مناسبات أبواب صحيح البخاري بعضها لبعض

المقدمة

          ♫
          قال سيِّدُنا وشيخُنا وبركتُنا، شيخُ الإسلام، وسلطانُ العلماء والأعلام، سراجُ أوانه، فاروقُ زمانِه، رُحْلَة الطالبين، وقُدوة العارفين، وقامعُ المبتدعين، ومُمسِكُ زِمام الدين، أبو حفصٍ عُمرُ سِراجُ المِلَّة والدِّين البُلْقِينيُّ _أمَدَّ الله مُدَّته، وبارك للمسلمين في حياته، آمين_:
          الحمدُ لله الذي أفاض مِن بحور المعارف على قلب مَن اختاره مِن عِبَاده بحرا، وأجرى له مِن ينابيع الأحكام وعيون الحِكَم العَذْبة الطَّيِّبة نهرا، وأمَدَّه مِن إمداد فَضْله، وأجرى له مِن إحسانه ما أجرى، وبَسَط له مِن بِسَاط الاستنباط بَسْطًا واسعًا أعظَمَ به قَدْرا، وأمَدَّه بإقامة الأدلَّة القويَّة، ومَنحه مِن ذلك يُسْرا، وأقام على رأس كلِّ مئة عامٍ مَن يُجَدِّد للأُمَّة المحمَّدية في دِينها تقريرًا وذِكْرا.
          والصَّلاة على مَن خَصَّه بعُمُوماتِ دنيا وأُخرى، سيِّدنا محمدٍ خاتمِ الأنبياء والمرسلين، الذي جَعَله في مَنصِب التقديم صَدْرا، وقَدَّمه أَمامَ المُتَّقين؛ فعَمَّت شريعتُه بِشارةً ونُذْرا، وجعله رحمةً للعالَمين، فجاء بما يُتْلى ويُروَى ويُدْرا، وابتدأَه بالوحي الطَّيِّب الذي هو منبع الخَيْرات سِرًّا وجَهْرا، / فجاء بالكِتاب والسُّنَّة، ولم يبقَ لأَحَدٍ بعدَ ذلك مِن الخَلْق عُذْرا، وقامتِ الأُمَّةُ بحِفْظ ذلك، وتقرير الأحكام منه، وكَم لهم مِن بُشرى، وصاروا تَبَعًا له في تقرير الأحكام، وفي الصَّلاة والسَّلام، فأعظِمْ بذلك فخرا، فصلَّى الله وسلَّم عليه، وعلى آله وصَحْبه، ومَن تَبِعهم واقتَفى لهم آثارًا وإِثْرا.
          أمَّا بعدُ؛ فإنِّي لمَّا سمِعتُ وأَسمَعتُ كتابَ الإمامِ الحافظِ العلاَّمة أبي عبد الله المنسوبِ لبُخَارى، وأَجْرَى علَيَّ رَبِّي مِن فتحه على أحاديثه بِحارا، فأَخذتُ في إملاءٍ عليه، لا يُسَابَق ولا يُجارَى، واختَصرتُ الكلامَ فيه اختصارا، وابتدأتُ بذِكر مناسبةِ الكُتُب التي تَرجم عليها في كتابِه، وقد تَقع الإِشارةُ فيها إلى بعض أبوابه، يتَنَبَّه النَّاظرُ في ذلك لأُمورٍ حَسَنةٍ غريبة، وفروعٍ دقيقةٍ ومعانٍ عجيبة، فأقولُ وما توفيقي إلَّا بالله، فهو الذي لجميع الخَلْق إِله: