مناسبات أبواب صحيح البخاري بعضها لبعض

المناسبات من آخر المعاملات إلى آخر الوصايا

          وكان الرَّهْنُ يحتاج إلى ذلك، وهو جائزٌ من جهة المُرتَهِن، لازمٌ من جهة الراهن؛ فأردفه بالعِتْق الذي فيه فَكُّ الرَّقَبة، والمِلْك الذي يَترتَّب عليه العِتْقُ جائزٌ من جهة السيِّد، لازمٌ من جهة العَبد، وذَكر تراجمَ العِتق، وفيها: (أيُّ الرِّقاب أفضلُ؟)، وأردَفها بما جاء في أُمِّ الوَلَد؛ لأنَّ لها سَببًا لازمًا في العِتق، وأردفها بترجمة: (بَيع المُدَبَّر)، ثم ذَكر بَيعَ الولاء وهِبَته، ثم عِتقَ المُشْترِك، ثم ذَكر تراجمَ تتعلَّق بالمِلْك، فيها: (إذا أُسِر أخو الرَّجل أو عَمُّه؛ هل يُفادَى إذا كان مُشتركًا؟)، / ثم: (مَن مَلَك مِن العَرب رَقيقًا، فوَهب وباع)، ثم: (فَضْل مَن أدَّب جارِيَتَه أو علَّمها)، ثم: (قولُ النَّبيِّ صلعم : «العَبيدُ إخوانُكم؛ فأطعموهم ممَّا تَأكلون»)، ثم: (العَبدُ إذا أحسَنَ عبادةَ ربِّه ونَصَح سيِّدَه)، ثم: (إذا ضَرَب العبدَ؛ فليَجْتَنِب الوجهَ)، هذه تراجمُ المِلك.
          وكان المملوكُ قد يُكاتَب؛ فتَرجَم المُكاتَبَ ونُجُومَه، ثم: (ما يَجوز مِن شُروط المُكاتَب)، ثم: (استعانةُ المُكاتَب، وسؤالُه الناسَ)، ثم: (بَيعُ المُكاتَب إذا رَضِيَ)، ثم: (إذا قال المُكاتَبُ: اشْتَرِني، فأَعْتِقني).
          ولمَّا كانت الكتابةُ تستدعي إِيتاءً؛ لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33]، وكان ذلك هِبَةً أو حَطًّا؛ أردَف ذلك البخاريُّ بـ: (كتاب الهِبَة)، وذَكر فيها تراجمَ، وآخِرُها: (ما قِيل في العُمْرَى والرُّقْبَى).
          ولمَّا كانت الهِبةُ نَقْلَ مِلْكِ الرَّقَبة بلا عِوَضٍ؛ أَردَف بنَقلٍ في المَنفعة بلا عِوَضٍ؛ وهو العارِيَة، والمُستَعيرُ مَلَكَ أنْ يَنتَفع بنَفسِه، وقد يَظهَر من الخِلاف أنَّه مَلَك المَنفعةَ ظاهرًا، ولكنَّ العُرفَ فيهما يَقتضي انتقالَ الرَّقبةِ؛ إحداهما: (إذا قال: أَخدَمتُك هذه الجاريةَ، على ما يُتعارَف)، وذَكر فيه حديثَ هِجرة إبراهيم صلعم بسَارَةَ، وإخدامِها هَاجَرَ مِن جهةِ ذلك المَلِك المجوسيِّ، الثانية: (إذا حَمَل رجلٌ على فَرَسٍ).
          ولمَّا تمَّت المعامَلاتُ وانتقالُ المِلْك على الوجوه السابقة، وكان ذلك قد يَقع فيه تنازُعٌ فيُحتاج إلى الإِشهادِ؛ أردفه بـ: (كتاب الشَّهادات)، ثم: (ما جاءَ في البَيِّنة على المُدَّعِي)، ثم: (إذا عَدَّلَ رجلٌ آخَرَ)، ثم: (شَهادة المُختبئِ)، ثم: (إذا شَهِد شاهدٌ أو شُهودٌ بشيءٍ)، ثم: (الشُّهودُ العُدُول)، ثم: (تَعديل كمْ يجوزُ؟)، ثم: (الشهادة على الأنساب والرَّضَاعِ المُستَفيضِ)، ثم تراجمه في الشهادات، ثم: (سؤال الحاكمِ المدَّعِي: هل لك بَيِّنةٌ؟)، ثم تراجمه في الدَّعْوى والبيِّنات، آخِرُها: (مَن أقَامَ(1) البيِّنةَ بعدَ اليمينِ)، ثم ترجمة: (مَن أَمَر بإنجازِ الوَعْد)؛ لأنَّه مِن كَمَال خُلُق العَدل، ثم ترجمة: (لا يُسْأَل / أهلُ الشِّرْك عن الشهادةِ).
          وكانت البيِّناتُ قد يَقع فيها تعَارُضٌ(2)؛ فترجَم: (القُرْعةَ في المُشْكِلات).
          وكان ذلك التعارُضُ قد يَقتضي صُلْحًا، وقد يَقع بلا تَعارُضٍ؛ فترجمَه: (كتابَ الصُّلْح)، وذَكر تراجمَه في الصُّلْح.
          وكان الصُّلْحُ جائزًا بينَ المسلمين، إلَّا صُلحًا أَحَلَّ حرامًا أو حَرَّم حلالًا، وكذلك الشَّرْطُ، وقد قُرِنَ معه في خَبَرٍ وإنْ لَم يَبلُغ رُتبةَ الصَّحيح(3)؛ / أردف البخاريُّ ذلك بترجمة: (ما يَجوزُ من الشُّروط في الإسلام)، ثم: (إذا باع نخلًا قد أُبِّرَت، ولم يَشترِط الثَّمَرةَ)، ثم: (الشروطُ في البيع)، وذَكر بعدَ ذلك تراجمَ تتعلَّق بالشروط، آخِرُها: (الشروط في الوَقف).
          ولمَّا كانت الشروطُ قد تكون في الحياة، وقد تكون بعد الوفاة، والذي يكون بعدَ الوفاة هو الوَصيَّة؛ فترجَم عَقِب ذلك: (كتابَ الوصايا)، وذَكر في أثناء تراجم الوصايا ترجمةَ: (إذا وَقَف _أو أوصى_ لأَقرِبائه، ومَن الأَقاربُ؟)، ثم ترجَم: (هل يَدخُل النِّساءُ والوَلَدُ في الأقارب؟)، ثم تراجمَ تتعلَّق بالوَقف، ثم: (مَن تَصدَّق على وَكيلِه، ثم رَدَّ الوكيلُ إليه).
          ولمَّا كان الوَقفُ والوصيَّةُ يَحتاجان إلى قِسمةٍ؛ أردف ذلك بترجمة: (قول الله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ القِسْمَةَ} الآية [النساء:8])، ثم ترجَمة: (يُستَحبُّ لِمَن يُتوفَّى فُجَاءةً أنْ يَتصدَّقوا عنه)؛ يُشير البخاريُّ بذلك إلى أنَّ الذي يَمرض قد يَتنبَّه بالمَرض، والذي يَموت فَجأةً لا يَحصل له تَنبُّهٌ لِمَرضٍ، فيُستَحبُّ لأهلِه أنْ يَتصدَّقوا عنه، وفيه: قَضاءُ النَّذْر عن الميِّت؛ مِن جهة أنَّ النَّذرَ إنَّما جاءَ بالتِزام المُكلَّف فيه، فيَستوي في القَضاء مع ما كان فَرضًا بإِيجاب الله تعالى، وأَعقَبه بـ: (الإِشهاد في الوَقف والصَّدقة)؛ لأنَّه تَبَرُّعٌ قد يُنكِره الوَرَثةُ؛ فطُلِب الإِشهادُ فيه، ثم ذَكر تراجمَ تتعلَّق باليَتامى؛ لأنَّ بوَفاة أبيهم حصل لهم اليُتمُ، ثم عاد إلى تراجم تتعلَّق بالأوقاف، ثم: (بابُ قولِ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ المَوْتُ} [المائدة:106])، / وأَردف ذلك بـ: (بابُ قَضاءِ دُيون الميِّت، بغَير(4) حُضورِ الوَرَثة).
          فكان كتابُ (الوصايا) مشتمِلًا على: الأَوقافِ، والصَّدَقاتِ، ومنه: تَصدُّقُ الوكيل والقِسمةِ، ويُستَطرَد منه إلى مَن لَم يُوصِ لِموتِ فُجَاءةٍ، وما يتعلَّق بالنَّذْر، وما يتعلَّق بالإشهاد فيما ذكر وما يتعلَّق باليتامى، وما يتعلَّق بقضاء الدُّيون بغير حُضور الوَرثة.


[1] في الأصل: ((أقسام)).
[2] في الأصل: ((معارض)).
[3] يُشيرُ إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود (3594) عن أبي هريرة ☺ ، وأخرجه الترمذي (1352) _وقال: حسن صحيح_ عن عمرو بن عوف المزني ☺ ؛ مرفوعًا: «الصلحُ جائزٌ بين المسلمين، إلَّا صلحًا حرَّم حلالًا، أو أحلَّ حرامًا، وإنَّ المسلمين على شروطهم، إلَّا شرطًا حرَّم حلالًا، أو أحلَّ حرامًا»، وفي كلا إسنادَي الحديث مَقالٌ يدفعَهما عن مرتبة الصحيح، كما قال المصنف.
[4] في الأصل: ((بعد)).