الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

الدخان

          ░░░44▒▒▒ (الدُّخَانُ)
          ({وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ} [الدخان:54]: أَنْكَحْنَاهُمْ): تقدَّمَ كلامُ البِرماويِّ [خ¦56/6-4373]: أنَّ هذا خلافُ المشهورِ عندَ المفسِّرينَ، بل معناهُ: قَرَنَّاهم، فإنَّ (زوَّج) لا يتعدَّى بالباءِ على الأفصح، قال في «المحكَم»: (يقال: تزوَّجَ امرأةً وبامرأةٍ، وأبى بعضُهم تَعَدِّيه بالباءِ، وقال: ليس من كلام العرب) انتهى.
          ورأيتُ في «حادي الأرواح» لابن القيِّم: ([قوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ}]: قال أبو عُبيدةَ: «جعلناهم أزواجًا» كما يُزوَّج النَّعْلُ بالنَّعْلِ، جَعَلناهمُ اثنينِ اثنينِ، وقال يونُس: قَرَنَّاهم، وليس مِن عَقْد التزويج، قال: والعربُ لا تقولُ: تزوَّجتُ بها، وإنَّما تقولُ: تزوَّجتُها، قال مَن نصرَ هذا القولَ: والتنزيلُ يَدُلُّ على ما قاله يُونُسُ، وذلك قولُه تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:37]، ولو / كانَ على «تزوَّجتُ بها» لكانَ قال: زوَّجناكَ بها، وقال ابنُ سلَّامٍ: تميمٌ تقولُ: تزوَّجتُ امرأةً، وتزوَّجتُ بها، وحكاه الكِسائيُّ أيضًا، وقال الأزهريُّ: تقولُ العربُ: زوَّجتُه امرأةً، وتزوَّجتُ امرأةً، وليس مِن كلامِهِم: تزوَّجتُ بامرأةٍ، قال: وقولُه تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ}، أي: قَرَنَّاهُم، وقالَ الفرَّاءُ: هي لغةُ أزدِ شَنُوءَةَ، قال الواحديُّ: وقولُ أبي عبيدةَ في هذا أحسنُ؛ لأنَّه جَعَله(1) مِنَ التزويجِ الذي هو بمعنى: جَعْلِ الشيءِ زَوجًا، لا بمعنى عَقْدِ النِّكاحِ، ومِن هذا يجوزُ أنْ يُقالَ: كان فردًا فزوَّجتُه بآخَرَ، كما يُقال: شَفَعْتُه بآخَرَ(2)، وإنَّما تمتنعُ الباءُ(3) عندَ مَن يمنعُها إذا كانَ بمعنى: عَقْدِ التزويج.
          قلتُ: ولا يمتنعُ أنْ يُرادَ الأمرانِ معًا،[85ب] فلفظُ «التزويجِ» يدُلُّ على النِّكاحِ، كما قال مجاهدٌ: «أنكحناهمُ الحُورَ»، ولفظُ الباءِ يَدُلُّ على الاقترانِ والضمِّ، وهذا(4) أبلغُ مِنْ حذفِها) انتهى.


[1] في (أ): (جعل)، والمثبت من مصدره.
[2] في (أ): (بأُخرى)، والمثبت من مصدره.
[3] في (أ): (البناء).
[4] في (أ): (هذا) بغير عاطف.