افتتاح القاري لصحيح البخاري

المستخرجات وفوائد وذكر بعضها

          وقد خُرِّجَتْ كتبٌ على الصَّحيحين فيها فوائد منها:
          زيادة / ألفاظ كتتمَّة لمحذوف، أو زيادة شرح في حديث ونحو ذلك، وهي صحيحة أيضًا، وربَّما دلَّت على زيادة حكم.
          ومنها: علوُّ الإسناد.
          وهاتان الفائدتان اقتصر الحافظ أبو عَمرو ابن الصَّلاح عليها [من الفوائد التي أشار إليها](1).
          وزاد شيخُنا أبو الفضل ابن العراقيِّ ثالثة وهي:
          قوَّة الحديث بكثرة الطُّرقِ للتَّرجيح عند المعارضة. /
          وزدتُ عليهما من الفوائد عدَّة من فوائد المستخرجات.(2)
          فمنها: وصل تعليق علَّقه الشَّيخان أو أحدهما.
          ومنها: بيان من تابع من الرُّواة الرَّاوي من رجال الصَّحيحين على حديثه.
          ومنها: معرفة اتِّفاقهما أو اختلافهما في الحرف أو الحرفين فصاعدًا.
          ومنها: بيان الزِّيادة التي على لفظ الصَّحيحين أو أحدهما مِنْ حديث مَنْ وقعت، وهل انفرد بها أم لا؟ كما في ((الصَّحيح المخرَّج على صحيح البخاريِّ)) للإمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيليِّ في [أوَّل الصَّحيح قال: أخبرني أبو أحمد هارون بن يوسف بن هارون بن زياد: حدَّثنا ابن أبي عمر: حدَّثنا سفيان ومروان بن معاوية وعبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التَّيميِّ فذكر حديث: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» كاملًا، ثمَّ قال: قلتُ: لم يكن في حديثه عن ابن عيينة: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وحدَّث به البخاريُّ في أوَّل صحيحه عن الحميديِّ عن سفيان، فذكره مختصرًا كرواية العدنيِّ، فظهر بهذا أنَّ المختصِر للحديث سفيان بن عيينة دون مَن ذكر معه والله أعلم]. (3)
          [و] مثال للزيادة (باب التَّكبير إذا قام من السُّجود) من حديث عبيد الله بن موسى/ عن همَّام، عن قتادة، عن عكرمة قال: صلَّيت خلف شيخ بمكَّة فكبَّر ثنتين وعشرين تكبيرة في(4) صلاة الظُّهر، فذكرتُ ذلك لابن عبَّاس، فقال: ثكلتك أمُّك! تلك سنَّة أبي القاسم صلعم. [خ¦788]
          فقوله: (في صلاة الظَّهر) ليست في حديث موسى بن إسماعيل شيخ البخاريِّ الذي حدَّث عنه بهذا الحديث في الباب المذكور عن همَّام.
          فظهر لنا أنَّ قوله: (في صلاة الظُّهر) وقع من حديث عُبيد الله بن موسى.
          وخرَّجه الإسماعيليُّ أيضًا في الباب المذكور من ((صحيحه)) بهذه الزِّيادة من حديث يزيد بن زُريع [واللَّفظ له] وعبدة بن سليمان [كلاهما] عن سعيد، عن قتادة، [أنَّ عكرمة حدَّثهم أنَّه قال لابن عبَّاس: صلَّيتُ وراء شيخٍ أحمق صلَّى الظُّهر فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة فذكر الحديث، ورواه أيضًا من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة] (5) فذكره بالزِّيادة المذكورة، فعلمنا بهذا أنَّ للزِّيادة أصلًا، وأنَّ عبيد الله بن موسى لم ينفرد بها.
          وللحديث طرق.
          ومن فوائد المستخرجات أيضًا ذكر قصَّةٍ في الحديث لم تقع للبخاريِّ / في ((صحيحه)) مثلًا، ووقعت في المستخرج كما في صحيح الإسماعيليِّ في باب: (استواء الظَّهر في الرُّكوع)(6) من حديث [أبي بكر بن أبي شيبة عن] (7) غُنْدر، عن شعبة عن / الحكم أنَّ مطر بن ناجية لمَّا ظهر على الكوفة أمر أبا عبيدة أن يصلِّيِ بالنَّاس، فكان إذا رفع رأسه من الرُّكوع أطال القيام قدر ما يقول: اللَّهمَّ ربَّنا لك الحمد، مثل قول عبد الله بن مسعود.
          وقال شعبة: قال الحكم: فحدَّثت ابن أبي ليلى فحدَّث عن البراء ☺ قال: «كانت صلاة رسول الله صلَّى الله عيه وسلَّم إذا صلَّى فركع، وإذا رفع رأسه من الرُّكوع وإذا سجد فرفع رأسه بين السَّجدتين قريبًا من السَّواء».
          وحدَّث بهذا الحديث البخاريُّ في ((صحيحه)) [خ¦792] في الباب المذكور عن بَدَلِ بْنِ الْمُحَبَّرِ، حدَّثنا شعبة... فذكر المسنَد فقط دون القصَّة.
          [ومنها: زوال شكٍّ وقع، كما خرَّج البخاريُّ تعليقًا من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، فَذَكَرَ حديثَ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ» الحديث، فخرَّجه أبو بكر الإسماعيليُّ عن أبي عامر الأشعريِّ من غير شكٍّ.
          وأبو عامر الأشعريُّ ثلاثة، أحدهم هذا، واختُلف في اسمه فقيل: عبيد بن وهب، وقيل: عبد الله بن وهب، وقيل: ابن هاني/، وقيل: ابن عمَّار، وهو والد عامر بن أبي عامر الأشعريِّ نزل الشَّام، وتوفي في خلافة عبد الملك بن مروان]
. (8)
          ومنها: رفع إشكال حَصَل(9) في لفظ من الصَّحيحين أو أحدهما كما في ((صحيحي البخاري ومسلم)) من حديث يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عن الوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو ابْنِ حَلْحَلَةَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رضوان الله عليهما لَقِيَهُ المِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ...الحديثَ، وفيه: «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ☺ خَطَبَ بنتَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلعم وهو يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ» الحديث.
          فقوله: (محتلم) فيه إشكال؛ لأنَّ المِسْوَر وُلد في السَّنة الثَّانية من الهجرة بعد مولد ابن الزُّبير فلم يُدرك من حياة النَّبيِّ صلعم إلَّا نحو ثمان / سنين، فكيف يكون محتلمًا حين سمع هذه الخطبة؟!
          فخرَّج الإسماعيليُّ هذا الحديثَ في ((صحيحه)) / عن أحمدَ بنِ الحسن بن عبد الجبَّار، عن يحيى بنِ معين عن يعقوبَ بنِ إبراهيم فذكره، وفيه: أنَّ المِسْوَر قال: وأنا يومئذٍ كالمحتلم.
          ووجدتُ في ((أطراف الصَّحيحين)) لخلفٍ الواسطيِّ بخطِّ الحافظ أبي عليٍّ البَرَدَانِيِّ في حديث المِسْور هذا من المتَّفق عليه حديث أنَّ عليًا خطب بنت أبي جهل على فاطمة، فسمعت النَّبيَّ صلعم يخطب النَّاس وأنا يومئذٍ كالمحتلم، فقال: «إنّ فاطمة منِّي». وذكره مختصرًا وعزاه بطُرقه.
          [ومنها: بيان مدرج وُصِلَ أوبعض متن فُصِلَ، كما جاء في الصَّحيحين من حديث ابْنِ شِهَابٍ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنَ المُسَيِّبِ يَقُولاَنِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺: إِنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ المَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ (10) بْنِ هِشَامٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، كَانَ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، / ثُمَّ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ: «وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ فِيهَا، حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ». لفظ البخاريِّ [خ¦5578]، وفي رواية مسلم: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُحَدِّثُهُمْ هَؤُلَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ: «وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً...» وذكر بقيَّته.
          فقوله: (وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ: «وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً...») الحديث، يُفهم من ظاهره أنَّ ذلك من قول أبي هريرة أدرجه في الحديث، وليس كذلك، بل هو بعض المتن المذكور، فُصِلَ منه في هذه الرِّواية، وقد خرَّجه الحافظ أبو نُعيم أحمد بن عبد الله الأصبهانيُّ في ((مستخرجه على صحيح مسلم)) من حديث مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرفوعًا، وفي آخره قَالَ:«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنْتَهِبُ أَحَدُكُمْ...» وذكر الحديث، فهذا تصريح برفع ما فُصل منه.
          ورواية همَّام خرَّجها مسلم أيضًا، لكنَّها غير مصرَّحةٍ بذلك تصريحًا ظاهرًا، وذلك من حديث معمر عن همَّامٍ عن أبي هريرة، وصفوان بن سُليم عن عطاء بن يسار وحُميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة، والعلاء بن عبد الرَّحمن عن أبيه عن أبي هريرة ☻ عن النبيِّ صلعم، هكذا جمع الرُّواة مختصِرًا للحديث ثم قال: كلُّ هؤلاء بمثل حديث الزُّهريِّ غير أنَّ العلاء وصفوان بن سُليم ليس في حديثيهما: «يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ»، وفي حديث همَّام: «يَرْفَعُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ». فظهر برواية أبي نُعيم أنَّ قول أبي بكرٍ: (وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ) معناه يلحِقُ معهنَّ ذلك روايةً مرفوعةً، لا من قوله والله أعلم]
.(11)
          وقد يُلْحَق بهذه الفوائد التي ذكرتها والتي قبلها فائدة أخرى(12) وهي أنَّه من فاته مثلًا سماع الصَّحيحين أو أحدهما قد يصلُ إلى ذلك بأحاديثه وتراجمه بسماع أحد الكتب المستخرجة على الكتاب الذي فاته سماعه، والله أعلم.
          ومن الكتب المستخرجة على صحيح البخاريِّ _كصحيح الإسماعيليِّ المذكور_ صحيح الحافظ أبي بكر أحمدَ بنِ محمَّد / بن غالب البَرْقَانِيِّ، وصحيح أبي نُعيم أحمدَ بنِ عبد الله بن أحمدَ الأصبهانيِّ.
          وكذلك ((المستخرج على صحيح مسلم)) لأبي عَوانة يعقوبَ بنِ إسحاق الإسفراينييِّ، ولأبي نُعيم الأصبهانيِّ أيضًا، ولأبي سعيدٍ أحمدَ بنِ أبي بكر محمَّد بن عثمان الحِيْريِّ النَّيسابوريِّ، ولأبي محمَّدٍ عبدِ الله بن محمَّد بن جعفر بن حيَّان أبي الشَّيخ الأصبهانيِّ [ولأبي عبد الله الحسين بنِ أحمدَ بنِ محمَّدٍ الشَّماخيِّ الهرويِّ الصَّفَّار الحافظ، وقد ضعَّفوه] (13).


[1] ما بين معقوفين زيادة من النسخة الأصل، وليست في (ب) ولا المطبوع.
[2] في (ب): (وزاد مصنِّفه رحمه الله عليهما فائدة رابعة وخامسة وسادسة وسابعة وثامنة وتاسعة أيضًا).
[3] ما بين معقوفين زيادة من النسخة الأصل، وليست في (ب) ولا المطبوع.
[4] في (ب): (من).
[5] ما بين معقوفين زيادة من النسخة الأصل، وليست في (ب) ولا المطبوع.
[6] في (ب): (في باب إتمام الرّكوع والاعتدال فيه والاطمأنينة).
[7] ما بين معقوفين زيادة من النسخة الأصل، وليست في (ب) ولا المطبوع.
[8] ما بين معقوفين زيادة من النسخة الأصل، وليست في (ب) ولا المطبوع.
[9] في (ب): (وقع).
[10] ما بين معقوفين زيادة من النسخة الأصل، وليست في (ب) ولا المطبوع.
[11] في الأصل: (أنَّ الحارث).
[12] في (ب): (تكمل تلك الفوائد التّسع التي في المستخرجات بفائدة عاشرة).
[13] ما بين معقوفين زيادة من النسخة الأصل، وليست في (ب) ولا المطبوع.