الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورًا

          432- (مِنْ صَلَاتِكُمْ): أي: بعضَ صلاتِكم، وهو مفعولٌ لـــ(جَعَلَ)، وهو متعدٍّ إلى واحدٍ، كقولِه تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1]، وإذا كان بمعنى التَّصيير، يتعدَّى إلى مفعولين، كقولِه تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} [فاطر:39]، انتهى كلام الكِرماني.
          وقال الطِّيبيُّ: («مِنْ صَلَاتِكُمْ»: «مِنْ» تبعيضيَّةٌ، وهو مفعول أوَّل لـــ«اجْعَلُوا»، والثَّاني: «فِي بُيُوتِكُمْ») انتهى.
          ولـــ(جَعَلَ) ستة معانٍ:
          الأوَّل: أَوجَدَ، ومنه قولُه تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] فيتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ.
          الثَّاني: صَيَّرَ، ومنه قولُه: جعلَ البصرةَ بغدادَ، فيتعدَّى إلى مفعولين بنفسِه.
          الثَّالثُ: أَلقى، ومنه: جعلَ المتاعَ بعضَه على بعضٍ، فيتعدَّى [إلى] الأوَّل / بنفسِه، والثَّاني بحرفِ الجرِّ.
          الرَّابع: اعتقدَ، كقولِه تعالى(1): {وَجَعَلُواْ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف:19] فيتعدَّى إلى مفعولين.
          الخامس: أَوجبَ، كقولِهم(2): جعلتُ للعامل كذا، فيتعدَّى إلى واحد.
          السَّادس: شَرَعَ، ومنه: جعلَ زيدٌ يقولُ كذا، فيكونُ من أفعالِ المقارَبةِ، يرفعُ الاسمَ، وينصبُ الخبرَ، إلَّا أنَّ خبرَه لا يكونُ إلَّا فِعلًا مضارعًا فيه ضميرٌ يعودُ على اسمِها، كما مثَّلناهُ.
          وللعلماءِ في معنى الحديثِ قولانِ:
          أحدُهما: أنَّه وردَ في صَلاةِ النَّافلة دونَ الفريضةِ، وتكونُ (مِنْ) زائدةً؛ كأنَّه قال: اجعلوا صلاتَكم النَّافلةَ في بيوتِكم؛ كقولِه: ما جاءَني من أحدٍ، وأنت تريد: ما جاءَني أحدٌ، وإلى هذا الوجه ذهب البخاريُّ.
          الثَّاني: وردَ في صلاة الفريضة؛ ليقتديَ به مَنْ لا يستطيعُ الخروجَ إلى المسجد ممَّن يلزمُه تعليمُهم، وتكونُ (مِن) للتَّبعيضِ، ومَن صلَّى في بيتِه جماعةً فقد أصابَ سُنَّةَ الجماعةِ وفضلَها.


[1] (كقوله تعالى): ليس في (ب).
[2] في (ب): (كقوله).