأبيات:
يا جاعل العلم له بازياً
          فذكرها إلا أنه قدَّم:
أين رواياتك فيما مضى
          على:
أين رواياتك في سردها
          وقال: إنْ قلت أُكرهت فما ذاكراً. قال: فلما بلغت هذه الأبيات إلى ابن عُلَيَّة، بكى واستعفى، وأنشأ يقول:
أُف لدنيا أبتْ تواتيني                      إلا بنقضي لها عُرى ديني
عيني لحيني ضمير مقلتها                     تطلب ما ساءها لترضيني
          ونُسب إليه القول بخلق القرآن، ولم يصح ذلك عنه، وعلى تقدير صحته؛ فقد تاب منه.
          قال عبد الصمد بن يزيد مردويه: سمعت ابن علية يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، وإمامته وثقته لا نزاع فيهما، وحفظه فإليه المنتهى.
          وثقه يحيى بن معين، والنسائي، وغيرهما.
          قال أبو داود السجستاني: ما أحدٌ من المُحدِّثين إلا قد أخطأ، إلا إسماعيل ابن علية، وبشر بن المفضل.
          وقال شعبة: ابن علية سيد المحدثين.
          وقال مَرة: ريحانة الفقهاء.
          وقال عمرو بن زرارة: صحبتُ ابن علية أربع عشرة / سنة فما رأيته ضحك فيها، وصحبته سبع سنين فما رأيته تبسَّم فيها.
          وقال أحمد بن حنبل: إليه المنتهى في الثبت بالبصرة.
          وقال يعقوب بن شيبة: ثبت جداً.
          وقال يحيى بن سعيد: ابن علية أثبت من وهيب.
          وقال عبد الرحمن بن مهدي: ابن علية أثبت من هُشيم.
          وقال أحمد: كان حماد بن زيد يَفْرق من إسماعيل بن علية إذا خالفه.
          وقال حماد بن سلمة: كنا نُشبهه بيونس بن عبيد.
          وقال غندر: نشأت في الحديث يوم نشأت، وليس أحدٌ يُقدَّم في الحديث على إسماعيل ابن علية.
          روى له الشيخان.


[1] قدَّم الترجمة في المخطوط، ثم كتب عليها بالهامش: (مؤخر)، والتزمنا إشارة المصنف ☼، وهو المناسب حسب الترتيب الألفبائي.
[2] في المطبوع: (سنه)، بالهاء وليس بالتاء المربوطة.
[3] لعلها: (أغرى). في المخطوط والمطبوع: (أغرا).