التعديل والتجريح

باب في ذكر أسانيد متفق على صحتها

          (بابُ في ذكرِ أسانيدَ متَّفَقٍ على صِحَّتِهَا)
          وما اتُّفِقَ على صحتهِ من الأسانيدِ:
          ما روى الزهريُّ عن سالمٍ عن أبيه عن عمرَ، والزهريُّ عن سالمٍ عن أبيه عن النَّبي صلعم ، والزُّهريُّ عن سعيدِ بن المسيِّب عن أبي هريرةَ، والزُّهريُّ عن عروةَ بن الزُّبيرِ عن عائشة، والزُّهريُّ عن عبيدِ الله بن عبدِ الله بن عُتبةَ بن مسعودٍ عن ابن عبَّاسٍ، إذا رواه مالكُ بن أنسٍ وابن عُيينةَ ومعمر وعبيد الله بن عمر ما لم يختلفوا، فإذا اختلفوا وجب النظرُ في اختلافهم، فيُؤخذُ بقول أكثرِهم وأحفظِهم ما لم يَبِنْ أن الخلافَ فيه من الزُّهريِّ.
          ويُلحقُ بحديثِهم وإن لم يقوَ قوتهُ حديثُ الزُّبَيْدِيِّ وعُقيل والأوزاعيِّ ويونسَ واللَّيثِ وهشام الدَّسْتُوَائيِّ ما لم يقعْ فيه اختلافٌ، فإذا خالفتْ الطبقةُ الثانية الطبقة الأولى حُكِمَ للأولى، فإن اختلفوا وجبَ النظرُ، ومن ذلك حديثُ الزُّهريِّ عن أنس ما كان من روايةِ الثِّقاتِ، وقد انفردَ الزُّهريُّ بحديثٍ عن أنس، وهو ما رواهُ عن النَّبي صلعم أنه قال: «لا تَنَاجَشُوْا وَلا تَبَاغَضُوْا ولا تَحَاسَدُوْا وَلا تَدَابَرُوْا وكُوْنُوْا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» ولا يَضُرُّ أن يُرْوَى عن الرجلِ من أصحابِ النَّبيِّ صلعم حديثُ لا يوجدُ عند غيرِهِ، إذا كان معروفًا غير مُنكرٍ ولا مَعْلُوْلٍ.
          وقد روى مالكٌ أحاديثَ لا توجدُ إلا عند مالكٍ، مثل حديثهِ عن ابن شهابٍ عن أنسٍ أن رسول الله صلعم دخل مكَّةَ عامَ الفتح وعلى رأسهِ المغفر، لم يتابعه عليهِ غير أبي أُويسٍ، وكذلك حديثه عن سُمَيٍّ عن أبي صالحٍ ذَكوانَ، عن أبي هريرةَ أن رسولَ الله صلعم قال: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ» لكن مثلُ حفظ مالكٍ وحاله يحتملُ مثل هذا، وقد أنكرَ مالكٌ ☼ سؤالَ النَّاس له عن حديثِ المِغْفَرِ، وذلك أنه يرويهِ عنه عددٌ كثير ممن هو أسنُّ منه كابن جُريجٍ وغيره فسألَ عن ذلكَ(1)، فقيل له: لا يرويهِ غيركَ؟ فقال: لو علمتُ هذا ما حدثتُ به.
          ومن ذلكَ حديثُ قتادة عن أنسٍ عن النَّبي صلعم إذا كان ذلك من حديث شُعبةَ وسعيد بن أبي عَروبة وهشامٍ الدَّسْتُوَائيِّ، فإذا اتَّفقَ الثلاثة عن قتادةَ فلا خلاف في صحَّةِ الحديث، وإذا اتَّفق اثنانِ وخالفهما الثَّالث فالقولُ قول الإثنين، وإذا اختلفوا نُظِرَ فيه وإذا روى حمَّادُ بن سلمةَ وهمَّامُ بن يحيى وأبانُ بن يزيد ومن كان مثلهم من الشُّيوخِ حديثًا عن قتادةَ فخالفهم سعيدٌ / وشُعبةُ وهشام قضى لسعيدٍ وشعبةَ وهشامٍ وإذا خالفهم سعيدٌ وحده أو شعبة أو هشام تُوُقِّفَ فيهِ.
          ومن ذلكَ حديثُ ثابتٍ البُنانيِّ عن أنسٍ إذا رواهُ شعبة وحمَّاد بن زيدٍ وحمَّاد بن سلمةَ ما لم يكن مضطربَ الإسنادِ أو يُختلفُ فيه.
          ومن ذلك حديثُ إسحاقَ بن عبدِ الله بن أبي طلحةَ عن أنسٍ عن النَّبيِّ صلعم من حديث مالكِ بن أنسٍ وحمَّاد بن سلمةَ وعكرمةَ بن عمَّارٍ والأوزاعيِّ ما لم يكن من حديثِ من سَمَّيْنَا مع مالكٍ مُنكرًا أو معلولًا أو كان مما انفردَ به عن مالكٍ من يكون مثلهم، وقد حدَّث الأوزاعيُّ عن إسحاقَ بأحاديث مستقيمةٍ، وحدَّثَ قومٌ عن الأوزاعيِّ عن إسحاقَ عن أنسٍ عن النَّبي صلعم بأحاديث منكرةٍ، كروايةِ بَقِيَّةَ عنهُ من رواية الضُّعفاء؛ عن بقيَّةَ حديثُ: « طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ» رواه عنه الخَبَائريُّ وهو ضعيفٌ.
          فما وردَ عليكَ من هذا الضَّرْبِ فالمنكرُ أَبْيَنُ من أن يحتاجَ إلى السؤالِ عنهُ، وإذا روى حمَّاد بن سلمة أو غيره من الشيوخ كالأوزاعيِّ وهمَّامٍ وأبانَ عن قتادةَ عن أنسٍ عن النَّبي صلعم حديثًا، فإذا كانَ الحديثُ معروفًا من غير طريقهم عن النَّبي صلعم أو عن أنسٍ لم يُرَدَّ، وإن كان لا يُعرفُ من حديث أنسٍ ولا من حديثِ النَّبيِّ صلعم من غير تلك الطَّريقِ فهو منكرٌ، ولا يثبتُ من حديثِ قتادة عن الحسنِ عن أنسٍ حديثٌ أصلًا، وحديثُ قتادة عن الحسنِ عن سَمُرَةَ اختلفَ فيه أهلُ العلمِ بالحديثِ فقال: أحمدُ بن هارونَ البَرْدِيْجِيُّ الحافظُ وغيرهُ: ليسَ بصحيحٍ لأنه من كتابٍ، ولا يُحْفَظُ عن الحسنِ عن سمرةَ حديثٌ يقولُ فيه من وجه صحيحٍ ليسَ بصحيح غير حديثِ العقيقةِ، وحديثُ الحسن عن أبي بَكْرَةَ فيهِ اختلافٌ، قال عليُّ بن المدينيِّ ومحمَّدُ بن إسماعيلَ سمعَ منه، واحتجوا بحديثٍ رواه أبو موسى عن الحسنِ سمع أبا بَكْرَةَ: سمعتُ النَّبي صلعم على المنبرِ والحسنُ إلى جنبِهِ يقولُ: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ولَعَلَّ اللهِ أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ».
          وقال أبو الحسنِ الدَّارَقُطْنِيُّ ويحيى بن مَعينٍ وغيرُهما من الحفاظِ: هو مرسلٌ، لم يسمعْ الحسنُ من أبي بَكْرَةَ، واحتجُّوا بأن الحسنَ أدخل بينهُ وبين أبي بَكْرَةَ الأحنفَ بن قيسٍ في حديثِ النَّبي صلعم : «إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفِهمَا فَالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ».
          وفي حديثِ الحسنِ عن عمرانَ بن حُصينٍ نَظَرٌ؛ لأنه أدخلَ بينهُ وبين عمرانَ بن حُصينٍ هَيَّاجُ بن عمرانَ البُرْجُمِيُّ في حديثِ النَّبي صلعم : «أَنَّهُ نَهَى عَنِ المُثْلَةِ».
          وجمهورُ أصحابِ الحديثِ على أن الحسنَ لم يسمع من أبي هريرةَ، والأحاديثُ التي فيها عن الحسنِ: سمعت أبا هريرة، غير صحيحةٍ، وقد روى قتادةُ / ويونسُ بن عبيدٍ أن الحسنَ لم يسمع من أبي هريرةَ، والذي صحَّ للحسنِ السَّماعُ من أصحابِ النَّبي صلعم أنسَ بن مالك وعبدَ الله بن مُغَفَّلٍ وعبدَ الرَّحمن بن سَمُرَةَ وأحمد بن جَزْءٍ.
          وأما أحاديثُ محمدِ بن سِيْرِيْنَ عن أبي هريرةَ فصحاحٌ كُلُّهَا، سمعَ منه بالبحرينِ وبالمدينة _على ساكنها السلام_ .
          وأحاديثُ قتادةَ عن ابن سيرينَ عن أبي هريرةَ فيها صحاحٌ وفيها ما لا يَثْبُتُ، وأحاديثُ أيوبَ عن ابن سيرينَ عن أبي هريرةَ صحاحٌ من روايةِ حمَّادِ بن زيدٍ وابن عُلَيَّةَ، ولم يختلفا إلا في حديثٍ واحدٍ رَفَعَهُ حمَّادُ بن زيد وأوقفَهُ ابن عُلَيَّةَ، وقد أدخلَ محمَّدُ بن عبدِ الرَّحمن الطُّفَاوِيُّ عن أيوبَ بين محمدِ بن سيرينَ وبين أبي هريرةَ عبدَ الوهابِ، وأدخلَ عليُّ بن رَبَاحٍ بينه وبين أبي هريرةَ عبدَ العزيزِ بنَ مروانَ وعليَّ بن شَمَّاخٍ والأولُ أصحُّ، وعليهِ جماعةُ أهلِ العلمِ واللهُ أعلم.
          وأحاديثُ أبي قِلَابَةَ عن أنسٍ صِحَاحٌ من روايةِ أيُّوبَ، إذا روى عن أيُّوبَ حمَّاد بن زيدٍ أو ابن عُلَيَّةَ ووُهيبٌ وعبدُ الوهاب الثَّقفيُّ، والذي صحَّ لمجاهدٍ من الصحابةِ عبدُ الله بن عبَّاسٍ وعبدُ الله بن عمرَ وأبو هريرةَ وقد اختلفَ فيه، وحُجِبَ عن عائشة فلم يدخلْ، وما رَوَى عنهُ من البصريِّين ابنُ عونٍ وابن بشر وأيوبَ صحيحٌ، ومن الكوفيينَ منصورُ بن المعتمرِ لا يقدمُ أحدٌ عليه في مجاهدٍ ثم الحَكَمُ بن عتبةَ.
          وأحاديثُ الأعمشِ عنه يسيرةٌ بعضها مسموعٌ وبعضها فيه تدليسٌ، وقد روى أبو إسحاقَ السَّبِيْعِيُّ عن مجاهدٍ، ويروي مجاهدٌ عن أبي سعيدٍ ولا يصحُّ ذلك، إنما هو من حديثِ محمَّدِ بن إسحاقَ عن أبانَ بن صالحٍ عن مجاهد، ومن حديث ليثِ بن أبي سُليم عن مجاهدٍ.
          وأحاديثُ نافعٍ عن ابن عمرَ صحاحٌ، إذ رواها عنه مالكٌ وعبيدُ الله بن عمر وأيُّوبُ السَّختيانيُّ، فإن اتَّفقوا فالقولُ قولهم دون من خالفهم وان اختلفوا نُظِرَ فيه.
          وأحاديثُ عبدِ الله بن دينارٍ عن ابن عمرَ صحاحٌ من روايةِ مالكٍ وشعبةَ وسفيانَ الثوريِّ.
          وأحاديثُ يحيى بن سعيدٍ الأنصاريُّ عن أنسٍ صحاحٌ، وبقي ثلاثةُ أحاديث منها حديثٌ فيه اضطرابٌ، وسائرُ حديث يحيى ابن سعيد عن أنسٍ فيه نظرٌ، ولا يصحُّ ليحيى بن سعيدٍ عن سعيد بن المسيِّبِ عن أبي هريرة عن النَّبي صلعم حديثٌ.
          وأحاديثُ قتادة عن سعيدِ بن المسيِّبِ عن أبي هريرةَ عن النَّبي صلعم كُلُّهَا معلولةٌ، وليس عند شُعبةَ عن قتادةَ عن سعيد بن المسيِّبِ عن أبي هريرةَ حديثٌ مسندٌ، وعن سعيدِ بن أبي عَروبةَ وهشامٍ الدَّسْتُوَائيِّ / عن قتادةَ عن سعيدٍ عن أبي هريرةَ عن النَّبي صلعم عندَ كلِّ واحدٍ منهما حديثٌ، وفيهما نظرٌ.
          ولا يصحُّ سماعُ قتادةَ من أبي سلمةَ بن عبدِ الرَّحمن، ولم يسمع من الشعبي ولا من عروةَ بن الزبيرِ، وقد رُوِيَ عنه عن عروة حديثانِ، وقد حدَّث عن الزهري، واختُلف في سماعه، ومنه الذي أجمع عليه أهل الحديثِ من حديث أبي إسحاق السَّبيعيِّ ما رواه شعبةُ وسفيانُ الثَّوريُّ، فإذا اختلفا فالقولُ قول الثَّوريِّ.
          فهذه فصولٌ يُستعانُ بها على معرفةِ الصحيح من غيره، وبنهجِ البحث عن سواها مما هو في معناها. والله الموفق للصَّواب.


[1] الجملة مكررة في المخطوط.