تغليق التعليق

باب كيف كان عيش النبي

          ░17▒ قولُهُ: باب كيف كان عيشُ النَّبيِّ صلعم؟
          حدَّثني أبو نعيم بنحوٍ من نصف هذا الحديث: حدَّثنا عمر بن ذرٍّ: حدَّثنا مجاهد: أنَّ أبا هريرة كان يقول: آلله الذي لا إله إلَّا هو؛ إن كنت لأعتمدُ بكبدي على الأرض من الجوع...؛ الحديث بطوله. [خ¦6452]
          هذا الحديث ليس من شرطنا، وإنَّما أوردته؛ لأنَّ النِّصف الذي لم يسمعه البخاريُّ من أبي نعيم شبه المعلَّق، وقد رواه البخاريُّ في موضع آخر عن أبي نعيم مختصرًا جدًّا، فيحتمل أن يكون ذلك القدر هو الذي سمعه من أبي نعيم وترجم عنه بالنِّصف؛ فيصير باقي الحديث منقطعًا.
          وقد سمعته كاملًا من وجه آخر: قرأت على أبي الفرج عبد الرَّحمن بن أحمد بن مبارك: أخبركم محمَّد بن كشتغديٍّ ومحمَّد بن غالي: أنَّ النَّجيب بن الصَّيْقَل الحرانيَّ أخبرهم عن أحمد بن محمَّد: أخبرنا أبو عليٍّ الحدَّاد: أخبرنا أبو نعيم في «الحلية»: حدَّثنا سليمان بن أحمد: حدَّثنا عليُّ بن عبد العزيز: حدَّثنا أبو نعيم: حدَّثنا عمر بن ذرٍّ: حدَّثنا مجاهد: أنَّ أبا هريرة كان يقول: والله الذي لا إله إلَّا هو؛ إن كنت لأعتمد على كبدي من الجوع، وإن كنت لأشدُّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرَّ بي أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله [تعالى] ما سألته إلَّا ليستتبِعَني، فمرَّ ولم يفعل، ثمَّ مرَّ بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله [تعالى] ما سألته عنها إلَّا ليستتبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثمَّ مرَّ بي أبو القاسم صلعم، فتبسَّم وعرف ما في نفسي(1) وما(2) في وجهي، فقال: «أَبَا هِرٍّ»، فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: «اِلحَقْ»، ثمَّ مضى، واتَّبعته، فدخل، واستأذنته فأذن لي، ودخلت فوجدت لبنًا في قدحٍ، فقال: «مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟»، قالوا: أهداه لك فُلانٌ أو فُلانةٌ، فقال: «أَبا هِرٍّ»، فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: «انْطَلِقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةَ وَادْعُهُمْ» قال: وأهل الصُّفَّة أضياف الإسلام، لا يلوون على أهلٍ ولا مالٍ، إذا أتته صدقةٌ؛ بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هديةٌ؛ أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءَني ذلك وقلت: وما هذا اللَّبن في أهل الصُّفَّة؟ كنت أرجو أن أُصيب من هذا اللَّبن شربةً أتقوَّى بها أنا والرَّسول، فإذا جاؤوا؛ أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللَّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بُدٌّ، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا حتَّى استأذنوا، فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، فقال: «أَبُو هُرَيْرَةَ»، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «خُذْ وَأَعْطِهِمْ»، فأخذت القدح فجعلت أُعطيه الرَّجل، فيشرب حتَّى يروى، ثمَّ يردُّ عليَّ القدح، فأعطيه آخر، فيشرب حتَّى يروى، ثمَّ يردُّ عليَّ القدح حتى انتهيت إلى رسول الله صلعم وقد رَويَ القوم كلُّهم، فأخذ القدح ووضعه على يده ونظر إليَّ، وتبسَّم صلعم وقال: «أَبَا هِرٍّ»، قلت: لبيك يارسول الله قال: «بَقَيْتُ أَنَا وَأَنْتَ»، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «فَاقْعُدْ وَاشْرَبْ»، فقعدت فشربت، فقال: «اشْربْ»، فَشَرِبْتُ، فقال: «اشْربْ»، فشربت، فما زال يقول: «اشْربْ»، فأشربُ حتَّى قلت: لا والذي بعثك بالحقِّ؛ ما أجد له مسلكًا، ثمَّ أعطيته القدح صلعم، فحمد الله وسمَّى، وشرب الفضل.
          رواه النَّسائيُّ عن أحمد بن يحيى الصُّوفيِّ، عن أبي نعيم، فوقع لنا بدلًا عاليًا.
          ورواه الحاكم في «المستدرك» من حديث أبي نعيم أيضًا.


[1] (وعرف ما في نفسي): ليس في المطبوع.
[2] في المطبوع: (وعرف ما).