الكوكب المنير الساري في ختم صحيح البخاري

المقدمة

          ♫
          وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
          الحمد لله الذي رسمَ في جميع مصنوعاته على وجوده وكمالِه دليلاً، ووسمَ بالعجز سائرَ مخلوقاته، فكلُّ ما تَراه تَراه مُفتقِرًا ذليلاً، وحسمَ الأفكارَ عن الإحاطة بذاته وصفاتِه فلم يجعلْ لها إليه سبيلاً، الحيِّ العليم، القدير المريد، السميع البصير، المتكلم الملك الكبير، لا يدركه الوَهم تَكيِيفًا، ولا يحدُّه الفِكر تَمثيلاً، تعالى ذو الملكِ والملكوتِ، ولم يزلْ ولا يزال عظيمًا مقتدرًا جليلاً، من شبَّهَه بخلقِه فقد شابَه عبدة الأوثان وأضحَى إيمانُه عليلاً، ومَن نفَى عنه صفاتِ الكمالِ فقد أتى جُحودًا وتعطيلاً، تقدَّس ذو العزةِ والجبروتِ فلا تستطيعُ الأوهامُ إليه وصولاً، قسَم عطاءَه بين خلقِه فجعلَ منهم كافرًا ومؤمنًا، ومعرضًا ومقبلاً، ومردودًا ومقبولاً {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:21]. وفَّقَ مَن ارتضاهُ لخدمتِه وأعدَّ له أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلاً وبوَّأه دارَ رضوانِه وأكرمَ مَثواهُ فجعلَ له دارَ فضلِه مَقيلاً(1) {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً} [النساء:57].
          أحمدُه سبحانه وتعالى على نعمِه التي لا تُحصى جملةً وتفصيلاً، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا ضد له ولا ند له، إلهٌ لم يزلْ ولا يزال على كلِّ شيءٍ رقيبًا ووَكيلاً، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا وحبيبَنا، وشفيعَنا وهادينا ومُهدينا، وكنزنا وذُخرنا ووسيلتَنا، واعتقادَنا ومنقذَنا من الضلالة محمدًا صلى الله عليه وسلم عبدُه ورسولُه ونبيُّه وحبيبُه، أصدقُ العاملين قولاً وقيلاً، وأفضلُ المخلوقات فرعًا وأصلاً ونبيًّا ورسولاً، نبيٌّ سقى الله بغيث هداهُ قلبَ مَن هداه فأضحى بالعروة الوُثقى(2) مَوصولاً، سلَّم عليه الحجرُ والشجر وانشقَّ له القمرُ، وزادَه مولاهُ تكريمًا وتَبجيلاً، وأنزل عليه / في مُحكَم كتابه العزيز تَبيينًا لشأنه وتفضيلاً {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:1-2].
          اللهمَّ فصلِّ وسلِّم على هذا النبيِّ الكريمِ، والرسولِ السيد السند العظيم، سيدِنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأحبابه، الذين نالوا بصحبته ومحبَّته فضلاً جزيلاً، صلاة وسلامًا دائمَين متلازمَين بكرة وأصيلاً وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
          أما بعد: فيقول العبد الفقير المعترف بالعجز والتقصيرِ، المستمدُّ [من] غنَى مولاهُ الغنيِّ القديرِ، راجي لطفَ ربِّه البصيرِ السامعي، عليُّ بن إبراهيمَ الستوتي النحريري الشافعي، وفَّقه الله لما يُحبه ويرضاه، وخَتم بالصالحات أعمالَه وستَره في دنياه وأُخراه: لمـَّا منَّ الله تعالى عليَّ بالتدريس في (جامع السعدي) المعمور بذكر الله المعيدِ المبدي، لزمَ عليَّ ختمٌ لطيف بعد قراءتي لكتاب «البخاري» المحررِ المنيف.
          فجمعت هذا المجموع من «تذكرة» القرطبي المحررة، ومن غيرها من الكتب المعتبرة، مشتملاً على ذكر يوم البعث والقيام، وما يكون فيه من الكروب والأهوال العظام، ودخول الجنة دار السلام، وصفتها وما فيها من الإنعام والإكرام، ليكون سببًا للوصول إلى الطريق الواضح لمن أراد الله توفيقه وهدايته إلى العمل الصالح، وقد جاء بعون الله تعالى مفيدًا للطالبين وموعظة للمتقين، مع عجزي عن الإتيان بمثل ذلك والدخول والخوض في هذه المسالك.
          وسميته: (الكوكب المنير الساري في ختم كتاب صحيح البخاري)
          وأنا أسأل الله العظيم من فيض فضله العميم، أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن يغيثني على حسن اختتامه بفضله وإنعامه إنه المحسن الكافي.
          فأقول بعد أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم:


[1] في المخطوط: مقيلا لهم جنات. . . . الآية وهو سبق قلم من الكاتب بلا ريب.
[2] في المخطوط: (بعروة الوسقى).