المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

باب يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين

          ░10▒ باب يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين، ولا يصرف من موضع إلى غيره.
          قال البخاريُّ: قضى مروان باليمين على زيد بن ثابت على المنبر ثم قال: أحلف له مكاني، فجعل زيد يحلف، وأبى أن يحلف على المنبر، فجعل مروان يعجب منه، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «شاهداك أو يمينه» / ،فلم يخص مكانًا دون مكان.
          قال المهلب: وهذا أيضًا مما خالف فيه البخاريُّ مذهبنا، وعجبًا منه أن يذكر إبايةَ زيد رضي الله عنه من اليمين على المنبر، ويجعل ذلك دليلًا على أنه لا تجب اليمين على المنبر، ولو كان ذلك كما ظن لصدع بذلك زيد، واحتج به على مروان الذي قضى عليه في المدينة وفيها ملأ من أصحاب الرسول عليه السلام، وهم الذين قال لهم الله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110]، أفتراهم كانوا يدعون مروان يقضي عليه بالمنكر، وهم كما وصفهم ربهم به من النهي عنه! أو ترى زيدًا لو علم أنه منكر كان يترك إنكاره والنهي عنه! لا، والذي شهد لهم بالنهي عن المنكر، بل نقول: إن إباية زيدٍ دليلنا على تهيبه رضي الله عنه ما دعي إليه من اليمين على منبر الرسول وتعظيمًا له، كما تهيب عمر الفاروق رضوان الله عليه اليمين خشية أن يوافق قدرًا، فيقال بيمينه.
          ثم دليلنا الآخر من كتاب الله الذي لَا يَأتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، وذلك قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ} [المائدة:106]، اشتراطه تعالى من بعد الصلاة فيه دليل على تحليفهما في المسجد، إذ فيه تكون الصلاة ولها(1) بُني واتخذ؛ لأن اشتراطه تعالى بعد الصلاة بين الأوقات دليل على أنه يشترط من المواضع أعظمها كما اشترط تعالى من الأوقات أعظمها، وإلا؛ فالانفصال، ولا انفصال، والله الموفق.
          وأما قوله عن الرسول عليه السلام: «شاهداك أو يمينك» ولم يخص مكانًا دون مكان فيقال له: فكذلك أيضًا أو يمينه، ولم يخص يمينًا دون يمين، فلو حلف الحالف برب اللات والعزى أو قال: والرحيم أو الغفور أو العزيز؛ لكانت يمينًا على الحقيقة لكنها لا يقنع بها منه حتى يأتي بما اشترط الله في كتابه بقوله، فيحلفان بالله ويُقْسِمَانِ بِاللهِ، فخص يمينًا من بين الأيمان كما خص وقتًا من بعد الصلاة؛ تعظيمًا لليمين به عز وجهه، وكما دلنا بذلك على اختصاص المكان، والله ولي التوفيق.


[1] زيد في الأصل: (ما)، ولعل الصواب حذفها.