الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

{حم} الزخرف

          ░░░43▒▒▒ (حَم الزُّخْرُفِ)
          ({يَعْشُ} [الزخرف:36]: يَعْمَى): قال السفاقسيُّ: يجبُ أنْ تكونَ القراءةُ عليه بفتحِ الشينِ، قلتُ: كذا قال ابنُ قُتيبةَ، فإنَّه حكى قولَ أبي عُبيدةَ على قراءةِ الضمِّ أنَّه تُظْلِمُ عَينُه، قال: وقال الفرَّاءُ: يُعرِض عنه، وقال: ومَن قرأَ ▬يَعْشَ↨ بنصبِ الشينِ أراد: يَعْمَ(1) عنه، قال: ولا أرى القولَ إلَّا قولَ أبي عُبيدةَ، ولم أرَ أحدًا يُجيزُ: (عَشَوْتُ عنِ الشيءِ): أعرضتُ عنه، إنَّما يُقالُ: (تعاشيتُ عن كذا): تغافلتُ عنه كأنِّي لم أَرَهُ، ومثلُه: (تعاميتُ)، ورجَّحَ غيرُه قولَ أبي عُبيدةَ، فإنَّه إنَّما / يُقالُ: (عشى) إذا مشى ببصرٍ ضعيفٍ، ونظيرُه (عَرَجَ): مَشَى مِشيةَ الأعرجِ، و(عَرَجَ): صارَ أعرجَ، فكذلكَ عَشَى يَعْشى: إذا عَمِيَ.
          إشارةٌ: {وَقِيلِهِ يَارَبِّ} [الزخرف:88]: قال البخاريُّ: (تَفْسِيرُهُ: أَيَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، وَلَا نَعْلَمُ قِيلَهُمْ؟) انتهى.
          قال الزركشيُّ: (هذا يقتضي أنَّه فَصَلَ بينَ المتعاطفَينِ بجُمَلٍ كثيرةٍ، وينبغي حملُ كلامِهِ على أنَّه أرادَ تفسيرَ المعنى، ويكونُ التقدير: ويَعلمُ قيلَه، فحذفَ العاملَ، وقال السفاقسيُّ: هذا التفسيرُ أنكرَهُ بعضُهُم، وقال: إنَّما يصحُّ ذلك لو كانتِ التلاوةُ: «وَقِيلَهُمْ»، وقيل: المعنى: «إلَّا مَنْ شَهِدَ بالحقِّ، وقال قيلَه:[85أ] يا ربِّ؛ إنَّ هؤلاءِ قومٌ لا يؤمنون!» على الإنكارِ) انتهى.
          وقال والدي ⌂: ({وَقِيلِهِ}... إلى أنْ قال: «وَلَا نَسْمَعُ قِيلَهُمْ»، أي: أنَّه منصوبٌ على العطفِ على المفعولِ. انتهى. وقد قرأَ بالنصبِ مَن عدا عاصمٍ وحمزةَ(2)، وقيل: إنَّه منصوبٌ على المصدرِ، أي: مَن شَهِدَ وقال قيلَه، وقد قرأَهُ عاصمٌ وحمزةُ بخفضِ اللَّامِ، وكسرِ الهاءِ، بالعطفِ على {السَّاعَةِ} [الزخرف:85]، أي:(3) علمُ / قيلِه، وقيل: على القَسَم) انتهى كلام والدي.
          واعلم [أنَّا] إذا قلنا: إنَّ الواوَ للقَسَمِ؛ فالجوابُ إمَّا محذوفٌ، تقديرُه: لَتُنْصَرُنَّ، أو لَأفعلَنَّ بهم ما أُريدُ، وإمَّا مذكورٌ؛ وهو قولُه: {إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ} [الزخرف:88]، ذكرَهُ الزمخشريُّ.
          وأمَّا قراءةُ النصبِ ففيها ثمانيةُ أوجُهٍ:
          أحدُها: أنَّه منصوبٌ على محلِّ {السَّاعَةِ} كأنَّه قيلَ: إنَّه يعلَمُ الساعةَ، ويعلَمُ قِيلَهُ كذا.
          الثاني: أنَّه معطوفٌ على {سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} [الزخرف:80]، أي: لا نَعْلَمُ سِرَّهم ونجواهُم، ولا نَعلَمُ قِيلَهُ.
          الثالثُ: عطفٌ على مفعولِ {يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] المحذوفِ، أي: يكتبونَ ذلك، ويَكتُبُونَ قِيلَهُ كذا أيضًا.
          الرابعُ: أنَّه معطوفٌ على مفعولِ {يَعْلَمُونَ} [الزخرف:86] المحذوفِ، أي: يَعلَمونَ ذلك، ويَعلَمونَ قِيلَه.
          الخامسُ: أنَّه مصدرٌ، أي: قال قِيلَهُ.
          السادسُ: أنْ ينتصِبَ بإضمارِ فعلٍ، أي: اللهُ يعلَمُ قيلَ رسولِه، وهو محمَّدٌ صلعم.
          السابعُ: أنْ ينتصِبَ على محلِّ {بِالْحَقِّ} [الزخرف:86]، أي: شَهِدَ بالحقِّ وبقيلِه.
          الثامنُ: أنْ ينتصبَ على حذفِ حرفِ القَسَمِ. /
          وقرأَ الأعرجُ، وأبو قِلابةَ، ومجاهدٌ، والحسنُ: بالرفعِ، وفيه أوجهٌ فانظرِ المطوَّلات.


[1] في (أ): (يعمى)، والمثبت من «معاني القرآن»، على تقدير الشرط (مَن).
[2] زيد في (أ) تبعًا لما في «التلقيح»: (والكسائي)، وكذا في الموضع اللاحق، وليس بصحيح، انظر «النشر» (2/277).
[3] زيد في (أ): (على)، ولا يستقيم.