تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح

          1757- (زَهْرَةُ الدُّنْيَا) حُسْنُهَا ونَعِيْمُهَا.
          (الرُّحَضَاءُ) العَرَقُ الكثيرُ، ومنه رَحَضتُ الثوبَ غسلتُه بالماء.
          (الحَبَطُ) أن تُكْثِرَ الدَّابَّةُ من أكلِ المرعى حتى يَنتفخَ لذلك بَطْنُهَا، فلا تَثْلِطُ ولا تبولُ، واحتباسُ ذلك ربَّما قَتلها.
          (أَوْ ألَمَّ بِذَلِكَ) أي قاربَ ذلكَ.
          (والخَضِرُ) ليست من أحرارِ البُقُوْلِ ولا جَيِّدِهَا، ولكنها من الجَنْبَةِ، وهي نوعٌ أدنى من ذلكَ، يبقى بعدَ يَبَسِ المرعى، فترعاهُ المواشي ضرورةً لقلَّةِ وُجُوْدِ غيره.
          (ثَلَطَ البَعِيْرُ) إذا ألقى ما يخرجُ من رَجِيْعِهِ سَهلاً رَقيقاً، قيل: وفي الخبرِ مثلانِ ضُرِبَ أحدُهما للمُفْرِطِيْنَ في جَمْعِ الدُّنيا ومَنْعِهَا من حَقِّهَا، وضُرِبَ الآخرُ للمُقْتَصِدِ في أَخْذِهَا والانتفاعِ بها.
          فأمَّا مثَلُ المُقْتَصِدِ فقولُهُ صلعم: «إلا آكِلَةَ الخَضِرِ»: وذلكَ أن الخَضِرَ ليس من أحرارِ البُقُوْلِ التي يُنْبِتُهَا الرَّبيعُ بِتوالي أمطارِهِ فتحسُنُ وتَنعَمُ، ولكنه من التي تَرعاها المواشي بعد هَيْج البُقولِ ويَبْسِهَا؛ إذ لا تجدُ غيرها، وتُسميها العربُ الجَنْبَةُ، فضربَ النبيُّ صلعم آكلةَ الخضرِ من المواشي مثلاً لمن يقتصرُ في أخذِ الدُّنيا وجَمْعَهَا، ولا يحملُهُ / الحِرْصُ على أخذِهَا بغير حَقِّهَا، فهو يَنْجُو من وَبَالِهَا، كما نجتْ آكلةُ الخَضِرِ، ألا تراهُ قال: «أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فثَلَطَتْ وَبَالَتْ»: أرادَ أنَّها إذا شَبِعَتْ منها برَكَتْ مُسْتَقْبِلَةً عَيْنَ الشمسِ تستَمرىءُ بذلك ما أكلَتْ، وتَجْتَرُّ وتَثلِطُ، فإذا ثَلَطَتْ وبالَتْ فقد زالَ عنها الحَبَطُ، وإنما تحبَطُ الماشيةُ لأنها لا تَثلِطُ ولا تبولُ.
          فأمَّا قولُهُ: «وَإِنَّ مِمَّا يُنبِتُ الرَّبِيْعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أَوْ يُلِمُّ»: فهو مثَلُ المفرطِ الذي يأخُذُها بغيرِ حَقِّهَا، وذلك أن الربيعَ يُنبِتُ أحرارَ النَّبْتِ، فتَستكثرُ الماشيةُ منه لاستطابَتِهَا إيَّاهُ، حتى تَنْتَفِخَ بُطُوْنُهَا عند مُجاوزتها حدَّ الاحْتِمَالِ، فتُشَقُّ أمعاؤُها من ذلكَ فتهلِكُ، فكذلك الذي يجمعُ الدُّنيا من غير حَقِّهَا، ويمنعُها من حَقِّها، قد تعرِّضُ للهلاكِ في الآخرَةِ.(1)


[1] في الفقرات من قوله (الخضر) تأخير وتقديم في نسخة الأصل، وقد رتبتها بحسب المعنى، [89 -ب].