الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: تعرض الفتن على القلوب كالحصير

          418- العاشر: عن أبي مالكٍ سعدِ بنِ طارقٍ عن رِبعِيٍّ عن حذيفةَ قال: كنَّا عند عمرَ فقال: أيُّكم سمِعَ رسولَ الله صلعم يذكُر الفِتَنَ؟ فقال قومٌ: نحن سمِعناه، فقال: لعلَّكم تعنونَ فتنةَ الرجلِ في أهلِه وجارِه قالوا: أجَلْ، قال: تلك تكفِّرُها الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ، ولكنْ أيُّكم سمِع النَّبيَّ يذكُر الَّتي تموجُ مَوجَ / البحرِ؟ قال حذيفةُ: فأَسْكَتَ القومُ، فقلتُ: أنا، قال: أنتَ لله أبوكَ! قال حذيفةُ: سمعتُ رسولَ الله صلعم يقول: «تُعرَضُ الفتنُ على القلوب كالحصيرِ(1) عَودٌ عَودٌ(2)، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نُكتةٌ سوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنكَرها نُكِتَ فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتَّى تصيرَ على قلبينِ: على أبيضَ مثلِ الصَّفا، فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامتِ السماواتُ والأرضُ، والآخرُ أسودُ مُربادَّاً(3) كالكُوزِ مُجَخِّياً(4)، لا يعرِفُ معروفاً / ولا ينكِرُ منكَراً، إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ».
          قال: وحدَّثتُه أنَّ بينَكَ وبينَها باباً مغلقاً يوشِكُ بأن يُكسَرَ، قال عمر: أكَسراً لا أبا لكَ؟! فلو أنَّه فُتِح لعلَّه كان يُعادُ. قال: لا؛ بل يكسَرُ.
          وحدَّثتُه أنَّ ذلك البابَ رجلٌ يقتَلُ أو يموتُ، حديثاً ليس بالأغاليطِ.
          قال: فقلت: يا أبا مالكٍ ما أسودُ مُرْبادَّاً؟ قال: شدَّةُ البياضِ في سوادٍ. قلت: فما الكُوزُ مُجَخِّياً؟ قال: منكُوساً.
          قد تقدَّم في المتَّفَق عليه سؤالُ عمرَ عن الفتنةِ بألفاظٍ أُخرَ لا تتَّفِقُ مع هذا إلَّا في يسيرٍ، فلذلك أوردْنا هذا.


[1] تُعرضُ الفِتنُ علي القلوب كالحَصير: وفي بعض الروايات عرضَ الحصير: أي؛ تحيط بالقلوب كالمحصور المحبوسِ، يقال: حصرَه القومُ: إذا أحاطوا به وضيَّقوا عليه، وقال الليث: حصير الجَنب: عِرقٌ يمتد معترضاً على الجنب إلى ناحية البطن، شبَّه إحاطتَها بالقلب بإحاطة هذا العِرق بالبطن، وهذا في معنى الذي قبله.
وكذلك ما قيل: إنّه أراد عرضَ الحصير والسجن والتضييق والإلزام الذي لا بد منه، فيكون كالحصير المسجون المضطر إلى الاحتيار، حتى تصيرَ يعني القلوب على قلبين؛ أي: على قسمين.(ابن الصلاح) نحوه.
[2] عَودٌ عَودٌ: أي: هذا العرضُ عَود عود؛ أي: مرةً بعد مرة يقال: عاد يعود عَودةً وعَوداً، وهذا دليلٌ على الضيق والحصر، فأي قلبٍ اُشربها: أيْ قبلَها ودخلت فيه وسكنت إليه نُكت فيه نكتةٌ سوداء؛ أي: دليل على السَّخَط، وأيُّ قلب أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء؛ أي: دليلاً على الرضا عنه والاستحسان لفعله حتى تصير يعني القلوب على قلبين أي على قسمين.
وفي هامش (ابن الصلاح): قال الشيخ: قد روي عَوداً عَوداً بفتح العين والنصب، وهي رواية الحميدي لكن من غير نصب، كذا وقع عنه في هذا الأصل وأصلِ سعد الخير عنه، وروي عُوداً بضم العين، وذكر سعد الخير في حاشية أصلِه: أنه كذلك وقع في النسخ قال: وهو خطأ؛ والصواب بفتحها، كذا ذكره شيخنا الحميدي.
[3] المُربَدُّ والمُربادُّ: الذي في لونه رُبدةٌ، وهي بين السواد والغُبرة.
[4] كالكُوز مُجَخّياً: أي: مائلاً عن الاستقامة منكوساً.