الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث أبي سفيان: أنَّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش

          7- (أَنَّ هِرَقْلَ): لا ينصرف للعلميَّة والعُجمة، وزعم الجواليقيُّ: أنَّه عَجَميٌّ تكلَّمت به العرب.
          (فِي رَكْبٍ): أي: حالَ كونه كائنًا في جملة رَكْبٍ وهو أميرُهم، ولهذا أرسَلَ إليه، أو معناه: أرسل إليه في شأن الرَّكب وطلبهم إليه.
          وقال العلَّامةُ البُلقينيُّ: (يَحتمل معنيين: أحدهما: أن تكون «في» بمعنى: «مع»، الثَّاني: أن يكون أرسل إليه وهو في ركب).
          (بِالشَّأْمِ): إمَّا أن يتعلَّق بـــ(تِجَارًا)، أو بـــ(كَانُوا)، أو يكون وصفًا آخر لـــ(رَكْب).
          (وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ): قال الزَّرْكَشيُّ: (مفعول معه).
          قال البِرْماويُّ: (وفيه نظرٌ، فالعطفُ فيه ظاهرٌ، مِنْ عَطْفِ عامٍّ على خاصٍّ، للتَّشارُك في العامل).
          (فَأَتَوْهُ): الفاءُ فصيحةٌ، إذ تقدير الكلام: أرسل إليه في طلب إتيان الرَّكب إليه، فجاء الرَّسول، فطلب إتيانهم فأتوه، ونحوه / قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ} [البقرة:60]، أي: فضرب فانفجرت.
          (فِي مَجْلِسِهِ): إنْ قلتَ: الدُّعاء مستعمل بـــ(إلى) نحو: {وَاللّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} [يونس:25]، فالمناسب: فدعاهم إلى مجلسه؛ قلتُ: (في) ليس صلةً للدُّعاء إذ المراد: دعاهم حالةَ كونه في مجلسه، أي: محلِّ حُكمِه، لا حالةَ كونه في الخلوة أو في الحرم ونحوه. [4ب]
          (وَحَوْلَهُ): بالنَّصب ظرفُ مكانٍ، وهو خبرُ المبتدأ الذي بعدَه.
          (بِتَرْجُمَانِهِ): الباءُ زائدةٌ للتَّوكيد، نحو قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195].
          (فَقَالَ: أَيُّكُمْ؟): الفاءُ فصيحةٌ، أي: فقال للتَّرجُمان: قُلْ: أيُّكم أقربُ...؟ فقال التَّرجُمانُ ذلك.
          (أَقْرَبُ): إنْ قلتَ: (أَقْرَبُ) (أفعل) التَّفضيل، فلا بُدَّ أن يُستعملَ بأحد الوجوه الثلاثة: الإضافة، و«اللَّام»، و«مِن»، وههنا مجرَّدٌ عنها، ثمَّ إنَّ معنى القُرْبِ لا بُدَّ أنْ يكونَ من شيءٍ، فأين صِلتُهُ؟ قلتُ: كلاهما محذوفان، أي: أيُّكم أقربُ من النَّبيِّ صلعم من غيركم؟
          (وقال البُلقينيُّ: «أَيُّكُم»: مبتدأٌ، ومضافٌ إليه، وخبرُه: «أَقْرَبُ»، و«نَسَبًا»: منصوب على التَّمييز)(1).
          (أَدْنُوهُ): بفتح الهمزة.
          (كَذَبَنِي): بالتَّخفيف، قال التَّيميُّ: (هو متعدٍّ لمفعولين، تقول: كذبتُهُ / الحديثَ، كما في «صدق»، قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا} [الفتح:27]، وهذا من الغرائب أن يكون بالتَّخفيف متعدِّيًا لاثنين، وبالتَّشديد لواحد).
          (يَأْثُـِرُوا عَلَيَّ): أي: عنِّي؛ لأنَّ (أَثَرَ) يتعدَّى بـــ(عن).
          (عَنْهُ): أي: عليه، وكذلك في رواية الأصيلي، و(عليَّ) بمعنى: (عنِّي) كما هو في قوله: [من الوافر]
إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ                     ...........................
          (كَانَ أَوَّلَُ): هو بالرَّفع اسمُ (كان)، وخبرُه: (أَنْ قَالَ)، ويجوز العكس، وجاءت به الرِّوايةُ.
          (كَيْفَ نَسَبُهُ؟): (كيف): خبرٌ مقدَّمٌ، و(نَسبُه): مبتدأٌ مؤخَّرٌ.
          (قَطُّ): قال الكِرمانيُّ: (لا يُستعمل إلَّا في الماضي المنفيِّ، والاستفهامُ ههنا حُكمُه حكمُ النَّفيِ فيه).
          وقال شيخُنا الحافظ أبو الفضل في «الفتح»: (استُعمل «قطُّ» بغير أداة النَّفي، وهو قليل، ويَحتملُ أن يكون معناه كأنَّه قال: هل قال هذا القول أحدٌ، أو لم يقله قطُّ؟). /
          وقال ابنُ مالكٍ في قوله: (وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ): (في هذا الحديث استعمالُ «قطُّ» غيرَ مسبوقٍ بنفيٍ، وهو ممَّا خَفِيَ على كثيرٍ من النَّحْويين؛ لأنَّ المعهودَ استعمالُها لاستغراق الزَّمان الماضي بعد نفيٍ، نحو: «ما فعلتُ ذلك قطُّ»، وقد جاءت في هذا الحديث دون نفيٍ، وله نظائرُ).
          (قَبْلَهُ): في روايةٍ: (مثلَهُ)، فيكونُ نصبُه على البدل من (هَذَا القَوْلَ).
          (مِنْ مَلِكٍ): رُوي على وجهين: (مِنْ) بكسر الميم، و(مَلِكٍ) بفتح الميم وكسر اللَّام، وهي روايةُ الأكثر، الثَّاني: (مَنْ) بفتح الميم، وبفتحها أيضًا وفتح اللَّام [في (مَلَكَ)] على أنَّه فعلٌ ماضٍ، وهي روايةُ الكُشْمِيهَنِيِّ، والهَرويِّ، / وابنِ عساكر.
          والأوَّلُ أصحُّ وأشهرُ، ويؤيِّدُه روايةُ «مسلمٍ» [خ¦1773]: (فِي آبَائِهِ مَلِكٌ) بحذف (مِنْ)، وكذا في «تفسير البخاري» [خ¦4553]، وعلى هذا: يَحتمل أن تكون (مِنْ) زائدة في الرِّواية الأخرى، لأنَّها في سياق الاستفهام.
          وقال البُلقينيُّ: ورَجَّح بعضُهم الرِّوايةَ الثَّانية بأنَّ هِرَقلَ إنَّما أراد أن يسأل أبا سفيانَ عن حدوثِ المُلْكِ لبعضِ آباءِ النَّبيِّ صلعم في وقتٍ من الأوقات، ولم يكن غرضُ هِرَقلَ السُّؤالَ عن ثبوتِ استمرارِه في المُلْكِ، وهذا التَّرجيحُ مُتعقَّبٌ لأنَّ غايةَ السُّؤال هل وقع ذلك؟ وهو صالحٌ للوجهين، والتَّرجيحُ المتقدِّمُ أرجحُ.
          (سَخْطَةً): منصوبٌ مفعولٌ من أجله.
          (كَلِمَةٌ): مرفوعةٌ منوَّنةٌ فاعلٌ.
          (غَيْرَُ): قال الكِرمانيُّ: (إمَّا منصوبٌ صفةً لـــ«شَيْئًا»، وإمَّا مرفوعٌ صفةً لـــ«كَلِمَةٌ». /
          فإنْ قلتَ: كيف يكون صفةً لهما وهما نكرة وهو مضاف إلى المعرفة؟ قلتُ: كلمةُ «غَيْرُ» لا تتعرَّف بالإضافة إلَّا إذا اشتهر المضافُ بمغايرةِ المضافِ إليه، وههنا ليس كذلك) انتهى.
          وقال البِرْماويُّ بعد إيراد كلام الكِرمانيِّ: (قلتُ: لكن هذا مذهب ابن السَّرَّاج، والجمهورُ على خلافه، فنحو: {غَيْرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} [الفاتحة:7] يُعرَبُ بدلًا من {الَّذِينَ}، أو صفةً له تنزيلًا للموصول منزلةَ النَّكِرة، فجاز وصفُه بالنَّكرة).
          وقال والدي ⌂: (بالضمِّ صفةً لـــ«كَلِمَةٌ»، ويجوزُ فيها النَّصبُ على الاستثناء).
          واقتصر الزَّركشيُّ على الرَّفع صفةً لـــ(كَلِمَةٌ).
          (قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ): قال الكِرمانيُّ: (أفصحُ من «قِتالُكُمُوه» باتِّصال الضَّمير؛ / فلذلك فَصَلَه) انتهى.
          وفي كلام ابن الملقِّن: (فيه انفصالُ ثاني الضَّميرين، والاختيارُ: ألَّا يجيءَ المنفصلُ إذا تأتَّى أنْ يجيءَ المتَّصلُ)، قال ابنُ مالكٍ: (منها: قولُ سَهْل بن سعدٍ: «فأعطاه إيَّاه»، يعني: القائل: «ما كنتُ لِأُوثِرَ بنصيبي منكَ أحدًا».
          وقولُ هِرَقلَ: «كيفَ كان قِتالُكم إيَّاه؟».
          وقولُ المرأةِ: «يا رسول الله، إنِّي نَسجتُ هذه بيدي لِأَكْسُوَكَها».
          وقولُ رجلٍ مِنَ القومِ: «يا رسول الله، اُكْسُنيها».
          وقولُ القوم للرَّجل: «ما أحسنتَ! سألتَها إيَّاه».
          في الحديث الأوَّل والثَّاني: استعمالُ ثاني الضَّميرين منفصلًا مع إمكانِ استعمالِه متَّصلًا، والأصلُ: ألَّا يُستعملَ المنفصلُ إلَّا عند تعذُّرِ المتَّصلِ). /
          (الحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ): إنْ قلتَ: (الْحَرْبُ) اسمٌ مفردٌ، و(السِّجَالُ) جمعٌ، فلا مطابقة بين المبتدأ والخبر، قلتُ: (الحربُ) اسمُ جنسٍ.
          (يَنَالُ منَّا وَنَنَالُ مِنْهُ): جملةٌ تفسيريَّةٌ.
          (وَحْدَهُ): قال الجوهريُّ: (منصوبٌ عند أهل الكوفة على الظَّرْف، وعند أهل البصرة على المصدر) انتهى.
          ورأيتُ في «القاموس» ما لفظُه: (ونصبُه على الحالِ عند البصريين لا على المصْدَرِ، وَغَلِطَ الجَوهريُّ).
          (دَعَا بِكِتَابِ): أي: دعا الناسَ بكتابه، فالكتابُ مدعوٌّ به لا مدعوٌّ؛ فلهذا عُدِّيَ إليه بالباء، أو الباءُ زائدةٌ، أي: دعا الكتابَ، على سبيل المجاز، أو ضُمِّنَ (دَعَا) معنى: (اشتغل) ونحوه. /
          (مَعَ): بفتح العين على اللُّغة الفصيحة، غيرَ أنَّ المفتوحةَ تكونُ اسمًا وحرفًا، والمسكَّنَةُ حرفٌ لا غيرُ، وأنشدَ سيبويه: [من الوافر]
ورِيشِيْ مِنْكُمُ وهَوَايَ مَعْكُمْ                     ...........................
          قال اللِّحْيانيُّ: (وحكى الكِسائيُّ: أنَّ ربيعةَ وغَنْمًا يُسكِّنون العين، ويقولون: «معْكم» و«معْه»، قال(2): فإذا جاءتِ الألف واللَّام وألف الوصل اختلفوا، فبعضُهم يفتح العين، وبعضُهم يكسرها، فيقولون: معَ القوم ومعَ ابنك، ومعِ القوم ومعِ ابنك، [والفتحُ كلامُ](3) العامَّة).
          (مِنْ مُحَمَّدٍ): [(مِنْ) لابتداء الغاية]، وليست من الابتداء في المكان ولا في الزَّمان(4)، قال الأستاذ أبو حيَّان: (مِن) التي لابتداء الغاية تأتي في غير المكان / والزَّمان، كما جاء في هذا الحديث، وتقول: قرأتُ مِن أوَّل (البقرة) إلى آخرها.
          (عَظِيمِ الرُّومِ): هو بدلٌ يجوزُ قطعُه وإتباعُه.
          (أَمَّا بَعْدُ): (أمَّا): حرفُ شرطٍ وتفصيلٍ وتوكيد، و(بَعْدُ): اسمُ زمانٍ دالٌّ على تأخيرِ الواقع فيه عمَّا أضيفَ إليه، وهو بضمِّ الدَّال، وأجاز الفرَّاءُ بالنَّصب والتَّنوين، وبالرَّفع والتَّنوين، وأجاز هشامٌ فتحَ الدَّال من غير تنوين، وأنكرَه النَّحَّاسُ.
          واعلم أنَّ في «البخاريِّ»:
          _ (أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ) [خ¦2168]. /
          _ و(أَمَّا مُوسَى، كأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيهِ إِذِ يَنْحَدِرُ فِي الْوَادِي)، وفي بعضها: (إِذَا يَنْحَدِرُ(5)) [خ¦1555].
          _ وقولُ عائشةَ: (وأَمَّا الذين جَمَعُوا الْحَجَّ والْعُمْرَةَ طَافُوا) [خ¦1638].
          _ وقولُ البراءِ بنِ عازبٍ: (أَمَّا رسولُ اللهِ صلعم لَمْ يُوَلِّ) [خ¦3042].
          وقد تقدَّم الكلامُ على (أَمَّا)، وحقُّها أنْ تصحبَها الفاءُ، نحو: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ} [فصلت:15]، ولا تُحذف هذه الفاءُ غالبًا إلَّا في شِعْرٍ، ومع قولٍ أغنى عنه مَقُولُهُ، نحو: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم} [آل عمران:106]، أي: فيقال لهم: أكفرتُم، [وقد خُولفتِ القاعدةُ في هذه الأحاديثِ]، فعُلِمَ بتحقيقٍ عَدَمُ التَّضييقِ، وأَنَّ مَنْ خصَّهُ بالشِّعر أو بالصُّورةِ المعيَّنةِ مِنَ النَّثرِ مُقَصِّرٌ في فتواهُ، وعاجزٌ عن نُصْرَةِ دَعواهُ، قاله ابنُ مالكٍ.
          قال الكِرمانيُّ: (إنْ قلتَ: «أمَّا» للتَّفصيل فلا بُدَّ فيه من التَّكرارِ، فأينَ قَسِيمُه؟ قلتُ: المذكورُ قبلَه قَسِيمُه، وتقديره: أمَّا الابتداءُ، فبسم الله، وأمَّا المكتوبُ، فمِنْ محمَّدٍ، وأمَّا بعد ذلك، فكذا).
          (بِدِعَايَةِ): [5أ]الدِّعايَةُ مبنيَّةٌ مِن قولِك: (دَعَا يَدْعُو دِعَايَةً) نحو: (شَكَا يَشْكُو شِكَايَةً)، وقد تُقامُ المصادرُ مُقامَ الأسماءِ، وفي «مسلمٍ»: «بداعيةِ» [م:1773] [خ¦2941]، / النَّوويُّ: (أي: الكلمة الدَّاعية إلى الإسلام، ويجوزُ أنْ تكونَ «الداعية» بمعنى: الدَّعوة، كما في قوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم:58]، أي: كَشْفٌ).
          قال الكِرمانيُّ: («دعوةُ الإسلامِ» مثلُ: «شجرةِ الأراكِ»، أي: أدعوكَ بالمدعوِّ الَّذي هو الإسلامُ، والباءُ بمعنى: «إلى»، وجوَّزَ بعضُ النُّحاةِ إقامةَ حروفِ الجرِّ بعضها مُقامَ بعضٍ، أي: أدعوكَ إلى الإسلام).
          (تَسْلَمْ): مجزومٌ، جوابُ الأمرِ.
          (يُؤْتِكَ): إمَّا جوابٌ ثانٍ للأمرِ، وإمَّا بدلٌ أو بيانٌ للجواب الأوَّل.
          (لَقَدْ أَمِرَ): جوابٌ للقَسَمِ المحذوفِ، أي: واللهِ لقد أَمِرَ، فاعلُه (أَمْرُ).
          (إِنَّهُ يَخَافُهُ): قال الكِرمانيُّ: (بالكسر، استئنافٌ تعليليٌّ، أي: أَمِرَ لأنَّه، وبالفتح بأنَّه بدلٌ أو بيانٌ لـــ«أَمِرَ»).
          وقال ابن المُلقِّن: (بكسر الهمزة، ويجوزُ على ضَعْفٍ فتحُها على أنَّه مفعولٌ لأجلِه).
          قال القاضي: (وضُعِّف الفتحُ، لوجودِ اللَّامِ في الخبر _لكن جوَّزَه بعضُ النُّحاةِ، وقد قُرِئَ شاذًّا: ▬إلَّا أَنَّهُم لَيَأكُلُونَ↨ [الفرقان:20] بالفتحِ في ▬أَنَّهُم↨_ / والمعنى على الفتح في الحديث: عَظُمَ أَمْرُهُ؛ لأجْلِ أَنَّه يَخافُه مَلِكُ بني الأصفر) انتهى.
          وقال الحَمْزيُّ: (كذا ضبطناه بالفتح، أي: من أجل ذلك عَظُمَ الأمرُ على أبي سُفيان، قال: والكسرُ صحيحٌ على استئنافِ الإخبارِ عمَّا رآه من هِرَقلَ، ولا سيَّما إذا ثبتتْ لامُ التَّأكيد في الخبر).
          (صَاحِبَ إِيلِيَاءَ): قال ابن المُلقِّن: (منصوبٌ على الاختصاص، وخبرُ «كان»: «سُقُفّ»(6)، ويجوزُ أن يكونَ «يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ»، وهو أوجَهُ في العربيَّة، وأصحُّ في المعنى، كما قال القاضي).
          وقال البِرْماويُّ: (قال عِياضٌ: نصب على الاختصاص والحال، لا خبرُ «كان» لأنَّ خبرَها إمَّا «أُسْقُفًّا» أو «يُحَدِّثُ»، وجوَّزَ غيرُه أن يكون خبرًا ثانيًا لـــ«كان»، ومنعَ الزركشيُّ رفعَه صفةً لـــ«ابْنُ النَّاطُورِ»(7) لأنَّه معرفةٌ، و«صاحِبَ» لم يتعرَّف بالإضافة؛ لأنَّها في تقدير الانفصال، وجوَّزه الكِرمانيُّ؛ لأنَّ الإضافة / معنوية، قلتُ: وهو الظَّاهر).
          وقال الكِرمانيُّ: (منصوبٌ على الاختصاص، ومرفوعٌ على أنَّه صفةٌ لـــ«ابن النَّاطور»، و«أُسْقُفًّا»: [منصوبٌ] على الحالية، ومرفوعٌ بأنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، أي: كان ابنُ النَّاطور صاحبَ إيلياءَ وصاحبَ هِرَقلَ [أُسْقُفًّا على النصارى يُحَدِّثُ]) انتهى.
          وقال الزَّرْكشيُّ: (قال القاضي: «صَاحِبَ»: منصوبٌ على الحال والاختصاص، لا على خبرِ «كان»؛ لأنَّ خبرَها «أُسْقُفًّا»، أو قوله: «يُحدِّثُ أنَّ هِرَقلَ»، وهو أوجَهُ، قلتُ: يجوزُ أن يكون على خبر «كان»، ويكون «أُسْقُفًّا» خبرًا ثانيًا، فإن قيل: هلَّا جاز رفعُ «صَاحِبَ» على الصِّفة؛ قيل: لا؛ لأنَّ ما قبلَه معرفةٌ، و«صَاحِبَ إِيلِيَاءَ» نكرةٌ، والإضافةُ لا تُعَرِّفُهُ؛ لأنَّها في تقديرِ الانفصال) انتهى.
          وقال الدِّمياطيُّ: (منصوبٌ على الاختصاص، لا على الخبر، وخبرُ «كان»: «يُحدِّثُ أنَّ هِرَقلَ»، وهو الأوجَهُ، وقيل: «سُقُفًّا») انتهى.
          قال والدي ⌂ بعد نقل كلام الدِّمياطيِّ: (ويَحتمل أن يكون منصوبًا على / الحال، ونُقل الإعرابان عن القاضي).
          وقال شيخُنا في «الفتح»: (منصوبٌ على الاختصاص أو الحال، والإضافةُ تقوم مَقامَ التَّعريف).
          (وَهِرَقْلَ): قال الدِّمياطيُّ: (بنصب اللَّام، معطوفٌ على «إيلِياءَ»، وموضعُهُ خفضٌ بالإضافة).
          (شَأْنُهُمْ): مرفوعٌ فاعلٌ.
          (أُتِيَ): مبنيٌّ للمفعول، ووقعَ جوابًا لـــ(بَيْنَا) مجرَّدًا من (إِذْ) و(إذا) نحو: [من الوافر]
فَبَيْنَا نَحْنُ نَرْقُبُهُ أَتَانَا                     ...............
          وهو العامل في (بينا) لأنَّه جوابٌ.
          (هَذَا يَمْلِكُ هَذِهِ الأُمَّةَ): قال السُّهيليُّ في «أماليه»: («هَذا يَمْلِكُ»: مبتدأٌ وخبرٌ، أي: هذا المذكورُ يَملِكُ هذه الأُمَّةَ، و«قد ظَهَرَ»: جملةٌ مستأنفةٌ، لا في موضع الصِّفة ولا الخبر، ويجوزُ أن يكون «يَمْلِكُ» نَعْتًا، أي: هذا رجلٌ يَمْلِكُ هذه الأُمَّةَ، وقد جاء النَّعتُ بعد النَّعتِ، ثمَّ حُذِفَ المنعوتُ، وهذا إنَّما هو في / الفعل المضارع لا في الماضي، قاله ابن السَّرَّاج، وحكاه عنِ الأخفش) انتهى.
          وقال شيخُنا في «الفتح»: («هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ»: كذا لأكثرِ الرُّواةِ بالضَّمِّ ثمَّ السُّكون، وللقابِسيِّ بالفتح ثمَّ الكسر، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنِيِّ وحدَهُ: «يَمْلِكُ» فعلٌ مضارعٌ، قال القاضي: أظنُّها ضمَّةَ الميم اتَّصلتْ بها فتصحَّفت، ووجَّهَهُ السُّهيليُّ: بأنَّه مبتدأٌ وخبرٌ، أي: هذا المذكورُ يَملِكُ هذه الأُمَّةَ، وقيل: يجوزُ أن يكون «يَمْلِكُ» نَعْتًا، أي: هذا رجلٌ يَمْلِكُ هذه الأُمَّةَ، وقال شيخُنا: يجوزُ أن يكون المحذوفُ الموصولَ على رأي الكوفيين والأخفش، أي: هذا الذي يَملِكُ، وهو نظيرُ قولِهِ: [من الطويل]
........................                     ... وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ
          على أنَّ الكوفيِّينَ يجوِّزون استعمالَ اسمِ الإشارةِ بمعنى الاسمِ الموصولِ(8)، / فيكونُ التَّقديرُ: الذي يَملِكُ، قلتُ: وفيه نظرٌ؛ لاتِّفاقِ الكلِّ على حذف الياء في أوَّلِه، فذلك دالٌّ على ما قال القاضي، فيكون شاذًّا، على أنَّني رأيتُ في أصلٍ معتمدٍ وعليه علامةُ السَّرَخْسِيِّ بباءٍ موحَّدةٍ في أوَّلِه، وتوجيهُها أقربُ من الأوَّل؛ لأنَّه حينئذٍ(9) تكون الإشارة بـــ«هذا» إلى ما ذكره مِنْ نَظَرِهِ في حكم النُّجوم، والباءُ متعلِّقةٌ بـــ«ظَهَرَ»، أي: هذا الحُكمُ ظهرَ بملك(10) هذه الأمة الَّتي تختتن) انتهى. /
          وقال النَّوويُّ: (معناها: هذا المذكورُ يَمْلِكُ الأُمَّةَ، وهو قد ظَهَرَ).
          (نَظِيرَهُ): بالنَّصب خبر (كَانَ).
          (إِلَى حِمْصَ): لا تنصرف للعُجمةِ، والعلميَّةِ، والتَّأنيث. /
          قال البِرْماويُّ: (لا تنصرفُ، قال الكِرمانيُّ: لأنَّها أعجميَّةٌ، قلتُ: وفيه نظرٌ؛ فإنَّ ساكنَ الوسطِ من ذلك يُصرَفُ حتمًا على الأرجحِ، كـــ: «نوح» و«لوط»، وقيل: فيه الوجهانِ في «هند»، وإنَّما المنعُ للتَّأنيث والعلميَّة.
          نعم قال بعضهم: إنَّه كـــ«هند» في جواز الوجهين، والمنعُ أولى، ولكنَّه مردودٌ؛ لأنَّ الوجهين حيث لا يكون أعجميًّا، وإلَّا فالمنعُ متحتِّمٌ كـــ«جور» و«ماه» عَلَمَي بلدين، فإن أراد الكِرمانيُّ ذلك فحَقٌّ، إلَّا أنَّه لم يفصحْ بالمراد).
          (فَتُبَايِعُوا): مجزوم(11) جوابًا للاستفهام، نحو: {هَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ} [الأعراف:53].
          (آنِفًا): نصبُهُ على الحال.
          (آخِرَ): بالنَّصب على الأرجحِ، أي: آخِرَ شأْنِه في أمرِ النَّبيِّ صلعم. /


[1] ما بين قوسين جاء في (أ) عقب قوله: (وجاءت به الرواية) الآتي.
[2] قال: سقطت من (ب).
[3] ما بين معقوفين سقط من النسختين، وهو مستدرك من المصادر.
[4] قوله: (وليست مِنَ الابتداء...) تقدم في النسختين على قوله: (من محمد)، وما بين معقوفين مستدرك من «التوضيح» (2/399).
[5] هكذا في النسختين: (ينحدر) في الموضعين، تبعًا لـــ«شواهد التوضيح» (ص198) (50)، وفي «صحيح البخاري» (1555) وغيره: (انحدر) بالماضي.
[6] هكذا في النسختين و«التوضيح»: (سُقُفّ).
[7] في (ب): (الناظور) بالمعجمة، وكذا في المواضع اللاحقة، والمثبت من (أ)، وهي رواية أبي ذَرٍّ عن المُستملي والكُشْمِيهَنِيِّ.
[8] الموصول: سقطت من (أ)، وانظر «الإنصاف» (2/236).
[9] في (ب): (وحينئذٍ).
[10] في (ب): (لملك)، والمثبت أولى.
[11] هكذا في النسختين: (مجزوم)، ولعله سبق قلم، والفعل منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية المسبوقة بطلب، والطلب يشمل: الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والعرض والتحضيض والتمني، وهنا جاء استفهامًا.