هدى الساري لمقدمة فتح الباري

فضائل الجامع الصحيح

          ذكر فضائل الْجَامِع الصَّحِيح سِوَى ما تقدم في الفُصُوْلِ الأولى وَغَيْرِهَا
          قالَ أَبُوْ الْهَيْثَمِ الْكَشْمَيْهَنِيُّ: سمعتُ الْفِرَبْرِيَّ يقول: سمعتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ يقولُ: ما وضعتُ في ((كِتَابِ الصَّحِيحِ)) حَديثاً إِلَّا اغتسلتُ قبلَ ذلكَ وصلَّيتُ رَكْعَتَيْنِ، وعنْ البُخَارِيِّ قَالَ: صنفتُ الْجَامِعَ من ستمائةِ ألفِ حديثٍ في سِتِّ عشرةَ سنةً، وجعلتُهُ حُجَّةً فيما بَيني وبينَ اللهِ. وقالَ أَبُوْ سَعْدٍ الإدِرْيِسِيُّ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَرَوِيُّ سمعتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ هَاشِمٍ يقولُ: قالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ البُجَيْرِيِّ: سمعتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ يقولُ: صنفتُ كِتَابي الْجَامِعَ في المسجدِ الحرامِ، وَمَا أدخلتُ فيهِ حَديثاً حتى استخرتُ اللهَ تَعَالَى وصليتُ رَكْعَتَيْنِ وتيقَّنتُ صِحَّتَهُ.
          قلتُ: الجمعُ بينَ هذا وبينَ ما تقدَّمَ أنه كانَ يُصَنِّفُهُ في البلادِ، أنه ابتدأَ تصنيفَهُ وترتيبَهُ وأبوابُهُ في المسجدِ الحرامِ، ثم كانَ يخرجُ الأحاديثَ بعدَ ذلكَ في بلدِهِ وَغَيْرِهَا، ويدلُّ عليهِ قولُهُ: إنهُ أقامَ فيهِ ستَ عشرةَ سَنَةً، فإنه لم يجاورْ بِمَكَّةَ هذهِ المدَّةَ كُلَّهَا، وقد رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عن جَمَاعَةٍ من المشايخِ أنَّ البُخَارِيَّ حوَّلَ تراجمَ جَامَعِهِ بينَ قبرِ النَّبِيِّ صلعم ومنبرِهِ، وكانَ يُصَلِّي لكلِّ ترجمَةٍ رَكْعَتَيْنِ.
          قلتُ: ولا يُنَافِي هذا أيضاً ما تقدَّمَ؛ لأنه يحملُ على أنَّهُ في الأوَّلِ كَتَبَهُ في المُسَوَّدَةِ وهُنَا حوَّلَهُ من المسودَةِ إلى المُبيضةِ، وقالَ [د308/ب] الْفِرَبْرِيُّ: سمعتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِيْ حَاتِمٍ وَرَّاقَ البُخَارِيِّ يقولُ: رأيتُ البُخَارِيَّ في المنامِ خلفَ النَّبِيِّ صلعم والنَّبِيُّ صلعم يَمْشِي، فَكُلَّمَا رَفَعَ النَّبِيُّ صلعم قَدَمَهُ وضعَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ قَدَمَهُ في ذلكَ الموضعِ. وقالَ الخَطِيْبُ: أَنْبَأَنَا أَبُوْ سَعْدٍ المَالِيْنِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُوْ أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ سمعتُ الْفِرَبْرِيَّ يقولُ: سمعتُ نَجْمَ بْنَ فُضَيْلٍ وكانَ مِنْ أهلِ الفَهْمِ يقولُ: رأيتُ النَّبِيَّ صلعم في المنامِ خَرَجَ من قريَةٍ، والبُخَارِيُّ يَمْشِي خلفَهُ، فكانَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم إِذَا خَطَا خُطْوَةً يَخْطُوْ مُحَمَّدٌ ويضعُ قَدَمَهُ على خطوةِ النَّبِيِّ صلعم، قالَ الخَطِيْبُ: وكتبَ إلى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيِّ مِنْ أَصْبَهَانَ أنهُ سَمِعَ مُحَمّدَ بْنَ مَكِّيٍّ يقولُ: سمعتُ الْفِرَبْرِيَّ يقولُ: رأيتُ النَّبِيَّ صلعم في النومِ فَقالَ لي: أين تريدُ؟ فقلتُ: أريدُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: أقرئهُ مِنِّي السَّلامَ.
          وقالَ شيخُ الإسلامِ أَبُوْ إِسْمَاعِيْلَ الْهَرَوِيُّ _فِيما قَرَأْنَا على فَاطِمَةَ وعَائِشَةَ بِنْتَي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ أَبَا الوقتِ أَخْبَرَهُمْ عنهُ سَمَاعاً_: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ الْهَرَوِيُّ سمعتُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْمُرْوَزِيَّ يقولُ: سمعتُ أَبَا سَهْلٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الْمُرْوَزِيَّ يقولُ: سمعتَ أَبَا زَيْدٍ الْمُرْوَزِيَّ يقولُ: كنتُ نَائِمَاً بينَ الرُّكْنِ والمَقَامِ فرأيتُ النَّبِيَّ صلعم في المنامِ فَقالَ لِي: يَا أَبَا زَيْدٍ إِلَى مَتَى تدرسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ ولا تدرسُ كِتَابِي؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَمَا كِتَابُكَ؟ قَالَ: ((جَامِعُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ)).
          وقالَ الخَطِيْبُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّوْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الغَنِي بْنُ سَعِيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُوْ الفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ الفَضْلِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوْسَى بْنِ يَعْقُوْبَ بْنِ المَأْمُوْنِ قَالَ: سُئِلَ أَبُوْ / عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ عَنْ العَلاءِ وسُهَيْلٍ، فَقَالَ: هما خيرٌ من فُلَيْحٍ، ومعَ هَذَا فما في هذهِ الكتبِ كُلِّهَا أجودُ من كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ. وقالَ أَبُوْ جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: لما صَنَّفَ البُخَارِيُّ كِتَابَ الصَّحِيحِ عَرَضَهُ علَى ابْنِ المَدِيْنِيِّ، وأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ويَحْيَى بْنِ مَعِيْنٍ وغيرِهِمْ، فاستحْسَنوهُ وشَهِدُوْا لهُ بالصحَّةِ إِلَّا أربعةَ أحاديثَ. قَالَ العُقَيْلِيُّ: والقولُ فِيها قولُ البُخَارِيِّ، وهي صحيحةٌ.
          وقالَ الْحَاكِمُ أَبُوْ أَحْمَدَ: رَحِمَ اللهُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ الإمامَ، فإنَّهُ الذي ألَّفَ الأصولَ، وبيَّنَ للناسِ، وكُلُّ مَنْ عَمِلَ بَعْدَهُ فإنما [309/أ] أخذَهُ من كِتَابِهِ كمُسْلِمٍ فرَّقَ أكثرَ كِتَابِهِ في كتابِهِ، وتجلدَ فيه حقَّ الجلادَةِ حيثُ لم ينسبهُ إليهِ، وقالَ أَبُوْ الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ الحَافِظُ: لولا البُخَارِيُّ لما راحَ مُسْلِمٌ ولا جَاءَ. وقالَ أَيضاً: إِنَّمَا أخذَ مُسْلِمٌ كِتَابَ البُخَارِيِّ فعملَ عليهِ مُسْتَخْرَجَاً، وزادَ فيهِ أحاديثَ.