الكوكب المنير الساري في ختم صحيح البخاري

يحشر الناس على ما ماتوا عليه

          وقال أبو حامد في «كشف علوم الآخرة»: ومن الناس من يُحشر بفتنته الدنيوية: فقوم مفتتنون بالعود معتكفون عليه دهرَهم، فعند قيام أحدهم من قبره فيأخذه بيمينه فيطرحه من يده، ويقول له: سحقًا لك شغلتني عن ذكر الله، فيعود إليه ويقول: أنا صاحبك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، وكذلك يُبعث السكران سكرانًا من قبره، والزامر زامرًا، وكل واحد على الحال الذي صده عن سبيل الله(1).
          وقال: ومثله الحديث الذي روي في «الصحيح»: «إنَّ شَارِبَ الخَمرِ يُحشَرُ والكُوزُ مُعَلَّقٌ في عُنُقِه والقَدَحُ بِيَدِه، وهو / أَنتَنُ من كُلِّ جِيفَةٍ على الأَرضِ، يَلعَنُه كُلُّ مَن يَمُرُّ به من الخَلقِ»(2).
          وقال أيضًا في هذا الكتاب: فإذا [استوى](3) كل واحد قاعدًا على قبره فمنهم العريان والمكسو، والأبيض والأسود، [ومنهم من يكون له نور كالمصباح الضعيف] ومنهم من يكون كالشمس، لا يزال كل واحد منهم مطرقًا رأسه[لا يدري ما يصنع به](4) ألف عام، حتى تقوم من المغرب نار لها دوي، فيندهش لها رؤوس الخليقة إنسًا وجنًا، وطيرًا ووحشًا، فيأتي كل واحد من المخاطبين عملُه ويقول له: قم فانهض إلى المحشر، فمن كان له حينئذ عمل جيد شخص له عمله بغلاً، ومنهم من شخص له عمله حمارًا، ومنهم من شخص له عمله كبشًا، تارة يحمله وتارة يلقيه.
          ويجعل لكل واحد منهم نور يسعى(5) بين يديه وعن يمينه مثله، يسرى بين يديه في الظلمات، وهو قوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم}[الحديد:12].
          وليس عن شمائلهم نور بل ظلمة حالكة لا يستطيع البصر نفادها، يحار فيها الكفار ويتردد المرتابون، والمؤمن ينظر إلى قوة حُلْكِها وشدة حِنْدِسها(6)، ويحمد الله تعالى على ما أعطاه من النور المهتدي به في تلك الشدة يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، لأن الله تعالى يكشف للعبد المؤمن المنعم عن أحوال الشقي المعذب ليبين له سبيل الفائدة، كما فعل بأهل الجنة وأهل النار، حيث يقول: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ} [الصافات:55] وكما قال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأعراف:47].
          ومن الناس من يبقى على قدميه، وعلى طرف بنانه نور يطفأ مرة ويشعل أخرى، وإنما هم عند البعث على قدر أعمالهم وإيمانهم(7).
          وعن جابر، عن محمد بن علي، عن ابن عباس وعلي بن الحسين أنَّ رسولَ اللهِ صلعم قال:«أَخبَرَني جِبريلُ ◙ أنَّ: لا إلَه إلَّا اللهُ أُنسٌ للمُسلِمِ عندَ المَوتِ وفي قَبرِه وحينَ يَخرجُ / من قَبرِه، يا مُحمَّدُ، لو تَراهُم حينَ يَمرقُونَ من قُبورِهم يَنفُضونَ رُؤوسَهم ويَقولونَ:لا إلَه إلَّا اللهُ والحمدُ للهِ فَتَبيضُّ وُجوهَهم، وهذا يُنادي: يا حَسرَتاهُ على ما فَرَّطتَ في جَنبِ اللهِ مُسوَّدَّة وُجوهُهم»(8).
          وقال صلعم : «ليسَ على أَهلِ لا إلَه إلَّا اللهُ وَحشةٌ عندَ المَوتِ ولا في قُبورِهم ولا في مَنشَرهم، كأنِّي بأَهلِ لا إلَه إلَّا اللهُ يَنفُضونَ التُرابَ عن رُؤوسِهم وهم يَقولونَ: الحمدُ للهِ الذي أَذهَبَ عنَّا الحَزَنَ»(9).
          وقال صلعم : «تَخرجُ النَّائحَةُ من قَبرِها يومَ القِيامَةِ شَعثاءُ غَبراءَ عليها جِلبابُ من لَعنةِ اللهِ ودِرعٌ من نارٍ، يَدُها على رَأسِها تَقولُ: يا وَيلَتاهُ»(10).
          رواه ابن ماجه ومسلم ☻ عن أبي مالك الأشعري ☺ قال: قال رسول الله صلعم : «النِّياحَةُ من أَمرِ الجَاهِلِيَّةِ، وإنَّ النَّائحَةَ إذا ماتَت قَطَعَ اللهُ لها ثِيابًا من نارٍ ودُروعًا من لَهَبِ النَّارِ»(11).
          وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللهِ صلعم : «هذِه النَّوائحُ يُجعَلنَ يومَ القِيامَةِ صَفَّينِ:صّفًّا عن اليَمينِ، وصَفًّا عن الشِّمالِ، يَنبَحنَ كما تَنبَحُ الكلابُ في يومٍ كانَ مِقدارُه خَمسينَ ألفَ سَنةٍ، ثم يُؤمَرُ بهنَّ إلى النَّارِ»(12) أعاذنا الله من ذلك.


[1] «الدرة الفاخرة» ص 64- 65.
[2] لم نقف عليه، وانظر «التذكرة» ص 526، و«الدرة الفاخرة» ص 44 ـ 45.
[3] ما بين معقوفين زيادة من «التذكرة».
[4] ما بين معقوفين زيادة من «التذكرة».
[5] في «التذكرة»، و«الدرة الفاخرة»: «نور شعاعي».
[6] «الحندس»: الشديد الظلمة.
[7] إلى هنا النقل من التذكرة ص 526 – 527، و«الدرة الفاخرة» ص41 ـ 42.
[8] لم نقف عليه وانظر «التذكرة» ص 495، وعزاه إلى كتاب «الديباج» للختلي ولم نقف عليه في فيه، ولعله في القسم المفقود منه.
[9] أخرجه الطبراني في «الأوسط»(9445) والبيهقي في «الشعب» (99) والحكيم الترمذي في «النوادر» (1090) من حديث ابن عمر ☺ ، وضعفه السخاوي في «المقاصد الحسنة» (918)، وانظر «التذكرة» ص 495.
[10] أخرجه ابن النجار كما في «كنز العمال» (42454) من حديث أنس ☺ وضعفه.
[11] ابن ماجه (1581)، ومسلم (934).
[12] أخرجه الثعلبي في «تفسيره» 9/298، والطبراني في «الأوسط» (5229) من حديث أبي هريرة ☺ ، وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» وقال وفيه سليمان بن داود اليماني وهو ضعيف، وانظر «التذكرة» ص 496.