مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري الخزرجي

          معاذُ بنُ جبلِ بنِ عَمرٍو أنصاريٌّ خَزرجيٌّ(1)
          وأمُّه: هندُ بنتُ سَهلٍ، من جُهينةَ، يُكْنى: أبا عبدِ الرَّحمنِ، وكانَ طَوالاً، حسَنَ الشَّعرِ، عظيمَ العينَينِ، أبيضَ بَرَّاقَ الثَّنايا، لم يولَدْ له قطُّ، وقيل: إنَّه وُلدَ له ولدٌ وسُمِّيَ: عبدَ الرحمنِ، وبه كانَ يُكْنى، وماتَ ابنُه بالطَّاعونِ، وانقَرَضَ عقِبَه، وهو أحدُ السَّبعينَ الذين شَهِدُوا العقَبةَ من الأنصارِ، وشَهِدَ العقَبةَ وبَدْراً والمشاهدَ كلَّها، وبعَثَه رسولُ اللهِ صلعم قاضياً إلى الجُندِ من اليمنِ ليُعلِّمَ الناسَ القُرآنَ وشرائعَ الإسلامَ، وجعَلَ إليه قبْضَ الصَّدقَاتِ من العُمَّالِ الذين باليَمنِ.
          وقالَ رسولُ اللهِ صلعم في حقِّه: ((أعلَمُهم بالحلَالِ والحرَامِ معَاذُ بنُ جبلٍ)) وقالَ رسولُ اللهِ صلعم: ((يأتي معاذُ بنُ جبلٍ يومَ القيَامةِ أمامَ العُلماءِ برَتْوةٍ)).
          وكانَ سَمْحاً لا يُمسِكُ، فلم يزَلْ يدَّانُ حتى أغلَقَ مالَه كلَّه من الدَّينِ، فأتى النبيَّ صلعم، فطلَبَ إليه أن يسألَ غُرماءَه أن يضَعُوا له، فأبَوا، ولوا تَركُوا لأحدٍ من أجلِ أحَدٍ لَترَكُوا لمعاذٍ من أجلِ رسولِ اللهِ صلعم، فباعَ النبيُّ صلعم مالَه كلَّه في دينِه حتى قامَ معاذٌ بغَيرِ شيءٍ، حتى إذا كانَ عامُ فتحِ مكَّةَ بعثَه النبيُّ صلعم إلى الطَّائفِ من أهلِ اليمنِ ليُخبِرَه، فمكَثَ معاذٌ باليَمنِ أميراً، وكانَ أوَّلَ مَنْ اتَّجَرَ في مالِ اللهِ، فمكَثَ حتى أصابَ، وحتى قُبضَ رسولُ اللهِ صلعم، فلمَّا قَدِمَ قالَ عمرُ لأبي بكرٍ: أرسِلْ إلى هذا الرَّجلِ، فدَعْ له ما يُعيشُه وخُذْ سائرَه منه، فقالَ أبو بكرٍ: إنَّما بعَثَه رسولُ اللهِ صلعم ليَجبُرَه، ولستُ بآخذٍ منه شيئاً إلا أن يُعطيَني، فانطلَقَ عمرُ إليه إذ لم يُطِعْه أبو بكرٍ، فذكَرَ ذلك لمعاذٍ، فقالَ معاذٌ: إنَّما أرسَلَني رسولُ اللهِ صلعم ليَجبُرَني، ولستُ بفاعلٍ، ثمَّ لقيَ معَاذٌ عمرَ، فقال: قَد اتَّبعتُكَ، وأنا فاعلٌ ما أمرتَني به، رأيتُ في المنامِ أنِّي في حَومةِ ماءٍ قَد خشِيتُ الغرَقَ، فخلَّصتَني منه يا عمرُ، فأتى معاذٌ أبا بكرٍ، فذكَرَ ذلك له، وحلَفَ له أنَّه لا يكتُمُه شيئاً، فقالَ أبو بكرٍ: لا آخُذُ منك شيئاً، قَد وهَبتُه لك، فقالَ عمرُ: هذا حينَ حلَّ وطابَ.
          وكانَ أحدَ الفُقهَاءِ الذين يُفتُون على عَهدِ رسُولِ اللهِ صلعم، وجمَعَ القُرآنَ حِفْظاً، وماتَ بالأُردُنِّ في طاعُونِ عمَواسَ سنةَ ثمانِ عشْرةَ وهو ابنُ ثمانٍ وثلاثينَ سنةً، واستعمَلَه عمرُ على الشامِ حين ماتَ أبو عُبيدةَ، فماتَ من عامِه ذلك، فاستَعمَلَ مَوضِعَه عَمرَو بنَ العاصي، وعَمَواسُ قريةٌ بين الرَّملةِ وبيتِ المقدِسِ.
          ورُويَ عنه أنَّه لمَّا أصابَ الناسَ الطَّاعونُ بالجابيةِ قامَ عمرُو بنُ العاصي فقال: تفَرَّقُوا عنه، فإنَّما هو بمنزلةِ نارٍ، فقامَ معاذُ بنُ جبلٍ، فقال: لقد كنتَ فينا ولَأنتَ أضَلُّ من حمارِ أهلِك، سمعتُ رسُولَ اللهِ صلعم يقولُ: ((هو رحمةٌ لهذه الأمَّةِ)) اللهمَّ فاذكُرْ معاذاً فيمَنْ يذكُرُه بهذه الرَّحمةِ، وأردَفَه النبيُّ صلعم وراءَه، وشيَّعَه ماشيا في مَخرَجِه إلى اليمَنِ وهو راكِبٌ(2).


[1] في (ز) و(ف): ((الأنصاري الخزرجي)).
[2] من قوله: ((وأمه هند بنت سهل... إلى قوله: ...وهو راكب)): ليس في (ز) و(ف).