مناسبات أبواب صحيح البخاري بعضها لبعض

المناسبات من أواخر الدعوات إلى أواخر القدر

          وكانت المَوعِظةُ تَستدعي الرِّقَاقَ من الكلام؛ فقال: (كتاب الرِّقَاق، لا عَيْش إلَّا عَيش الآخرة)، ثم: (باب مَثَل الدُّنيا في الآخرة)، ثم: (باب قول النَّبيِّ صلعم : «كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غَريبٌ»)، ثم: (باب الأَمَل وطُوله)، ثم: (باب مَن بَلَغ ستِّينَ سنةً؛ فقد أَعْذَر اللهُ إليه في العُمر؛ لقوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37]).
          ثم: (باب العمل الذي يُبتَغى به وجهُ الله)، ثم: (باب ما يُحذَر مِن زَهرة الدُّنيا والتَّنافُس فيها)، ثم: (باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} الآية [فاطر:5])، ثم: (باب ذَهَاب الصالحين).
          ثم: (باب ما يُتَّقى من فتنة المال)، ثم: (باب قول النَّبيِّ صلعم : «المالُ خَضِرَةٌ حُلْوةٌ»، وقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} الآية [آل عمران:14])، ثم: (باب ما قَدَّم من مالِه؛ فهو له)، ثم: (باب «المُكْثِرون هُم المُقِلُّون»، وقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآيتان [هود:15-16])، ثم: (باب قول النَّبيِّ صلعم : «ما أُحِبُّ أنَّ لي أُحُدًا ذَهبًا»)، ثم: (باب الغِنَى غِنَى النَّفْس)، ثم: (باب فَضل الفَقْر)، ثم: (باب كيف كان عَيش النَّبيِّ صلعم وأصحابه، وتخَلِّيهم في الدُّنيا؟).
          ثم: (باب القَصْد والمُداوَمة)، ثم: (باب الرَّجاء مع الخوف)، ثم: (باب الصَّبر عن مَحارِم الله، وقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزُّمر:10])، ثم: (باب {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3])، ثم: (باب ما يُكرَه من قِيل وقال)، ثم: (باب حِفظ اللِّسان)، ثم: (باب البُكاء من خَشية الله تعالى)، ثم: (باب الخوف من الله تعالى)، ثم: (باب الانتهاء عن المَعَاصي)، ثم: (باب قول النَّبيِّ صلعم : «لو تَعلَمون ما أَعلَم؛ لضَحكتم قليلًا، ولبَكَيتم كثيرًا»)، ثم: (باب «حُجِبت النَّارُ بالشَّهوات»)، ثم: (باب «الجَنَّة أقربُ إلى أحَدِكم من شِرَاك نَعْله»)، ثم: (باب مَن هَمَّ بحَسَنةٍ أو سَيِّئةٍ).
          ثم: (باب / ليَنْظر إلى مَن هو أسفلَ منه، ولا يَنظر إلى مَن هو فوقَه)، ثم: (باب ما يُتَّقى من مُحَقَّرات الذُّنوب)، ثم: (باب الأعمال بالخَوَاتيم، وما يُتَّقى منها).
          ثم: (باب العُزْلة راحةٌ مِن خُلَّاط السُّوء)، ثم: (باب رَفْع الأمانة)، ثم: (باب الرِّيَاء والسُّمعة)، ثم: (باب مَن جاهَد نفسَه في طاعة الله ╡ )، ثم: (باب التَّواضع).
          ثم: (باب قول النَّبيِّ صلعم : «بُعِثتُ أنا والسَّاعةُ؛ كهاتَين»، {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ}(1) الآية [النحل:77])، ثم: (باب طُلُوع الشَّمس من مغربها)، ثم: (باب «مَن أحَبَّ لقاءَ الله أحَبَّ اللهُ لقاءَه»)، ثم: (باب سَكَرات الموت)، ثم: (باب نَفْخ الصُّوْر)، ثم: (باب يَقبِض اللهُ الأرضَ يومَ القيامة)، ثم: (باب كَيف الحَشْر؟)، ثم: (باب {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1])، [ثم:(باب] {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:4])، ثم: (باب القِصَاص يومَ القيامة)، ثم: (باب مَن نُوقِش الحِسَابَ؛ عُذِّب)، ثم: (باب يَدخُل الجنَّةَ سبعون ألفًا بغير حِسَابٍ)، ثم: (باب صِفة الجنَّة والنَّار)، ثم: (باب الصِّرَاط جَسْر جَهَنَّم)، ثم: (باب في الحَوض)، وظاهرُ إفراد البخاريِّ ترجمةَ الحوض بعدَ الصِّراط يَقتضي أنَّ الحَوضَ يكون بعدَ الصِّراط، وإلى ذلك ذَهَب جماعةٌ من العلماء، وذَهَب آخَرون إلى أنَّ الحوضَ قبلَ الصِّراط وقبلَ الميزان، وصحَّحه بعضُ المتأخِّرين؛ بما في البخاريِّ [خ¦6587]، عن أبي هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «بَيْنا أنا قائم على الحَوض؛ إذا زُمْرةٌ حتى إذا عَرَفتُهم خَرَج رجلٌ من بَيني وبينِهم؛ فقال: هَلُمَّ، فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى النَّارِ والله، قلت: ما شأنُهم؟، قال: إنَّهم ارتَدُّوا على أَدْبارِهم القَهْقَرَى»؛ الحديث، ووَجْهُ احتجاجه بذلك أنَّ الحوضَ يكون بعدَ الصِّراط؛ لأنَّ الصِّراطَ إنَّما هو جَسْرٌ على جَهَنَّم مَمدودٌ يُجَاز عليه، فمن جَازه؛ يَسْلَم من النَّار، وكأنَّه فَهم أنَّ الأَخْذَ من الحَوض يكون إلى النَّار، وذلك قبلَ / الصِّراط، والذي وَقَفتُ عليه في نُسَخ البخاريِّ ليس فيه: «على الحَوض»، وإنَّما فيه: «بَيْنا أنا قائمٌ»، وفي روايةٍ: «نائمٌ»؛ فحينئذٍ لا حُجَّةَ له في ذلك، وقال هذا المُحتَجُّ: الصَّحيحُ أنَّ للنَّبيِّ صلعم حَوضَين؛ يَعني: حَوضًا قبلَ الصِّراط، وحوضًا بعدَه، ولم يَقُم دليلٌ على ذلك.
          ولمَّا قَضى البخاريُّ الكلامَ على تراجم (الرِّقاق)، وما فيها من المَوَاعظ والإنذارات والبِشَارات؛ أردف ذلك بما يُبَيِّن أنَّ الأمورَ في الدُّنيا والآخرة والأحوالَ كلَّها بقَدَر الله تعالى؛ فقال: (كتاب القَدَر)، (باب في القَدَر)، (باب جَفَّ القَلم على عِلم الله تعالى)، ثم: (باب «اللهُ أعلمُ بما كانوا عامِلين»)، ثم: (باب {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب:38])، ثم: (باب العَمَل بالخواتيم)، ثم: (باب إلقاء العَبد النَّذْر إلى القَدَر)، وهذا أمرٌ يَخُصُّ النَّذْرَ وإنْ كان للنَّذْر أبوابٌ مَخصوصةٌ ستأتي، ثم: (باب لا حول ولا قوَّة إلا بالله)، ثم: (باب المَعصوم مَن عَصَمه اللهُ)، ثم: (باب {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأنبياء:95])، ثم: (باب {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء:60])، ثم: (تَحَاجَّ آدمُ وموسى عند الله ╡ )، ثم: (باب لا مانِعَ لِمَا أَعطَى)، ثم: (باب مَن تَعَوَّذ(2) بالله من دَرَك الشَّقَاء وسُوء القَضَاء)، ثم: (باب {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24])، ثم: (باب {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا} [التوبة:51])، ثم: (باب {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا الله} [الأعراف:43])، وكان هذا من كلام أهل الجنَّة كلِّهم بعد دخولهم الجنَّة؛ فختم [به] تراجمَ القَدَر؛ لِمَا فيه من إجماع أهل الجنَّة على البراءَة من الحَول والقوَّة، وأنَّ اللهَ هو الذي هَدَاهُم.
          وكان النَّذْرُ قد يُحَال عليه حصولُ الشَّيء، وتَحقيقُه: أنَّ اللهَ هو الذي قَدَّر هذا، وكان قد سَبَق: (إلقاء العَبد النَّذْر إلى القَدَر)، وكان النَّذْر فيه كَفَّارَةٌ(3) في مسائل، وكانت الأَيْمان أصلًا؛ فأردف ذلك بقوله: (كتاب الأَيْمان / والنَّذْر).


[1] في الأصل: ((بالبصر)).
[2] في الأصل: ((بمن يعوذ)).
[3] في الأصل: ((كفايةٌ)).