الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

باب بنيان المسجد

          ░62▒ (أَكِنَّ النَّاسَ): فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
          ثُبوتُ الهمزةِ مفتوحةً على أنَّ ماضيَه (أَكَنَّ)، وهو أجودُ الأوجهِ.
          الثَّاني: حذفُ الهمزةِ وكسرُ الكافِ على أنَّ أصلَه (أَكِنَّ)، وحُذفتِ الهمزةُ تخفيفًا على غيرِ قياسٍ؛ كما حُذفتْ في: (يا با فلانٍ)، و(لا با لك).
          ويجوزُ أنْ يُقالَ: (كُنَّ النَّاسَ) بضمِّ الكافِ على أنْ يكونَ مِنْ (كَنَّهُ؛ فهو مكنونٌ)، أي: صانَه.
          ولم أعلِّل (كِنَّ) المكسورَ(1) الكافِ بمِثْلِ ما علَّلْتُ به المضمومَها(2) لأنَّه / ثلاثيٌّ مضاعَفٌ مُتَعَدٍّ، فبابُه الضَّمُّ، وما سُمِعَ فيه الكسرُ؛ فشاذٌّ، كـــ(حَبَّهُ يَحِبُّه)، ولا يُقْدَمُ عليه إلَّا بنَقْلٍ.
          وفي: (وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ) شاهدٌ على أنَّ الواو في (إِيَّاكَ وَأنْ تفعلَ) لا تلزمُ كما تلزمُ في: (إِيَّاكَ وَالشَّرَّ)، لكن إذا لم تثبُتْ؛ فالتَّقديرُ: إيَّاكَ مِنْ أنْ تفعلَ، فحُذفتْ (مِنْ) لأنَّ حذفَ مَا يَجُرُّ (أَنْ) و(أَنَّ) مطَّردٌ(3).
          (إِلَّا قَلِيْلًا): بالنَّصبِ، وجازَ مِنْ جهةِ النَّحْوِ الرَّفعُ بأنَّه بَدَلٌ مِنْ ضميرِ الفاعلِ.
          (لَتُزَخْرِفُنَّهَا): اللَّامُ جوابُ القَسَمِ، والضَّميرُ يَرجِعُ لـــ(المَسَاجِدِ).
          وقال الطِّيبيُّ: («لَـِتُزَخْرِفُنَّهَا» تعليلُ الأمرِ المنفيِّ، والنُّونُ فيه لمجرَّدِ التَّأكيدِ؛ كما في قولِه تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ} [الأنفال:25] إذا كانت {لَا} نافيةً، أي: ما أُمِرْتُ بالتَّشييدِ لتُجعَلَ ذريعةً إلى الزُّخرفِ، وفيه نوعُ توبيخٍ وتأنيبٍ، ويجوزُ فتحُ اللَّامِ على جوابِ القَسَمِ، وهو الأظهرُ، أي: واللهِ لَتُزَخْرِفُنَّهَا) / انتهى، وفي كلامِ الطِّيبيِّ نظرٌ(4).
          وقال البِرماويُّ: (بضمِّ الفاءِ دلالةً على واوِ الضَّميرِ المحذوفةِ عندَ اتِّصالِ نونِ التوكيدِ).


[1] في (ب): (المكسورة).
[2] في (ب): (المضمومة).
[3] هذه الفقرة جاءت في غير محلها في النسختين.
[4] قوله: (وفي كلام الطيبي نظر) ليس في (ب).