افتتاح القاري لصحيح البخاري

حجة تفضيل بعض العلماء لمسلم ورد المصنف عليها

          وقال الحافظ أبو عليٍّ الحسينُ بن عليٍّ النَّيسابوريُّ: (ما تحت أديم السَّماء أصحُّ من كتاب مسلمٍ في علم الحديث).
          وذهب إلى تفضيله أيضًا بعضُ أهل المغرب، وحكى القاضي أبو الفضل عِيَاضٌ عن أبي(1) مروان الطُّبْنيِّ _وهو عبد الملك/ بن زيادة الله بن علي الحِمَّانيُّ السَّعديُّ التَّميميُّ_ قال: (كان من شيوخي من يُفَضِّلُ كتاب مسلمٍ على كتاب البخاريِّ). [انتهى](2).
          [قال مُصنِّفه عفا الله عنه](3) :
          ومِن حُجَّةِ من فضَّل كتاب مسلمٍ أنَّ مسلمًا جرَّد الصَّحيح، ويورده كاملًا بِطُرُقِهِ وألفاظِهِ وزياداتِهِ في مكانٍ واحدٍ، فيَسهُل على الطَّالب النَّظرُ في ذلك كلِّه عند وقوفه عليه، بخلاف البخاريِّ، فإنَّه يفرِّق الأحاديث، وزيادة ألفاظها في أبوابٍ شتَّى وأماكنَ متباعدةٍ، وكثيرٌ منها يَذْكُرُهُ في غير بابه الذي يسبق إلى الفهم أنَّه أولى به، فيَصْعُبُ على الطَّالب النَّظرُ في جميع طُرُقه ووجوهه المختلفة.
          ومِن حجَّتهم أيضًا أنَّ البخاريَّ يذكر التَّعليقات كثيرًا في أبوابه.
          والجواب:
          أنَّ هذا ليس يقتضي تقديم صحيح مسلمٍ على صحيح البخاريِّ، بل هو أصحُّ منه وأكثرُ فوائد، وتفريقه الأحاديثَ في أبوابٍ مختلفةٍ لدقيقةٍ / عظيمةٍ يفهمها البخاريُّ منه.
          وأيضا فإنَّ البخاريَّ اتَّفق العلماءُ على أنَّه أجلُّ مِن مسلمٍ، وأعلمُ بعلل الحديث وأنواعِه منه، ولقد قال إسحاق بن راهُويَه _وكان البخاريُّ جالسًا معه_ : (يا معشر أصحاب الحديث انظروا إلى هذا الشَّابِّ واكتبوا عنه؛ فإنَّه لو / كان في زمن الحسن بن أبي الحسن لاحتاج إليه النَّاس؛ لمعرفته بالحديث وفقهه).
          وأمَّا احتجاجهم بالتَّعليقات فقد وقعت أيضًا في صحيح مسلمٍ في أربعة عشر موضعًا، فيما ذكره الحافظ أبو عليٍّ الغسَّانيُّ، لكن رواها مسلمٌ متَّصلةً ثمَّ عقَّبها بقوله عند كلِّ موضعٍ: (ورواه فلان)، يذكره تعليقًا، إلَّا موضعًا واحدًا ذكره تعليقًا في التَّيمُّم فقال: وروى اللَّيث بن سعدٍ [عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرَّحمن بن هُرْمُزَ عن عُمَيْرٍ مَولَى ابن عبَّاسٍ أنه سمعه يقول: أقبلتُ أنا وعبدُ الرَّحمن بن يَسَارٍ مولَى مَيْمُونَةَ زوج النَّبيِّ صلعم حتى دخلنا على أبي الجَهْم بن الحارث بن الصِّمَّة الأنصاريِّ ☻ / فقال أبو الجهم](4) : «أقبل رسول الله صلعم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلَّم عليه فلم يردَّ عليه رسول الله صلعم حتى أقبل على الجدار، فمسح وجهَه ويديه، ثمَّ ردَّ ◙».
          [وهذا قد تُكلِّم فيه في ثلاثة مواضع:
          أحدها: تسمية مولى ميمونة بعبد الرَّحمن، وإنَّما هو عبد الله بن يسار، وهكذا سمَّاه البخاريُّ في روايته هذا الحديث وأبو داود والنَّسائيُّ.
          والثاني: قوله: على أبي الجَهم، قيل: هو غلط، وصوابه: على أبي الجُهَيم _بالتَّصغير_ لكنَّ الذَّهبي في ((التجريد)) قال: ويقال: أبو الجَهْم، كان أبوه من كبار الصَّحابة.
          وقال المزِّيُّ: قيل: اسمه: عبد الله، وهو ابن أخت أُبيِّ بن كعب.
          والثالث: انعطافه بين مسلمٍ والليث]
(5).
          ولم يوصله مسلم كغيره من التَّعليقات.
          ووصله البخاريُّ في ((صحيحه)) فقال: حدَّثنا يحيى بن بُكَير: حدَّثنا اللَّيث... فذكره.


[1] في الأصل (ابن) وهو تصحيف.
[2] زيادة من الأصل.
[3] زيادة من (ب).
[4] في (ب) بدل ما بين معقوفين: (عن جعفر بن ربيعة فذكر حديث أبي الجهم بن الحارث بن الصِّمة ☺:).
[5] ما بين معقوفين زيادة من النسخة الأصل، وليست في (ب) ولا المطبوع.